الحمى المالطية إما الرضوخ للاستغلال أو الاستسلام
تزايدت معاناة المرضى وذويهم من غياب أدوية الحمى المالطية عن المراكز الصحية، برغم مرور الكثير من الوقت على الوعود المكررة المقطوعة من قبل مسؤولي الصحة بشأن توفير هذه الأدوية بالكميات المطلوبة، وتزداد هذه المعاناة من خلال البحث المضني عن هذه الأدوية في الصيدليات، ومع التكاليف المرتفعة لقاء تأمينها.
يراجع ذوو المرضى غالبية المراكز الصحية بحثاً عن الأدوية المخصصة لعلاج هذا المرض، وكل مركز يحيلهم إلى آخر وصولاً لمركز العيادات التخصصية في الزاهرة، باعتباره المركز الصحي المعتمد مركزياً من قبل مديرية الصحة في دمشق لتوفير كافة الأدوية الخاصة بالأمراض السارية والمزمنة، لكن دون جدوى.
رسمياً.. لا نفي مع وعود مؤجلة
بداية الشهر الحالي جرى لقاء تلفزيوني مع د. هزار فرعون مديرة مديرية الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة، وذلك على ضوء شكاوى المواطنين بخصوص عدم توفر الأدوية المخصصة لعلاج مرض الحمى المالطية في المراكز الصحية، بما في ذلك في مركز العيادات الشاملة المعتمد لهذا النوع من الأدوية وغيرها من أدوية الأمراض المزمنة، حيث قالت بأن هذه المراكز تتوفر فيها الأدوية أو بدائلها، مؤكدة على أن وزارة الصحة تعتمد حالياً على تأمين هذه الأنواع من الأدوية من خلال منظمة الصحة العالمية أو من خلال بعض المنظمات الأخرى، وذلك لحين إعادة إقلاع معامل إنتاج الأدوية المحلية، حيث أشارت إلى أن هناك مَعملين قيد إعادة التشغيل في كل من دمشق وحلب، وهذه المعامل تنتج أنواع الأدوية الخاصة بعلاج مرض الحمى المالطية، مع تأكيدها على أن مشكلة توفير هذه الأنواع من الأدوية ستحل في القريب العاجل وخلال 20 يوماً على أبعد تقدير.
حديث المديرة كان مغايراً لما يجري على أرض الواقع، فالمرض منتشر، والأدوية مفقودة وغير متوفرة في المراكز الصحية، وحتى البدائل التي تحدثت عنها غير متوفرة أيضاً، وقد مضى على الوعد المقطوع أكثر من 20 يوماً، ومع ذلك لم يتوفر الدواء في المراكز الصحية، وما هو موجود لا يمكن تأمينه إلا عبر بعض الصيدليات فقط، وبشق الأنفس مع الأعباء المادية الثقيلة على جيوب المواطنين وخاصة المفقرين.
شهادة مواطن
أحد المواطنين قال لـ«قاسيون» عن واقع بحثه عن الدواء من أجل معالجة زوجته التي أصيبت بالمرض مؤخراً: «ذهبنا إلى المراكز الصحية بتوجيه من الأطباء ولم نجد الدواء حتى في مركز العيادات الشاملة بالزاهرة.. ذهبنا للصيدليات فقالوا: ممنوع بيع هذه الأدوية.. لكن قد يتوفر منها تهريباً من لبنان أو من مصر.. ويجب أن نوصي عليه على أن يتم بيعه مباشرة.. النتيجة، اضطررت لتسديد قيمة الإبر «ستريبتومايسين» بسعر 35 ألف ليرة، على اعتبار أن الحبوب «ريفامبسين» متوفرة في الصيدليات فقط». ويضيف: «كلفة التحاليل والطبيب مع الأدوية تكلفنا عليها بحدود 65 ألف ليرة.. طيب إذا واحد فقير ومعدم وما معو وحالتو ع قدو شو بيعمل بحالو.. بتروح عليه يعني؟».
حديث المواطن عن معاناته وعن تكبُّده التكاليف المرتفعة من أجل تأمين الدواء المخصص لهذا المرض وعن المقارنة مع الفقراء ليس مبالغة أو مزاودة، فالمرض يعتبر من الأمراض الخطيرة التي تتطلب العلاج المستمر من خلال جرعات الأدوية لمدة من الزمن دون انقطاع، وإلا فإن الانتكاس ستكون عواقبه وخيمة وأشد خطورة عل المريض.
إما الدفع أو الاستسلام
واقع الحال يقول: إن مرض الحمى المالطية يعتبر من الأمراض الخطرة، خاصة في حال عدم علاجه، وهو من الأمراض التي يزيد معدل انتشارها خلال فصل الصيف، كما تؤكد الوقائع أن الأدوية المخصصة لعلاج هذا المرض غير متوفرة في المراكز الصحية باعتباره محصوراً بها، كما أن هذه المشكلة ليست وليدة اليوم بل أصبح عمرها الزمني طويلاً، وسبق أن تم تداولها عبر وسائل الإعلام خلال السنوات الماضية وخلال هذا العام، ومع ذلك ما زالت وزارة الصحة تعتمد على المنظمات الدولية لتأمين هذا النوع من الدواء، وما زالت تنتظر إعادة اقلاع المعامل المحلية، وكأن خياراتها الأخرى معدومة في هذا المجال.
والنتيجة، أن المرضى وذويهم أمامهم خيارات محدودة، إما الاضطرار للوقوع ضحية جشع واستغلال الصيدليات بالسعر، باعتباره ممنوعاً بالاستيراد والبيع في المراكز الصحية فقط. وبالتالي، تكبُّد الكثير من النفقات لقاء تأمينه تهريباً من دول الجوار، وإما الاستسلام للمرض لمن لا حول لهم ولا قوة من المفقرين، مع كل الخيارات المفتوحة على هذا الاستسلام، بما فيها التداعيات الخطرة التي قد تؤدي للوفاة في بعض الأحيان.
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل فعلاً فقدت وزارة الصحة خياراتها الأخرى من أجل تأمين هذا الدواء وسواه، بحيث يصبح المواطن هو المحدود بخياراته، إما الاستغلال أو الاستسلام؟.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 928