المدّرسون.. ضابطة عدلية.. اهربووووا
في سابقة جديدة من نوعها ولم يُسمع بها قبلاً، قامت مديرية تربية طرطوس عبر ما سمي «ضابطة عدلية» بتفتيش منازل بعض المدرسين بحثاً عما يدل على أنهم يعطون دروساً خصوصية في منازلهم.
السابقة أعلاه لم يتم تناقل أخبارها عبر وسائل الإعلام المحلية فقط، بل والدولية أيضاً، حيث ورد عبر موقع RT العربي مادة بعنوان: (سورية: «الضابطية» تداهم مدرسي «الخصوصي»)، وذلك بتاريخ 7/2/2019.
تفاصيل إعلامية
مما ورد في المادة أعلاه: «أفراد الضابطة العدلية، للمديرية، فتّشوا حتى غرف النوم، هكذا يقول أحد المدرسين الذين فاجأهم أفراد الضابطة بطلب تفتيش المنزل للتأكُّد من وجود ما يدل على أنه يعطي دروساً خصوصية في المنزل».
وتضيف المادة على لسان مدير التربية في طرطوس: «إنّ لدى المديرية ضابطة عدلية تقوم بجولات وفق الأنظمة والقوانين التي لا تجيز إعطاء الدروس في البيوت، أو في معاهد غير مرخصة، وأنها تنطلق من شكاوى تأتيها من الجوار»، مضيفاً: «إنّ أخف العقوبات هي الغرامة بمقدار 500 ألف ليرة (نحو ألف دولار)، وإغلاق المكان، إذا كان معهداً أو منزلاً مخصصاً لغايات التدريس غير المرخص، وحول الإجراء في حال كان المكان منزلاً للسكن، يقول: ذلك يحتاج تدبيراً آخر، لأن التربية لا تملك صلاحية الإغلاق».
وحسب الموقع: «يفسر مدير التربية ازدياد حالات تفتيش بيوت المدرسين في طرطوس أكثر من سواها، بأنَّ سكان المحافظة يشتكون كثيراً».
توجهٌ رسمي لحماية مؤسسات التعليم الخاص
الخبر والحدث لن يكون سابقة فريدة محصورة في طرطوس على ما يبدو، بل ربما هناك توجهٌ بهذا الخصوص، فقد صرح مدير تربية ريف دمشق: «المديرية وجهت الضابطة العدلية في المديرية، لتقوم بجولات للتأكد من عدم وجود أية مؤسسة تعليمية غير مرخصة، وحتى الآن لم تُبلّغ المديرية بأية حالة، إلا أنه وحال ورود حالات سيتم التعامل معها بشكل قانوني بالتواصل مع المحافظة ووزارة التربية». مضيفاً: «الموضوع الذي تسعى المديرية للحد منه، هو ما يسمى «بيت الدراسة»، وهنا يكون هناك غرفة أو غرفتان في المنزل مخصصة للتدريس وفيها مقاعد وسبورة، وهذا غير مقبول، خاصة أنه لدينا مؤسسات تعليمة مرخصة وشروطها مطابقة».
ولعل بمتن هذا التصريح تتضّح بعض الغايات والأهداف من هذا التحرك الأخير، وهي أنه: «لدينا مؤسسات تعليمة مرخصة وشروطها مطابقة».
قوانين وتعليمات
صدر عن وزير التربية بتاريخ 1/4/2013 القرار رقم 843/887/8/4 المتضمن تعديلات على التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004 الصادرة برقم 843/9/8/4 تاريخ 3/1/2005، وقد تضمنت المادة 117 منه على ما يلي:
1-يصدر الوزير قرار تشكيل لجنة الضابطة العدلية من العاملين في وزارة التربية المكلفين بموجب المادة /47/ من المرسوم، مهمتها متابعة المخالفين لأحكام المرسوم التشريعي رقم /35/ لعام 2010م ورفع ضبط إلى لجنة شؤون التعليم الخاص الرئيسية بالمخالفات المرصودة وأسماء مرتكبيها، وأعداد مجموعات الطلبة الدارسين لديهم في العقارات والأماكن غير المرخصة، واستيفاء الغرامات المفروضة بحقهم أصولاً.
2-يُزود أعضاء اللجنة ببطاقات تصدرها الوزارة تثبت هويتهم ووظائفهم وملصق عليها صورهم الشخصية، وعليهم حملها أثناء قيامهم وإبرازها لأصحاب العلاقة عند الطلب.
والمادة 47 أعلاه تنص على ما يلي: «تتولى الوزارة أعمال الإشراف التربوي والإداري على المؤسسات التعليمية الخاصة، كما يحق للوزارة تكليف لجان فنية تخصصية للاطلاع على أبنية هذه المؤسسات وسجلاتها المختلفة للتحقق من تنفيذ أحكام هذا المرسوم التشريعي وتعليماته التنفيذية التي تصدرها الوزارة، وإثبات ما يقع من مخالفات».
وقد نصت المادة 2 من المرسوم التشريعي 35 لعام 2010، الذي يحظر استخدام العقارات والأماكن غير المرخصة، على ما يلي:
أ- تفرض بحق المخالف المستخدم للأمكنة المشار إليها في المادة الأولى غرامة مقدارها خمسون ألف ليرة سورية، وذلك بقرار من وزير التربية بناء على اقتراح اللجنة الرئيسية لشؤون التعليم الخاص، وتضاعف العقوبة في حال التكرار.
ب- يتم استيفاء الغرامات المشار إليها بالفقرة (أ) من المخالف مباشرة من قبل العاملين في وزارة التربية المكلفين بموجب المادة 47 من المرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004، ويكون لهم صفة رجال الضابطة العدلية وفي حال عدم التسديد يتم استيفاؤها وتحصيلها وفق قانون جباية الأموال العامة.
ج- مع مراعاة الفقرة (أ) يلاحق العامل في الدولة الذي يخالف أحكام المادة الأولى من هذا المرسوم التشريعي أمام المحاكم المسلكية.
وقد جرى تعديل على مضمون هذه المادة بعام 2017، بحيث أصبحت الغرامة 500 ألف ليرة.
ضابطة عدلية بلا تعريف وبدون مهام واضحة
اللافت في المرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004، الذي يتم الاعتماد على المادة 47 منه، أنه لم يرد بمتنه بداية في فصل التعريفات، أي ذكر لتعريف «الضابطة العدلية« ومهامها، وهو ما جرت عليه العادة في المراسيم والقوانين، بل اقتصرت المادة 47 على مسؤولية الوزارة بالإشراف التربوي والإداري على المؤسسات التعليمية الخاصة، وإثبات ما يقع من مخالفات. كما لم يرد في التعليمات التنفيذية الصادرة استناداً للمرسوم بحينه برقم 843/9/8/4 تاريخ 3/1/2005، أي ذكر لـ «ضابطة عدلية»، ولا لمهامها أيضاً.
وكذلك المرسوم التشريعي رقم 35 لعام 2010م، لم يرد بمتنه بداية في فصل التعريفات، أي ذكر لتعريف «الضابطة العدلية« ومهامها، بل ذكرت في المادة 2 من المرسوم 35 كـ «صفة» في معرض ضبط المخالفة على مستوى استيفاء الغرامات.
وربما تجدر الإشارة هنا: أنّ ما تسمى «ضابطة عدلية« حسب ما هو متعارف عليه بموجب القوانين لها مهامّ تنفيذية في معرض متابعتها لمهامها التي من المفترض أن تكون مبوبة تعريفاً ومهاماً بشكل واضح ولا لبس فيه، فكيف الحال بما آلت إليه هذه المهام من مداهمة للبيوت، ومدى مشروعية ذلك وقانونيته؟.
الخلل في السياسات التعليمية
لا شك أنّنا لن نكون مدافعين عن الدروس الخصوصية أو الترويج لها، فالواقع الموضوعي هو الذي فرضها بالنتيجة رغماً عن الطلاب وذويهم والمدرسين، وهو ما يجب تغييره للحد منها.
بالعودة لأس وجوهر الموضوع، بعيداً عن الخوض أكثر من ذلك بالقوانين والتعليمات، ومشروعية القيام بمداهمات تفتيشية على البيوت من عدمها، يبدو أن وزارة التربية من جديد تتهرب من استحقاقات واقع الترهل والتراجع الجاري على مستوى العملية التعليمية والتربوية من ألفها إلى يائها، اعتباراً من أجور المعلمين وتعويضاتهم الهزيلة، ارتباطاً بهيبة المعلم وكرامته، مروراً بالمناهج ومستلزمات العملية التعليمية، وصولاً لترويج التعليم الخاص على حساب تراجع الدعم المقدم للتعليم الحكومي، مع سعيها لتحميل جزء من مسؤولية هذا التراجع للدروس الخصوصية، أي: للمعلمين والطلاب وذويهم أيضاً.
وكأن ذوي الطلاب والتلاميذ لديهم الرغبة في تكبد المزيد من التكاليف والخسائر على العملية التعليمية على حساب متطلبات حياتهم وضروراتهم؟!.
كما وكأن المعلمين مكتفون مادياً، ويبحثون عن المزيد من الجهد والتعب والعناء مع الطلاب، على حساب راحتهم وعلى حساب بقائهم مع أفراد أُسرهم.. هكذا؟!.
والنتيجة، أن المعلم والطالب ستغدو علاقتهم خلال الدرس الخصوصي، كعلاقة المهرب وتجار السوق السوداء مع المستهلكين، فعبارة «ضابطة عدلية« ستقترن مع عبارة «عباية اهربووووو»..
أما الملفت أكثر من كل ذلك فهو: أن مؤسسات التعليم الخاص هي البعيدة عن الرقابة والمتابعة والإشراف الحقيقي، وخاصة على مستوى الرسوم الخيالية المبالغ فيها، كما على مستوى العملية التعليمية ذاتها (الالتزام بالدوام- العدد الكافي من المعلمين الأكفاء- ...).
لتبقى السياسات التعليمية بمعزل عن النقد والتصويب، ولتبقى مؤسسات التعليم الخاص وحدها القادرة على استقطاب نتاج هذا الترهل، على شكل المزيد من الأرباح في جيوب المستثمرين فيها، وعلى حساب ذوي الطلاب، وربما مصلحتهم ومستقبلهم أيضاً، حيث لا يمكن لعموم المواطنين من المفقرين أن يضعوا أبناءهم في هذه المؤسسات لارتفاع تكاليفها، والنتيجة العملية هي: مزيد من تعميق الفرز الطبقي بالعملية التعليمية على مستوى مدخلاتها ومخرجاتها.
ولا ندري إلى أين ستصل بنا الحال مع هذه السياسات المتعامية أكثر من ذلك البؤس؟