الجائحة فرصة ذهبية للمستغِلين

الجائحة فرصة ذهبية للمستغِلين

«الكورونا» أصبحت فرصة استغلالية جديدة لم يتم توفيرها من قبل المستغِلين والمحتكرين، كباراً وصغاراً، في الأسواق، فقد ارتفعت الأسعار بشكل كبير خلال الأسابيع القليلة الماضية، مع جرعة إضافية أتت خلال اليومين الماضيين مع استكمال الاجراءات الحكومية الاحترازية بالإغلاق والتوجيه بالالتزام بالحجر الطوعي للمواطنين والتهديد بالوصول للحجر الإلزامي بحال عدم التقيد.

فالبطاطا، التي كانت تعتبر طعام الفقراء، وصل سعر الكيلو منها إلى 600 ليرة وتجاوزه في بعض الأسواق والمحال، والبصل وصل لحدود 800 ليرة، والليمون لحدود 1000 ليرة، والبندورة وصل سعرها لحدود 700 ليرة، وكذلك الحال على مستوى أسعار بقية الخضار والفواكه، وبقية المواد والسلع الغذائية «الألبان والأجبان- البيض- اللحم الأحمر..» بالإضافة طبعاً لمواد التنظيف والمعقمات، التي زاد الطلب عليها بهذه الفترة.

جنون الأسعار والفرصة الذهبية

القرارات والإجراءات الحكومية الاحترازية المتخذة حرصاً على صحة وسلامة المواطنين، كانت نتائجها وبالاً على هؤلاء بسبب ارتفاع وتائر الاستغلال في الأسواق، سواء من قبل كبار التجار والموردين والمحتكرين، أو من قبل الصغار من أصحاب المحال التجارية، علماً أن وتائر ارتفاع الأسعار كانت قد بدأت قبل الإجراءات الحكومية، لكنها تزايدت بشكل كبير معها وبعدها، وما زالت مستمرة دون سقوف.
فمع أول يوم لتنفيذ الإغلاق الحكومي المعلن والمعمم، جنّت الأسعار بشكل كبير، علماً أن الإغلاق استثنى أسواق ومحال الخضار والفواكه والغذائيات والمواد التموينية الأساسية وغير الأساسية، بالإضافة للمنظفات، وكذلك الأفران والصيدليات و..، ومع ذلك فقد سجلت الأسعار ارتفاعاً ملحوظاً على جميع السلع والمواد.
كما هناك تزايد لحال الاستغلال والتفلت السعري، ليس بين سوق وآخر، أو بين محل وآخر، حسب المنطقة، بل بين زبون وآخر في نفس المحل في بعض الأحيان، وبين ساعة وأخرى، فالفرصة المتاحة لا يمكن أن يتم توفيرها من قبل شريحة المستغِلين والمتحكمين بالأسواق، فكيف الحال مع جائحة مرضية مخيفة وقد أصبحت فرصة ذهبية على أيدي هؤلاء.

زيادة الطلب بمسؤولية المترفين

ربما يتم الادعاء بأن المواطن يتحمل جزءاً من مسؤولية ارتفاع الأسعار بسبب إقباله على شراء السلع والمواد، بسبب حال الهلع التي تم تعميمها عبر وسائل الإعلام بالتوازي مع حملات الحديث عن الجائحة، وربما في ذلك بعض الحقيقة.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الغالبية المفقرة من المواطنين بالكاد تستطيع تأمين سلعها واحتياجاتها اليومية من المواد الغذائية بالدرجة الأولى والأهم، وهذه الشريحة ليس باستطاعتها زيادة الشراء من أجل التموّن، وبالتالي فليست هي المسؤولة عن زيادة معدلات الطلب في الأسواق.
على الطرف المقابل لا يمكن إغفال دور شريحة الأغنياء والأثرياء الذين كان لهم الدور الأكبر على مستوى زيادة الطلب على السلع، وهذه الشريحة ربما لا تعنيها الأسعار ومعدلات ارتفاعاتها بقدر ما يعنيها ألا تتأثر أنماط حياتهم ومعيشتهم ورفاهيتهم وبذخهم.
وبمطلق الأحوال، إن ذلك لا يعني أن زيادة الطلب على السلع والمواد تعتبر مبرراً لرفع أسعارها بهذا الشكل الاستغلالي الذي وصلت إليه.

غياب الرقابة والمنافسة

الملفت بالأمر، أن الجهات الرسمية المعنية بمتابعة حركة الأسواق والفعاليات بما فيها من «تموين- صحة- محافظة..» تركز اهتماماتها بالمرحلة الحالية على القطاعات والمنشآت المشمولة بالإغلاق أكثر من اهتمامها بالقطاعات التي تم استثناؤها من هذا الإغلاق، يضاف إلى ذلك ما درجت عليه من ممارسات محابية مع غض الطرف عن الكثير من المخالفات في هذه الأسواق، في الوقت الذي من المفترض أن تزيد من رقابتها ومتابعتها على مستوى الأسعار والمواصفات والجودة.
المقدمات حتى الأن تشير إلى أن مستويات ارتفاع الأسعار لن تقف عند أية سقوف، خاصة في ظل استمرار أشكال الرقابة الهشة المتبعة، وبسبب عدم فاعلية دور السورية للتجارة التي من المفترض أن تستثمر هذه المرحلة لإعادة إثبات دورها المنافس الجدي في السوق، لكن مع الأسف فإن حالها لا تشير لا من قريب ولا من بعيد بذلك، بل على العكس، حيث لم تتمكن من ممارسة هذا الدور على مستوى المواد الغذائية التي وضعت بعهدتها «دعماً».
والنتيجة المفروغ منها، أن الغالبية من المفقرين سيبقون دائماً وأبداً هم من يدفعون الضريبة على حساب معيشتهم وصحتهم، ولن تكون الجائحة المتمثلة بالكورونا حالياً إلا فرصة ذهبية لزيادة استغلال هذه الشريحة وزيادة أرباح شريحة المستغِلين وتجار الأزمات، الكبار قبل الصغار.
أين المفر؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
958
آخر تعديل على الإثنين, 23 آذار/مارس 2020 13:34