تحقيق في «اجتياح الأموال العامة والخاصة»
تداولت وسائل الإعلام مؤخراً خبراً يقول: «إن وزير العدل أصدر قراراً بتشكيل لجنة قضائية مهمتها تهيئة الملفات القضائية لملاحقة العصابات الإرهابية المسلحة التي قامت بسرقة المنشآت الصناعية والتجارية في محافظات حلب وإدلب ودير الزور والرقة والحسكة والقامشلي، والتي تم نقلها إلى الأراضي التركية».
وفي المضمون ورد في متن القرار أن مهمة اللجنة: «تهيئة الملفات القضائية اللازمة لملاحقة العصابات الإرهابية المسلحة التي قامت بسرقة المنشآت الصناعية والتجارية في محافظات حلب وإدلب ودير الزور والرقة والحسكة والقامشلي والتي تم نقلها إلى الأراضي التركية وأية مواد أو تجهيزات (آلات- مواد إنتاج- مواد أخرى..) موردة لصالح منشآت تقع داخل الجمهورية العربية السورية، وتم نقلها بعد سرقتها إلى الأراضي التركية، وملاحقة أية شخصية طبيعية أو اعتبارية ساهمت في ذلك وخصوصاً الحكومة التركية أمام القضاء الوطني، وغيره في المحاكم الإقليمية والدولية والمختصة».
كما ورد في متنه أيضاً: «تستكمل اللجنة أعمال اللجنة المشكلة بقرارنا رقم 4053 تاريخ 10/8/2015».
تاريخ وأرشيف
مطلع شهر آب من عام 2015 أصدر وزير العدل قراراً يقضي بتشكيل لجنة مهمتها: «تهيئة الملفات القضائية اللازمة لملاحقة العصابات الإرهابية المسلحة التي قامت بسرقة المنشآت الصناعية من محافظتي حلب وإدلب ونقلها إلى الأراضي التركية وملاحقة أية شخصية اعتبارية أو طبيعية ساهمت في ذلك وخصوصاً الحكومة التركية أمام القضاء الوطني، وغيره من المحاكم الإقليمية والدولية المختصة، على أن تنجز اللجنة عملها خلال ثلاثة أشهر على الأكثر».
في نهاية آب 2015، وعبر صحيفة الثورة الرسمية، قال رئيس اللجنة: «تردنا يومياً الكثير من الاتصالات الهاتفية من أصحاب المشاريع الصناعية المسروقة، ونوضح لهم المطلوب، وننتظر منهم ورود الطلبات الخطية أو أيةِ وثيقة تساعد على معرفة المنشآت المسروقة وخاصة إلى تركيا، وقد أجرينا اتصالات مع غرف الصناعة والتجارة بحلب وإدلب ليتم موافاتنا وبسرعة بالطلبات الخاصة بهذه القضية»، وأضاف: «اللجنة تأمل أن تردها الطلبات بأسرع وقت لكي تتمكن من القيام بعملها بشكل سريع، لوضع الأمور في نطاقها القانوني الصحيح لملاحقة السارقين سواء في الداخل أم تركيا، لأن هذا العمل الذي ضرب الاقتصاد الوطني والبنى التحتية يصنف تحت عنوان الإرهاب المسلح، وتستمر اللجنة باستقبال الطلبات حتى إنجاز هذا العمل نهائياً ولجميع أصحاب المنشآت المسروقة حيث بدأت تردها ومنذ نحو أسبوع عشرات الطلبات والاتصالات ويتم توثيقها تباعاً حتى يعاد الحق لأصحابه».
وبتاريخ 26/6/2016، وعبر صحيفة الثورة، قال رئيس اللجنة: «قامت اللجنة برفع تقريرها إلى السيد وزير العدل من أجل إقامة الدعوى الجزائية من قبل النيابة العامة ضد المدعو رجب طيب أردوغان والعصابات الإرهابية، وكل من يظهره التحقيق من رؤساء دول أو رؤساء حكومات بصفاتهم الشخصية أو أفراد بجريمة السرقة، أو جرائم التخريب، التي ترافقت مع جرائم السرقة وإلحاق الضرر بالاقتصاد الوطني السوري وأملاك الدولة والأفراد والادعاء مدنياً من قبل الدولة السورية ممثلة بالوزراء المختصين، لاسيما وزراء المالية والصناعة والاقتصاد وذلك تبعاً للدعوى الجزائية والمطالبة بقيمة الأضرار التي ألحقتها هذه الجرائم بالاقتصاد الوطني، وبقيمة الأضرار اللاحقة بالمنشآت المسروقة والمتضررة التي تعود ملكيتها للدولة».
وفي نهاية شهر حزيران 2016 تداولت وسائل الإعلام بياناً صادراً عن وزارة العدل أعلنت عبره عن: «تحريك دعوى الحق العام في مواجهة المدعى عليه رجب طيب أردوغان أمام قاضي التحقيق المالي الأول في دمشق بجرم اجتياح الأموال العامة والخاصة، وإلحاق الضرر بالمنشآت العامة والسرقة الموصوفة وتخريب وإتلاف وسرقة المال العام».
وأضاف البيان: «إن إدارة قضايا الدولة تقدمت بادعاء شخصي تبعاً للدعوى الجزائية في مواجهة رجب طيب أردوغان بصفته الشخصية إضافة إلى منصبه كرئيس للجمهورية التركية وفي مواجهة رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية في تركيا بصفتهما المسؤولين مالياً».. «وقد أتى الادعاء على خلفية سرقة 37 منشأةً صناعية ومعملاً في حلب، بلغت قيمة الأضرار الناجمة عنها 5,295 مليارات دولار، وهي التي تم استكمال أوراقها ودراستها حتى تاريخه».
حقوق قيد الانتظار
ما سبق أعلاه، يوضح بأن عمل اللجنة المشكلة بمنتصف عام 2015، والتي منحت مدة 3 أشهر لإنجاز عملها على الأكثر، استغرقت أكثر من عام للوصول إلى تحريك دعوى الحق العام، استناداً إلى ما تم توثيقه من خلالها على مستوى 37 منشأة فقط، وهو من كل بدٍّ إنجاز يبنى عليه على الرغم من طول المدة الزمنية التي استغرقتها هذه الإجراءات، وربما بناء عليه صدر القرار الجديد الذي وسع مهمة عمل اللجنة بحيث شملت بالإضافة إلى حلب وإدلب كلاً من (دير الزور- الرقة- الحسكة- القامشلي)، حيث أشار القرار إلى أن مهام اللجنة هي: استكمال لأعمال اللجنة المشكلة بعام 2015، إلّا أنه لم يتضمن الإشارة إلى دعوى الحق العام أمام قاضي التحقيق المالي الأول في دمشق، التي سبق وأن تم الإعلان عنها منذ أكثر من سنتين، خاصة وأنه لم يرشح عن مآلها ما يمكن إضافته من معلومات.
وبهذا الصدد، من الهام التأكيد على حقوق الدولة بممتلكاتها العامة من أبنية ومنشآت تعرضت هي الأخرى للدمار والسرقة والنهب، من أجل توثيقها وتحريك الدعاوى بحق كل من ساهم أو كان له دور بما تعرضت له، أفراداً ودولاً، بالإضافة إلى حقوق جميع السوريين ممن تعرضت بيوتهم وممتلكاتهم للدمار والسرقة والنهب خلال سنوات الحرب والأزمة، وصولاً إلى تحريك الدعاوى بمواجهة كل المساهمين بعمليات الدمار والنهب التي تعرضت لها ممتلكاتهم، وصولاً إلى حق هؤلاء بالتعويض عن كل ما أصابهم من ويلات، مادية ومعنوية، على أن يشمل ذلك المواطنين المتضررين كافة وعلى جميع الأراضي السورية.
على ذلك يبدو السؤال المشروع على ألسنة المواطنين: متى يحين موعد تشكيل لجان مشابهة بمهامها تضمن وصولهم إلى حقوقهم قيد الانتظار؟
فعمليات التوثيق المطلوبة للوصول إلى اتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية ستستغرق وقتاً طويلاً وفقاً لمقاييس زمن عمل اللجنة أعلاه، ما يعني: أن الإجراء المتمثل بتشكيل مثل هذه اللجان يعتبر ذا أهمية وأولوية قصوى بالنسبة إلى المواطنين المتضررين، باعتبارها الخطوة الأولى للوصول إلى بعض حقوقهم، المفترض بأنها مصانة بحسب القوانين المحلية والدولية أيضاً.
فهل ستقوم وزارة العدل بتشكيل لجانٍ خاصةٍ بحقوق المتضررين من عموم المواطنين أسوة بأصحاب المنشآت الصناعية والتجارية، أم أن حقوق هؤلاء تختلف عن سواهم؟