أهالي عفرين والفاتورة الباهظة
لا يمكن لأحد اليوم تقدير كم الخسائر، المادية والمعنوية والأمنية، الواقعة على أهالي عفرين، في ظل استمرار وامتداد وجود الاحتلال التركي للمنطقة، الذي انعكس سلباً على الوضع الداخلي فيها.
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه لما أتاحه هذا الواقع أمام المجموعات المسلحة، المدعومة من قوات الاحتلال والمسيطرة على المنطقة، بأخذ دور الضاغط على الأهالي عبر جملة من الممارسات السلبية بحقهم (مداهمات- نهب- إشاعة الرعب- اعتقالات..) وكأنهم أصبحوا في سجن مفتوح على الرعب والعسف.
معاناة مستمرة
أما من نزح من عفرين واضطر للسكن في منطقة الشهباء (إعزاز- الباب) فما زالت معاناتهم مستمرة من ناحية الاستقرار والحركة والتواصل مع مناطقهم وقراهم، وذلك نتيجة تواجد قوات الاحتلال التركي والمجموعات المسلحة المدعومة من قبلها، الأمر الذي أصبح عائقاً أمام عودة الأهالي إلى بلداتهم.
ويضاف إلى ذلك على الجانب الآخر بعض السلوكيات والممارسات غير المفهومة من قبل بعض الحواجز الرسمية للدولة، وذلك بمنع عبور المواطنين من مناطق الشهباء «الخارجة عن السيطرة» من العودة إلى مناطقهم أيضاً، الأمر الذي يعتبره هؤلاء غير مقبول أو مفهوم.
هذا الواقع المؤلم كان له الكثير من التداعيات وما يترتب عليها من نتائج، ومنها:
المحاصيل الزراعية للأهالي مهددة بالسرقة لغياب أصحابها نتيجة إجراءات المنع، فلا يستطيعون الدفاع عنها، بل ربما تعرضهم محاولة الدفاع عنها للخطر المباشر على حياتهم.
تدهور الواقع الصحي في المناطق المتواجدين بها، إضافة إلى تدهور الواقع التعليمي.
واقع وأمثلة
واقع الحال يقول: إنه لا يوجد بنى أولية تسهم في رأب الصدع الحاصل في هذين القطاعين (الصحة- التعليم)، برغم ما يشكلانه من تماسٍ مباشر مع يوميات المواطن وحياته ويشكلان هاجساً ملحاً له.
فعلى مستوى الجانب الصحي تقول «رنا» عن معاناتها، وهي فتاة تعاني من مشكلة في البصر تضطرها إلى جلسات علاج مستمرة ومتواترة: أنها بسبب هذا الوضع باتت غير قادرة على الانتقال والعبور إلى مناطق توفر جلسات العلاج، لعجزها عن دفع إتاوات التهريب الباهظة، الأمر الذي قد يكلفها بصرها بالنتيجة.
أما في الجانب التعليمي فقد تم تقديم العديد من الطلبات لطلاب أحرار من أجل تحديد مركز لهم، أو وضعهم في مراكز قريبة من مناطق وجودهم، لكن العوائق لم تقف عند الطلاب فحسب، فحتى الأساتذة والمدرسون والعاملون في هذا القطاع يعانون من مشكلة الانتقال والعبور باتجاه واحد فقط، أي: لا يمكن لهم العودة!
هذا جزء من واقع غريب فرض على الأهالي مع مفرزاته ومعاناته، وكأنهم سجناء هذه المناطق، لكن دون جرم أو تهمة، وعلى مرأى ومسمع الجميع، محلياً وإقليمياً ودولياً، وهيئات ومنظمات، ممن لا يعنيهم ما يدفعه الأهالي من أثمان.
أسعار ومافيات وضحايا
حالة الحصار التي تعانيها تلك المناطق وأهلوها، لم تختلف عن غيرها من المناطق والمدن التي تعرضت هي الأخرى لإجراءات الحصار الشبيهة على امتداد الجغرافية السورية وعمر الحرب والأزمة، فقد كان لها أثرها في استعار أسعار الانتقال من جهة لأخرى، والتي تتحكم فيها شبكات شبيهة بعملها بعمل المافيات متعددة الأطراف، متفقة على إجهاد المواطن ونهبه واستغلاله، وفي بعض الأحيان ربما قتله، مع الانعكاسات السلبية لكل ذلك على مفاصل الحياة كافة.
وواقع الحال يقول: إن من امتلك القدرة المادية فقط هو من استطاع الفرار بنفسه وبذويه من مغبات هذا السجن والحصار، وللمفارقة، هناك من دفع ماله وروحه ثمناً لأطماع تلك الشبكات، فقد وردت العديد من القصص عن عمليات قتل للعديد ممن حاولوا الفرار من تلك المناطق، منها: قتل 12 فرداً ضمن سيرفيس واحد رمياً بالرصاص بعد وصولهم إلى المسلمية، حيث تم إنزالهم لقطع الحاجز سيراً على الأقدام، بعد أن تم قبض كامل مبلغ المهرب، أي: أنهم خسروا أموالهم وحياتهم. وتم في حادث مشابه ذبح 8 أشخاص بالسكين، إضافة إلى العديد من العوائل التي اضطرت إلى بيع جميع ممتلكاتها طلباً لواقع أفضل بأي ثمن، ولكن أي ثمن؟!
أخيراً، ربما لا جديد في القول: إن الحل السياسي وفقاً للقرار 2254 وحده القادر على سحب ورقة الاستثمار بالكارثة الإنسانية التي يعيشها السوريون من أيدي المبازرين والمتلاعبين فيها، ووحده من يؤمن عودة الأهالي إلى بلداتهم وبيوتهم مع استعادة حقوقهم، ووحده من يؤمن وحدة وسلامة الأرض والشعب.