الاستغلال ورمضان يقلصان سلة الغذاء للغالبية المفقرة
بدأت موجة جديدة من ارتفاعات الأسعار، وخاصة على المواد الغذائية الأساسية، مع اقتراب شهر رمضان، فإذا كانت اللحوم الحمراء كانت قد خرجت من سلة الاستهلاك الغذائي للغالبية من المواطنين بشكل نهائي خلال الفترات الماضية، فإن المؤشرات تقول: إن هذه السلة ستشهد المزيد من التقليص على غذائيات إضافية.
فقد ارتفعت الأسعار خلال الفترة القريبة الماضية بشكل كبير، وما زالت تسجل المزيد من الارتفاعات، برغم انخفاض معدلات الاستهلاك لدى الغالبية من السوريين الذين يعانون الفقر والعوز، المتوج بوقف الأعمال بنتيجة الإجراءات الاحترازية من الكورونا، وبالتالي بفقدان هؤلاء لمصادر دخولهم، وبرغم كل الحديث الرسمي عن الضبط والرقابة والمتابعة للسلع والمواد في الأسواق، بأسعارها ومواصفاتها!.
رفع الأسعار مقابل تقلّص الطلب
من المتوقع ألا يشهد موسم رمضان القادم فورة الزيادة على الطلب، وخاصة على المواد والسلع الغذائية، كما جرت عليه العادة، بسبب فقدان الغالبية من المواطنين لمصادر رزقهم ودخلهم بنتيجة إجراءات الحجر والحظر القائمة، فموضوع الاستهلاك بالنسبة للمفقرين لم يعد مقترناً بتراجع القدرة الشرائية فقط، بل بانعدامها!.
وبالتالي، من المتوقع أن يتضاءل الطلب على الكثير من السلع والمواد، ويتراجع، بالتوازي مع تدهور الوضع المعيشي للغالبية، علماً أن المتحكمين بالعرض والطلب في الأسواق، من كبار التجار والموردين، استبقوا موسم رمضان وقاموا برفع أسعار المواد الاستهلاكية، وخاصة السلع الغذائية الرئيسية، في موجة رفع إضافية طالت هذه الأسعار قبل قدوم الشهر «الكريم».
وبناءً على توقع انخفاض الطلب، وبغاية حفاظ شريحة المستغلين على حصتهم من الأرباح دون نقصان، عزموا على أن يعوضوا تقلّص الطلب على بعض السلع، من خلال زيادة أسعار بعضها الآخر التي لا يمكن الاستغناء عنها. ولم لا ؟ فهؤلاء الكبار هم المتحكمون أولاً وآخراً في الأسواق، بل وبالمواطنين ومستويات معيشتهم أيضاً!؟.
أسواق دمشق
سجلت أسواق دمشق تفاوتاً نسبياً ومحدوداً في الأسعار فيما بينها، وخاصة بما يتعلق بأسعار الخضار والفواكه، ارتباطاً بالمواصفة والجودة والمكان، وتليها بذلك أسعار اللحوم (الحمراء والبيضاء)، والبيض كذلك، بمقابل توحيد سعري تقريباً لبقية السلع الغذائية (الحبوب- السمون- الزيوت- الرز- السكر- الطحين-الحلاوة- الطحينة..) بالإضافة للمشتقات الحيوانية (حليب- ألبان- أجبان-..)، وكذلك هناك توحيد سعري تقريباً للمعلبات والحليب المجفف ولمواد التنظيف وغيرها، مع تسجيل ارتفاع يومي لأسعار الكثير من السلع، ودون سقوف واضحة، بما في ذلك الكعك والحلويات بمختلف أنواعها.
فيما يلي رصد لوسطي أسعار بعض السلع الغذائية في الأسواق مطلع الأسبوع: (الخيار 600- البندورة 800- الليمون 1800- البصل 350- البطاطا 550- الكوسا 350- الباذنجان 400- الفول 300- الفاصولياء 800- البازلاء 500- طبق البيض 2500- هبرة الغنم 12000- هبرة العجل 8000- دبوس الفروج 2500- سودة الدجاج 2500- الرز 900- السكر 550- البرغل 800- الطون 800- السردين 400..).
مزيد من التقشف
استناداً للأسعار أعلاه، بالتوازي مع محدودية وانخفاض الدخل لدى الغالبية المفقرة، وانعدامه لدى شريحة واسعة من المتعطلين أيضاً، من الواضح أن هؤلاء المفقرين اضطروا لضغط واختصار سلة استهلاكهم مجدداً، وسيضطرون للاستمرار في عملية الاختصار هذه بالتوازي مع استمرار ارتفاعات الأسعار.
فبعد أن خرجت اللحوم الحمراء والفواكه والحلويات والمعلبات من هذه السلة بسبب تدهور الوضع المعيشي خلال الفترات السابقة، بدأت عمليات الاختصار والتقشف تطال الرز والفروج والبيض، وحتى بعض الخضار أيضاً، بسبب استنزاف الإمكانات وصولاً لحدود الفقر المدقع عند الغالبية الساحقة والمسحوقة من المواطنين، الذين اقتصر غذاء بعضهم على الخبز وبعض الخضار ليس إلاّ!
تحكم واستغلال
المتغنّون بآليات العرض والطلب في السوق كذريعة، من كبار التجار والمسؤولين، ما زالوا يملؤون الدنيا صخباً وضجيجاً عن ميزات هذه الآليات على أنها بوابة للتنافس على مستوى السعر والمواصفة والجودة، في الوقت الذي يزداد فيه التحكم بالأسواق والمغتنين بها ومن خلالها، استغلالاً وتحكماً وفساداً، وبحيث يبدو الحديث عن هذه الآليات ليس إلاّ تبريراً للاستغلال الجاري والمزيد منه، على حساب المزيد من إفقار واستنزاف المواطنين وجيوبهم، ليس على مستوى الأسعار فقط، بل وعلى مستوى المواصفة والجودة، التي تسجل المزيد من التدني يوماً بعد آخر، ناهيك عن الغش الكبير في بعض السلع أيضاً، مع عدم تغييب ذرائع العقوبات والحصار الممجوجة على أنها سبب لارتفاع الأسعار كذلك الأمر، وأخيراً، ذريعة الكورونا التي يجري تحميلها الكثير من الموبقات السعرية والتحكمية.
ذريعة في غير مكانها
أما الذريعة الجديدة المساقة حول سبب ارتفاع الأسعار مؤخراً، فقد أتت على لسان أحد أعضاء غرفة تجارة دمشق، عبر إحدى وسائل الإعلام منذ عدة أيام، فقد قال أن السبب هو: «طلب بعض التجار كميات ضخمة من المواد الغذائية التي يوزعونها بشكل سلل غذائية مجانية، كمساعدات للأسر الفقيرة ومتوقفي الأعمال في هذه الفترة، وهؤلاء التجار تُرفع لهم القبعة..».
لن نسأل العضو عن التجار الذين يطلب أن نرفع لهم القبعة، وعن الكميات الضخمة من المواد الغذائية، وعن السلل الغذائية التي يتحدث عنها، لكننا نتساءل مع غيرنا من المواطنين: أليس من الأجدى لو أن التجار يتخلون عن جزء من أرباحهم على المواد والسلع في الأسواق، بدلاً من عناء شراء هذه المواد بسعرها المرتفع وتوزيعها كمساعدات؟!.
تغيّب غير مشروع
المتتبع لحركة السوق، والبضائع، والأسعار، والمواصفات، لا يرصد فقط الارتفاعات المتتالية على الأسعار فقط، بل كذلك الأمر يرصد الغياب شبه التام لأشكال وآليات الرقابة والمتابعة والضبط والمحاسبة، التي من المفترض أنها بعهدة أجهزة الدولة ( وزارة التموين- الرقابة التموينية- الرقابة الصحية- المحافظة- السياحة- الجمارك.. وغيرها) بالإضافة لجمعيات حماية المستهلك.
فبرغم كثرة تعداد هذه الأجهزة، والعاملين فيها، إلاّ أن أثرها ودورها شبه غائب عن الأسواق، وإن حضر فحضوره خجول، بل ويغلب على بعضه المحسوبية والفساد والوساطة، ولعل أعداد ما يتم تنظيمه من ضبوط يتم الإعلان عنها بين الحين والآخر من قبل مديريات التموين في المحافظات مثلاً تعتبر مؤشراً على هذا الغياب، فما يجري في الأسواق الكثيرة والكبيرة من مخالفات أكبر بكثير مما يتم ضبطه من هذه المخالفات، ولا مبرر أو مسوغ لذلك بحال من الأحوال، سوى أن المتحكمين بهذه الأسواق من كبار التجار والمستوردين وحيتان الفساد، من مصلحتهم استمرار حال الفلتان الجاري فيها، وطبعاً على حساب حاجات المواطنين الاستهلاكية، وخاصة الغذائية منها، التي تزداد في التقلص
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 962