أهالي الغوطة.. حرمان غير رسمي من الاستقرار!
تلقى أهالي بلدات الغوطة الشرقية الكثير من الوعود منذ استعادة السيطرة عليها، وكثيرة هي الوفود الرسمية التي زارتها والتقت مع بعضهم، كما كانت الأرقام المرصدة كمبالغ من أجل إعادة تأهيل البنى التحتية فيها مقبولة نوعاً ما، علماً أنها لا تفي بالحاجة.
وعلى الرغم من تسجيل بعض الإنجازات على مستوى إعادة تأهيل بعض البنى التحتية من طرق وكهرباء ومياه، بالإضافة إلى إعادة تنشيط بعض الخدمات العامة بعد إعادة تأهيل وترميم أبنيتها، مثل: المدارس والمراكز الصحية والمخابز والمخافر وغيرها، إلّا أن الجانب الأهم بالنسبة للمواطنين ما زال مفقوداً، وهو فسح المجال أمامهم من أجل ترميم بيوتهم وإعادة تأهيلها كونها تشكل عامل الاستقرار الأساس بالنسبة إليهم.
إعادة التأهيل للحكومي فقط
حتى الآن ما زال أمر إعادة تأهيل وترميم بيوت المواطنين في بلدات الغوطة الشرقية غير محسوم بشكل نهائي على المستوى الرسمي، فمجلس الوزراء سبق أن وجه بإعادة ترميم الأبنية الحكومية في بلدات الغوطة الشرقية، فقد «طلب المجلس من كل الوزارات وضع خطوات تنفيذية حسب اختصاص كل وزارة لعودة جميع الخدمات إلى الغوطة من مدارس ومخافر شرطة ومراكز صحية ومستشفيات ومؤسسات التجارة الداخلية والمخابز والاتصالات والمياه والكهرباء وإزالة الأنقاض وتعبيد الطرقات»، من خلال ما تمت تسميته: «خطة لإعادة إعمار تنموية وخدمية وعمرانية وتنظيمية واستثمارية شاملة للغوطة الشرقية»، وقد أكد الوزراء المجتمعون: «أن إعادة الإعمار يجب أن تكون بالشكل الذي يحافظ على هويتها الزراعية والحرفية ويتوافق مع محددات التخطيط الإقليمي، بالإضافة إلى وضع خطة منظمة لعودة الأهالي المهجرين بفعل الإرهاب إلى مدنهم وقراهم»، وقد كان ذلك في نهاية شهر آذار 2018.
وفي جلسة الحكومة المنعقدة بتاريخ 15/10/2018، ورد على موقع الحكومة الرسمي ما يلي: «فيما يتعلق بالغوطة الشرقية تم الاطلاع على توجهات التخطيط الإقليمي لريف دمشق ودراسة ما تؤمنه المخططات التنظيمية المصدقة للمناطق كافة بحساب المساحات والكثافة الحقيقية لصفات السكن ومساحة الخدمات الملحوظة ضمنها كافة، وحساب العجز الفعلي من الخدمات في ضوء الاستيعاب الفعلي في المخططات من السكان، وتم إصدار قرارات تشكيل لجان لتقييم المخططات التنظيمية المصدقة لمدن (حرستا، عربين، عين ترما) واقتراح الحلول التخطيطية الفنية اللازمة لتطوير هذه المخططات وخاصة في المناطق التي تضررت بفعل الإرهاب».
بمعنى آخر، فإن قضية إعادة تأهيل وترميم بيوت وأبنية المواطنين ما زالت حتى الآن قيد الفحص والتمحيص والمخططات التنظيمية والحلول الفنية ولجان التقييم، ولا أحد يعلم إلى أي مدى زمني قد يطول أمر البت بجملة هذه القضايا المرتبطة والمتشابكة، وإلى متى سيبقى المواطنون بالانتظار من أجل أن يقوموا بترميم بيوتهم بعيداً عن مخافة اعتبارهم مخالفين، أو متعدين على المخططات التنظيمية، علماً بأنهم مالكون شرعيون لأراضيهم وعقاراتهم؟!
تناقض يحصده المستغلون
واقع الحال في ظل عدم وجود قرار رسمي حاسم وقاطع بهذا الصدد، وفي ظل وجود المشاكل المتعلقة بالنقل والانتقال من وإلى بلدات الغوطة الشرقية، وفيما بينها، وفي ظل استمرار وجود الكثير من الحواجز على الطرق الواصلة إليها والرابطة فيما بينها، مع منع إدخال مواد البناء والترميم والإكساء إلى هذه البلدات، فإن المواطنين سيبقون بعيدين عن عامل الاستقرار الأساس بالنسبة إليهم، طبعاً مع عدم إغفال الكثير من المعيقات والصعوبات الأخرى، التي تبدأ من التكلفة المرتفعة للترميم والتأهيل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وتمر بملف التعويضات المرتبط بالكثير من الورقيات والثبوتيات وعامل الزمن المفتوح للوصول لخواتيمه، ولا تنتهي بالظروف المعيشية والخدمية الضاغطة على الجميع.
أما المفاجئ على الطرف المقابل، فهو توفر مواد البناء داخل بلدات الغوطة الشرقية والتي يؤمنها بعض المحظيين من التجار، لكن مع وجود فارق سعري يقارب الضعف استغلالاً لجملة الظروف والعوامل سابقة الذكر، اعتباراً من البلوك مروراً بالإسمنت وليس انتهاءً بالحديد، والنتيجة: أن من يريد أن يقوم ببعض عمليات الترميم الضرورية سيضطر لتكبد مبالغ طائلة على حساب ضروراته الحياتية والمعيشية، فيما يعجز عن ذلك فقراء الحال المنكوبون.
أما كيف تصل هذه المواد لهؤلاء التجار، أو كيف يستطيعون تأمينها برغم المنع والحواجز، فيما يعجز عن ذلك المواطن العادي ويمنع عنه، فهذا أمر لا يعلمه إلا العارفون والمستبصرون من أولي العزم والأمر والفساد!.
السكن بوابة الاستقرار
أخيراً، لا بدَّ من التأكيد على أن الهوية الزراعية والحرفية وغيرها لأية منطقة مرتبطة أولاً وأخيراً بسكان هذه المنطقة الفاعلين اقتصادياً واجتماعياً فيها، وهذه الفاعلية مرتبطة بدورها بعوامل الاستقرار أساساً، التي يعتبر السكن بوابتها، والعمل والخدمات طريقها، والتطور والنمو هدفها المستقبلي، ناهيك عن أن تأمين السكن بحد ذاته يعتبر من الحقوق العامة المصانة، فكيف بمن يملك مسكناً ولا يملك حق التصرف بترميمه وإعادة تأهيله من أجل الاستقرار فيه؟!
والحال كذلك نتساءل مع أهالي بلدات الغوطة الشرقية الذين ما زالوا بحال من الترقب الحذر الذي يمنع عنهم الشعور بالاستقرار:
متى وكيف سيستقرون؟ ومتى سيحين موعد عودة من تبقى منهم خارجها، نزوحاً أو لجوءاً؟ في ظل المنع غير الرسمي لعمليات الترميم وإعادة التأهيل للبيوت والمباني؟
ما هي الجدوى من الصرف والإنفاق على إعادة تأهيل البنى التحتية، وإعادة الخدمات العامة، إن لم تكن موجهة وبغاية تأمين عوامل الاستقرار للأهالي؟