هل ستُنقذ توجهات الحكومة قطاع الدواجن؟
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

هل ستُنقذ توجهات الحكومة قطاع الدواجن؟

الحديث عن معاناة مربي الدواجن قديم مستجد، والمأساة التي لم يتم تداركها حتى الآن، وتتضخم عاماً بعد آخر، تتمثل بخروج المزيد من المربين عن الخدمة، مع ما يتبع ذلك من انعكاسات سلبية على المستهلكين وعلى الاقتصاد الوطني عموماً.

فقد ارتفعت أسعار الفروج والبيض بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، ما أدى إلى تدني معدلات الاستهلاك لدى المواطنين، الأمر الذي زاد من مشاكل قطاع الدواجن، وإلى خروج المزيد من منشآت هذا القطاع عن الخدمة.

قطاع هام وتخلّ غير مبرر

لا أحد يمكن أن يقلل من أهمية هذا القطاع، لا على مستوى تأمين حاجات الاستهلاك المحلي من الفروج والبيض، وخاصة باعتبارهما مصدر البروتين الحيواني الأقل سعراً، بعد خروج اللحوم الحمراء من سلة الاستهلاك الشعبي، ولا على مستوى دور هذا القطاع على مستوى الاقتصاد الوطني، باعتبار أن جزءاً هاماً من إنتاج هذا القطاع يتم تصديره، وخاصة بيض المائدة.
وعلى الرغم من أهمية هذا القطاع، واتساعه وكبر حجمه مع العاملين فيه، إلا أن مشاكله لم تُحل، ومعاناته تتعمق وتزداد، والسبب الرئيسي بذلك هو تراجع دور الدولة على مستوى تأمين مستلزماته، وخاصة الأعلاف.

تكاليف مرتفعة وتحكم

المأساة بالنسبة لهذا القطاع متشعبة الأسباب، فمستلزمات التربية والإنتاج مرتفعة التكاليف، وترتفع عاماً بعد آخر، وقد زاد من تكاليفها العقوبات والحصار والاستغلال، باعتبار أن المادة الأساسية المتمثلة بالأعلاف، والتي تمثل التكلفة الأكبر من مستلزمات التربية بما يقارب 80%، يتم استيرادها من قبل بعض كبار المستوردين، بعد أن تراجع دور مؤسسة الأعلاف على هذا المستوى منذ سنوات، تاركة هذه المهمة للقطاع الخاص، مع ما يعنيه ذلك من استغلال وتحكم على مستوى الأسعار، وعلى مستوى توفير الكميات بالمواعيد المطلوبة وبالمواصفة الجيدة.
والسبب الآخر للمأساة مرتبط بالسوق المحلي، وبشكل مباشر بالقدرة الشرائية للمواطن، فمعدلات الاستهلاك مرتبطة بهذه القدرة، فعندما تصبح تكاليف الإنتاج مرتفعة، وبالتالي ترتفع معها الأسعار على المستهلك، فهذا يعني انخفاض معدلات الاستهلاك، ما يؤدي إلى خسائر إضافية يتكبدها المربون، والقطاع عموماً، حيث تخرج المنشآت عن الخدمة تباعاً.
والمشكلة الإضافية تتمثل بأسواق التصريف الخارجية، حيث يعاني القطاع من هذه المشكلة منذ بدء الحرب والأزمة، ارتباطاً بإغلاق الحدود وبالعقوبات والحصار، مع عدم إغفال عوامل المنافسة في هذه الأسواق، وهذا الجانب أيضاً مرتبط بشكل مباشر بدور بعض المصدرين، فهؤلاء أولاً وآخراً يبحثون عن هوامش أرباحهم، والتي تكون غالباً على حساب المربين الذين يضطرون لتصريف فائض إنتاجهم بسعر التكلفة في بعض الأحيان، خشية تراكم الخسائر، وبالتالي الخروج من الخدمة، طبعاً في حال تمكن هؤلاء من استكمال عمليات التصدير وصولاً لأسواق الاستهلاك الخارجية بدون معيقات.

توجهات رسمية

استغاثات المربين المزمنة، وصلت أخيراً لأسماع الحكومة، فقد قررت بتاريخ 17/5/2020: «السماح للمؤسسة العام للأعلاف باستيراد الأعلاف وتوزيعها على المداجن، ودراسة مشروع قانون لخفض الرسوم الجمركية لكسبة فول الصويا والذرة الصفراء بنسبة 50 بالمائة، وإعفائها من بقية الرسوم والضرائب الأخرى».
وبتاريخ 18/5/2020 ورد على صفحة الحكومة ما يلي: «كشف مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي عن التنسيق اليومي مع الجهات الحكومية ذات الصلة لوضع مصفوفة وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي الخاصة بالإجراءات المطلوب اتخاذها لتطوير قطاع الدواجن، وتذليل الصعوبات التي تعترض عمله لا سيما لجهة (توفير الأعلاف وتسهيل عملية استيرادها- التوسع في عدد منشآت تربية الدواجن والمسالخ ومستلزماتها- إيجاد قنوات تسويق في الأسواق الداخلية والخارجية)، موضع التنفيذ».
وعن تفاصيل «المصفوفة» التي تم اعتمادها من قبل اللجنة الاقتصادية فقد شملت:
وضع آلية تسعير لكسبة فول الصويا المصنعة محلياً وفقاً لنسبة البروتين بما ينعكس إيجاباً على تحفيز صناعة الأعلاف المحلية من خلال عملية التسعير وفق نسبة البروتين.
تسعير المواد العلفية المستوردة والمحلية وفق التكلفة الحقيقية.
تخفيض الرسوم الجمركية لـ»الذرة الصفراء- كسبة فول الصويا» إلى 1%.
تخصيص الاعتمادات اللازمة «40 مليون يورو» لاستيراد المواد العلفية «كسبة فول الصويا- الذرة الصفراء العلفية» لصالح المؤسسة العامة للأعلاف، وتوزيعها على المربين كنوع من التدخل الإيجابي، وخلق حالة توازن في الأسواق المحلية.
تسهيل عمليات التخليص الجمركي باعتماد الصور بدلاً عن الوثائق الأصلية بموجب تعهد لدى الكاتب بالعدل بتأمين النسخ الأصلية خلال ثلاثة أشهر لعدم وجود خدمة البريد الجوي.
تقديم التسهيلات للمربين باستيراد الأعلاف من الدول المجاورة حسب طاقة التربية لديهم، وتأمين التمويل اللازم لاستيراد الأعلاف آنياً على أن تتم المحاسبة على السعر الذي منح فيه التمويل.
تشميل اللقاحات والأدوية البيطرية والإضافات العلفية الهامة غير المنتجة محلياً بقائمة المستوردات الممولة من مصرف سورية المركزي.
اقتراح تخصيص مناطق في بعض المحافظات خارج المخططات التنظيمية، وفي أراضٍ غير زراعية لإقامة تجمعات لمنشآت تربية الدواجن وتجهيزها بالبنى التحتية.
اقتراح تأمين 3 مناطق لإقامة المسالخ في محافظات ريف دمشق وحلب وطرطوس.
الموافقة على تمديد فترة تسوية أوضاع منشآت الدواجن فترة إضافية نظراً لصعوبة استكمال إجراءات التسوية لأوضاع هذه المنشآت، وتشكيل لجنة مشتركة من الجهات المعنية لدراسة إجراءات الترخيص لاختصار حلقاتها وتكاليفها وتبسيطها قدر الإمكان.
توسيع دائرة القروض الممنوحة لقطاع الدواجن ورفعها من خلال تسهيل منح القروض عن طريق المصرف الزراعي التعاوني للاستفادة من برنامج دعم سعر الفائدة.
سحب الفائض من السوق «فروج- بيض المائدة» من خلال التدخل الإيجابي من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
السماح بنقل الصيصان وبيض التفقيس إلى المنطقة الشرقية لعدم وجود سوق تصريف لها بسبب خروج قسم من المربين من العملية الإنتاجية للحيلولة دون خسارة المربين وإتلاف منتجهم.

مصلحة المستوردين أولاً والمستهلك غائب

لا شك أن بعض نقاط المصفوفة أعلاه هامة وضرورية، مع الإشارة إلى أن بعضها من المفترض أنها من البديهيات، وخاصة ما يتعلق بالتسعير أو بالتسهيلات و...
ومع ذلك يبدو أن كافة نقاط المصفوفة الحكومية أعلاه لن تحد من دور كبار المستوردين، أحد أهم أسباب المشكلة والمعاناة بحسب المربين، فجزء هام منها تصب في مصلحتهم، بما في ذلك ما سيتم استيراده لصالح مؤسسة الأعلاف، باعتماد مخصص بمبلغ 40 مليون يورو، سيكون عبر هؤلاء على ما يبدو، بدليل مفردة «لصالح»، حيث سيكرس من الناحية العملية دور هؤلاء من جديد على مستوى السعر، والتالي سينعكس ذلك على التكلفة، ولاحقاً على أسعار المستهلك، الذي غاب عن الذكر، خاصة أن جزءاً هاماً من المشكلة مرتبط بالقدرة الشرائية لديه، والتي أدت لانخفاض معدلات استهلاكه بالنتيجة.

التوجهات الرسمية لم تسعف القطاع بعد!

الواقع العملي يقول: إن معاناة المربين ما زالت مستمرة، وبأن التوجهات الحكومية لم تؤثر على أسعار منتجات هذا القطاع في السوق حتى تاريخه، فبعد مضي أسبوعين على التوجهات الحكومية استمرت أسعار الفروج والبيض بالارتفاع، وبشكل كبير!.
وفيما يلي جدول يوضح تباين الأسعار بين مطلع شهر أيار ونهايته فقط، من خلال ثلاث نشرات أسعار صادرة عن مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في دمشق بحسب التواريخ المبينة، مع الأخذ بعين الاعتبار واقع تباين هذه النشرات عن واقع الأسعار الفعلية في السوق، والتي ارتفعت بشكل أكبر بكثير أيضاً:

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
968
آخر تعديل على الخميس, 11 حزيران/يونيو 2020 17:19