عشرات الهزات الأرضية خلال أقل من شهر..  هل الخِشية مشروعة؟
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

عشرات الهزات الأرضية خلال أقل من شهر.. هل الخِشية مشروعة؟

شهدت سورية مؤخراً عدة هزات أرضية متفاوتة الشدة، كانت أقواها بتاريخ 15/4 بحسب المركز الوطني للزلازل: «بشدة قدرها 4,7 درجات على مقياس ريختر، وعمق 10 كم، تبعد مسافة 38 كم عن مدينة اللاذقية، وتم الشعور بها في معظم المدن السورية، إضافة إلى العديد من الهزات الارتدادية».

لسوريون، وبرغم بعض التهكم على الهزات الأرضية ككارثة جديدة قد تلحق بهم بالإضافة لما يعانونه من كوارث، لم يخفوا خِشيتهم من حدوث مثل هذه الكارثة، وخاصة القاطنين في العشوائيات ومناطق المخالفات، أو الذين اضطرتهم ظروفهم للعودة إلى بيوتهم المتهالكة أو المدمرة جزئياً في المناطق والبلدات التي تعرضت للقصف والدمار خلال سني الحرب.

ظاهرة طبيعية ولكن!

من المعروف أن الزلازل تعتبر من أخطر الكوارث الطبيعية التي تترافق عادة بالدمار والخسائر بالأرواح والممتلكات، ولا شك أن الهزات الأرضية ظاهرة طبيعية مرتبطة بحركة الصفائح التكتونية، التي لا يمكن التنبؤ بوقت حدوثها بشكل دقيق.
لكن، هل يعتبر إصدار بعض تعليمات السلامة بما يخص الهزات والزلازل، كافياً للتحلل من المسؤوليات؟.

توثيق 935 هزة خلال الربع الأول

كشف مدير المركز الوطني للزلازل في وزارة النفط عبر صحيفة تشرين بتاريخ 17/4/2020 أنه: «تم رصد 935 هزة خلال الربع الأول من العام الحالي، توزعت بشكل عام على الصفيحة العربية والمحيطة بها».
وبحسب المركز الوطني للزلازل: «بلغت عدد الهزات الأرضية والبحرية بالعالم «1300» هزة، ما بين الثالثة والرابعة، والزلازل بلغت «60» زلزالاً، ما بين الخامسة والسادسة على مقياس ريختر».

الأماكن الأكثر خطراً

قال رئيس قسم الزلازل في المركز الوطني للزلازل، عبر الفضائية السورية بتاريخ 16/4/2020: «الأماكن الأكثر خطراً هي أماكن الصدوع والفوالق، وهي معروفة في منطقتنا: فالق البحر الميت- صدع سرغايا- صدع بسيمة- صدع مصياف- صدع الغاب- صدع شرق الأناضول شمال سورية- صدع اللاذقية كلّس- صدع القوس القبرصي القريب من اللاذقية..»، مضيفاً أنه ضمن الإجراءات الاحتياطية: «يفضل الابتعاد عن هذه الأماكن، أو الحد الأدنى يكون لدينا شروط الأمان والسلامة في نظام الأبنية، وألاّ تكون عشوائية..».

تنبيه من مختص

بيّن الدكتور رياض قره فلاح، الأستاذ في جامعة تشرين، لجريدة الوطن بتاريخ 17/4/2020، بالنسبة لتأثير الزلازل في الأبنية في المناطق العشوائية، أن:
«الأبنية الأكثر تعرضاً لأخطار الزلازل هي تلك التي تقوم على أعمدة رفيعة، والتي لا تبدأ جدرانها من الأرض، وكلما زاد ارتفاع هذه الأبنية ازداد الخطر عليها من الزلازل». وقال: «الدرجات التي يبدأ فيها الزلزال بالتأثير في المباني الضعيفة هي 5 درجات وما فوق، ولن يؤثر في المباني المتينة حتى يصل إلى 6 درجات». مضيفاً: «يمكن لنا أن نقدر حجم الكارثة التي من الممكن أن تصيبنا إذا ما تعرضنا لخطر زلزالي يفوق 5 درجات، علماً أن الزلازل التي أصابت الساحل السوري وصلت حتى 4,7 درجات، حيث سببت حركة في الأبنية من دون أن تؤذيها».

الخطر قائم ومحدق

ما ورد أعلاه، يوضح أن المناطق الخطرة في سورية واسعة جداً، وهي بغالبيتها مأهولة وذات كثافة سكانية مرتفعة أيضاً.
أما الأخطر فهو عدم توفر شروط الأمان والسلامة في الأبنية القائمة بما يتوافق مع درء أخطار الزلازل، والأسوأ هو تزايد العشوائيات ومناطق المخالفات ذات الكثافة السكانية العالية، والتي لا تتوفر في أبنيتها أدنى شروط السلامة والأمان أصلاً.
والأسوأ من هذا وذاك هي البيوت والمباني المتصدعة والتي تضررت بنيتها بشكل كبير خلال سني الحرب وبسببها، واضطر البعض للعودة والسكن فيها تحت ضغط الحاجة للهروب من التشرد والإيجارات المرتفعة، وأعداد هؤلاء في تزايد مستمر يوماً بعد آخر.

الخشية مشروعة

واقع الحال يقول: إن مناطق الخطر المحددة أعلاه (الفوالق والصدوع) معروفة ومدروسة ومراقبة ومرصودة رسمياً منذ عقود، ومع ذلك كان وما زال هناك الكثير من اللامبالاة تجاه تزايد الكثافة السكانية فيها، مع غض الطرف عن المخالفات وانتشار العشوائيات، مع كل المخاطر المترتبة على ذلك.
مع الأخذ بعين الاعتبار أنه تم وضع واعتماد بعض الأسس والقواعد الهندسية والإنشائية بما يخص السلامة والأمان للحدّ من مخاطر الهزات والزلازل منذ عدة سنوات، وربما يضمن ذلك سلامة بعض المباني «النظامية» الحديثة التي تعتمد هذه القواعد، والتي قد تتوفر في الأبنية والمنشآت والمشاريع المخصصة للنخبة الثرية الحريصة على سلامتها وأمانها واستثماراتها فقط.
فماذا عن الأبنية والمنشآت القديمة والقاطنين فيها؟.
وماذا عن البيوت المتهالكة التي يعود إليها المواطنين في المناطق المنكوبة التي كانت ساحات للمعارك خلال السنين الماضية؟.
وهل خشية المواطنين على سلامهم وأمنهم، بناء على كل ما سبق، مشروعة، أم هي نوع من المبالغة و»الوهم»؟..

لا براءة للسياسات والقائمين عليها

بعيداً عن موضوع الهزات الأرضية، ربما ليس جديداً القول: إنّ ذلك كلّه يعتبر جزءاً من إفرازات السياسات القاصرة والتمييزية بما يخص التنمية والتوزع السكاني، وغياب خطط السكن والإسكان المزمنة، بل وغياب المخططات التنظيمية، والتي توجت بالسياسات الليبرالية المتبعة التي ساهمت برفع أسعار العقارات والأراضي، وكرست المضاربة والسمسرة فيها بحثاً عن المزيد من الربح في جيوب البعض، بالإضافة لكل ما يمكن أن يُساق عن الفساد والترهل واللامبالاة وضياع المسؤوليات، بحيث يبدو الحديث عن الشروط الهندسية والإنشائية الخاصة بالزلازل والسلامة والأمان نوعاً من الترف بالنتيجة.
فإذا كانت الهزات والزلازل ظاهرة طبيعية لا يمكن التنبؤ بوقت حدوثها الدقيق، فإن السياسات المعمول بها والقائمين عليها والمستفيدين منها يتحملون ما يخصهم من مسؤوليات بما يتعلق بدرء المخاطر الناجمة عن الهزات والزلازل، ليس في حال حدوثها، بل واستباقاً عليها، ولا صكوك براءة تمنح بهذا المجال.
واختصاراً يمكن القول بدون تهويل: إنّ الأخطار قائمة، ولا أمان ولا سلامة ولا عدالة ولا.. في ظل الاستمرار بالسياسات الليبرالية، الطبقية والمجحفة والتمييزية نفسها، التي لا تُعير المواطن والوطن أي اهتمام، وعلى كافة المستويات.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
962
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 13:42