رغيف الخبز واستمرار المعاناة من تردي مواصفته
ما زالت مشكلة تردي رغيف الخبز التمويني وسوء تصنيعه قائمة ومستمرة، وبالتالي معاناة المواطنين مع قوتهم اليومي مستمرة بهذا الصدد، والأكثر من ذلك هو وجود شوائب داخل هذا الرغيف في بعض الأحيان، كما رصد بعض المواطنين عدم تقيّد بعض المخابز بشروط ومعايير النظافة، سواء داخلها أو بالنسبة للعاملين فيها.
فما زالت شكاوى المواطنين مستمرة حول النقاط أعلاه، مع الأخذ بعين الاعتبار واقع التباين بين محافظة وأخرى بهذا الصدد، وبين مخبز وآخر، الأمر الذي يُحفّز الكثير من الأسئلة حيال الأسباب الكامنة خلف هذه التباينات بالمواصفة والجودة، التي يدفع ضريبتها المواطنون على حساب قوتهم اليومي.
مزيد من التردي في الرغيف
فُرضت على المواطن آليات توزيع وبيع الخبز عبر البطاقة الذكية مؤخراً، وجرى الحديث عنها بما فيه الكفاية، سواء ضمن إطار التسويق والترويج لهذه الآلية، أو ضمن إطار الملاحظات والانتقادات عليها.
الغاية من اعتماد هذه الآلية الجديدة بحسب التصريحات الرسمية هي تخفيف الأعباء عن المواطنين من الازدحام أمام المخابز والأفران، وخاصة في ظل واقع الحجر والحظر وإجراءات الوقاية، التي تفرض الحدّ من الازدحام والاختلاط، مع وضع ضوابط رقابية جديدة على الدقيق التمويني، منعاً للهدر فيه، وللحد من تهريبه وبيعه عبر السوق السوداء.
فمع التأكيد على تسجيل ميزة بهذا الصدد تتمثل بتوسيع شبكة التوزيع وزيادة عدد نقاط البيع عبر المعتمدين، الأمر الذي من المفترض معه أن يخفف من الازدحام على هذه النقاط، وبالتالي تخفيف الأعباء عن المواطنين بهذا الشأن، لكن ربما لا جديد إن قلنا: إن مشكلة الازدحام لم تُحل بشكل كامل عبر هذه الآلية، فقد انتقل الازدحام من أمام المخابز إلى المعتمدين.
أما المشكلة الإضافية التي نشأت جراء هذه الآلية فهي: أن رغيف الخبز أصبح أكثر تردياً، وهذه المرة ليس بسبب سوء التصنيع فقط، بل بسبب الفترة الزمنية التي يستغرقها هذا الرغيف للوصول للمستهلك، حيث يتعرض للتكدس لساعات داخل المخابز لحين وصول المعتمد لاستلامه، ثم لنقله إلى نقطة بيعه، ومن ثم للمستهلك أخيراً، وهذه الفترة الزمنية كافية كي تزيد من تردي الرغيف، هذا عدا عن ملاحظات المعتمدين الذين يستلمون الخبز من داخل الأفران بوجود أعداد كبيرة من الحشرات (الصراصير) بين ربطات الخبز المكدسة ليلاً، ومع استمرار مشكلة تردي المواصفة المقترنة بسوء التصنيع، يبدو الأمر أكثر سوءاً بالنسبة للمواطنين في النهاية، حيث يصل هذا الرغيف للمستهلك مفتتاً بالغالب، وبالتالي يذهب جزء منه هدراً بالنتيجة لعدم التمكن من استهلاكه بهذه المواصفة.
اعتراف رسمي بسوء التصنيع والفساد
اعترف وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك خلال لقاء تلفزيوني عبر الفضائية السورية بتاريخ 15/4/2020 بوجود مشكلة سوء تصنيع رغيف الخبز، وبمشكلة وجود الهدر والفساد، مستشهداً بجولته في مدينة حمص، وواقع ما شاهده في المخبز الآلي هناك.
كما اعترف بمشكلة تكدس الخبز والفترة الزمنية التي تستغرقها ربطة الخبز لحين وصولها للمستهلك، والتي تؤدي لزيادة تردي مواصفة الرغيف، مع تأكيده بالمقابل على أن هذه الآلية الجديدة ستضبط الهدر وتمنع التلاعب بالدقيق التمويني وتحد من تهريبه وبيعه عبر السوق السوداء.
من يستحق الدّعم؟
من النقاط الهامة التي تمت إثارتها خلال اللقاء تلك التي كانت تتعلق بالفئات المستحقة للدعم والفئات المستثناة منه.
فقد كشف الوزير عن «دراسة من أجل تحديد الفئات المستبعدة من الدعم»، منوهاً أنه “لا تتوفر داتا لإيصال الدعم لمستحقيه الآن»، وضرب نفسه مثالاً بأنه «لا يستحق الدعم لأنه لديه عمله الخاص»، مؤكداً: «العمل حالياً على داتا من أجل تحديد الفئات المستبعدة من الدعم»، وبالتالي فإن «الدعم الكبير الذي يتم توزيعه على ناس مستحقة وغير مستحقة، يتوجه للناس المستحقين»، مع تأكيده بالمقابل «لكننا غير جاهزين لتطبيقه».
أما الملفت بالأمر بحسب الوزير فهو: استشهاده بأن هناك من لم يقم بتنظيم البطاقة الذكية الخاصة به، وهناك من لم يستلم مخصصاته من المواد المدعومة خلال الفترة السابقة.
والمشكلة بهذا الأمر، بحال اعتماده ضمن الداتا التي يتحدث عنها كقاعدة بيانات يتم الاعتماد عليها لتحديد الفئات المستحقة للدعم من عدمه، أن هناك من سيتم استبعاده من الدعم كونه لم يستلم المواد المدعومة خلال الشهور الماضية، ليس لعدم احتياجه لها، وليس لكونه لا يحتاج للدعم، بل لأنه هرب من الوقوف على طوابير الازدحام أمام الصالات، خاصة في ظل الظروف الحالية المرتبطة بالوباء وقيود الحظر المفروضة، بالإضافة للهروب من ساعات الانتظار وهدر الكرامة، وبالتالي قد يكون هناك ظلم بحق هؤلاء بحال الاعتماد على هذه الآلية من تحديد الفئات وتبويبها ضمن إطار الحق بالدعم أو الاستثناء منه.
أما الخشية من مثل هذه الطروحات والدراسات أن تكون مدخلاً لتخفيض الدعم، ولرفعه بالنهاية، وهي خشية مشروعة كون مثل هذه التوجهات تتوافق مع السياسات الليبرالية المعتمدة.
الثقة والحقوق وحفظ الكرامات
كما جرى الحديث عن الثقة بين المواطن والوزارة، والحكومة بشكل عام، وهي لا شك من النقاط الهامة التي لا يكفي بمقابلها تقديم الاعتذارات وتكرارها، مع أهمية ذلك طبعاً، لكن ربما الأهم بهذا الصدد هو العمل الفعلي والجاد من أجل صيانة حقوق المواطنين، والحفاظ على كراماتهم، ولعل رغيف الخبز مثال عن كيفية التعامل الرسمي مع الحقوق والكرامات!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 962