إدلب.. سجنٌ مفتوح على الرعب والحرب!

إدلب.. سجنٌ مفتوح على الرعب والحرب!

رغم أنّ حركة الأهالي في إدلب تبدو شبه عادية، فمن شارع المتنبي إلى دوار الكرة الأرضية، ومن دوار الساعة حتى سوق الخضرة القديم، يتنقل المدنيون محاولين شراء أغراض العيد، لكن هذه النظرة العابرة لا تعطي إلا بعض الحقيقة، في مشهد المدينة الملتبس، الذي يكاد يلخص كامل الأوضاع الحالية في المناطق التي لاتزال خارج سيطرة الدولة.

كلام الناس قليل وأجوبتهم مقتضبة، فالكلمة قد تؤدي بصاحبها إلى سجون التنظيمات المتطرفة، وعيون ما تسمى (الفصائل الجهادية) المسيطرة على المنطقة منتشرة في كل مكان لرصد أية كلمة خارجة عن «نصهم» وخطاب التصعيد الذي ينتهجونه ضد الدولة السورية منذ عدة سنوات، رغم أن معظم الناس أصبحت ترى فيه تضليلاً لا طائل منه، وتسعى لتسوية أوضاعها أو السفر إلى خارج إدلب.
انقسم المسافرون إلى ثلاث جهات هي: الداخل السوري الخاضع لسلطة الدولة، وشمال حلب الخاضع لسيطرة المجموعات المسلحة، ومناطق سيطرة «قسد» في الحسكة والرقة ودير الزور، أو السفر إلى الخارج عبر الحدود إلى تركيا.
شهادات
«الله يفرجها.. والله ملينا» هذه العبارة هي الجواب الأكثر تداولاً على ألسنة الأهالي هنا، مع نظرات حائرة والخوف من مصير مجهول.
«لا أحد هنا يفكر بأوضاع الأهالي ومعاناتهم، فالأولوية للأمن»، يقول رامز 25عاماً، وعامل سابق في إحدى المنظمات الإنسانية، ويضيف: «أن «هيئة فتح الشام» قادت حملة اعتقالات واسعة في المدينة وريفها خلال الشهر الماضي ولاتزال مستمرة فيها، وتم اعتقال مئات الأشخاص، بينهم العشرات من النازحين، بدعوى سعيهم للمصالحة مع النظام»، ويعقب: «الأهالي اليوم يبحثون عن الأمان وأغلبهم أصبح بعيداً عن القوى المسيطرة على المنطقة، لكنهم لا يملكون شيئاً من أمرهم».
تباين وتصفيات متبادلة
يقدر عدد سكان ادلب بـ 1,501 مليون نسمة، بحسب آخر إحصاء رسمي أجرته الدولة، فيما تشير الكثير من الإحصاءات إلى أن أعداد المدنيين تجاوز الـ 2 مليون نسمة في إدلب وريفها، حيث تمتد محافظة إدلب على مساحة قدرها 6,097 كم² في الشمال السوري، وتنتشر فيها أكثر من 50 مجموعة مسلحة، يقال: أنها تضم أكثر من 120 ألف مسلح، أغلبها مما يسمى «المجموعات الجهادية» وينضوي معظمها في «هيئة تحرير الشام» التي تقودها، فيما يحل في المرتبة الثانية ما يسمى بـ «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي يضم «الجبهة الوطنية لتحرير سورية» المدعومة تركياً، والتي تضم كلاً من «أحرار الشام» و»فيلق الشام»، وقد التحق بهما المئات من المقاتلين الذين خرجوا من غوطة دمشق ودرعا، فيما تتربع «داعش» الفاشية في المرتبة الثالثة، وتضم كلاً من «لواء داوود» و»جند الأقصى» و»حراس الدين».
وقد شهدت محافظة إدلب حرباً، لا تزال مستعرة، بين هذه المجموعات، حيث قضى أكثر من 250 شخصاً في اغتيالات متبادلة بينها، ولا تزال الأوضاع الداخلية غير مستقرة في ظل حرب التصفيات، والتنافس الداخلي، وتباين وجهات النظر، ليس فقط بين المجموعات المختلفة وإنما حتى داخل المجموعة الواحدة، فيما سجل المراقبون قيام العشرات من العناصر المهاجرة داخل هذه المجموعات بالسفر إلى تركيا، فيما لجأ آخرون إلى ببيع أغراضهم الشخصية واستبدال ما يملكونه من عملة محلية بالذهب والدولار.
واقع معيشي متردٍ
«لا مكان هنا لأي رأي مختلف»، يقول أبو محمد 34 عام، واصفاً أحوال السوق: «حركة البيع والشراء متردية، لقد انخفضت عنها في المواسم السابقة، وأغلب الأهالي يتجهون إلى شراء الألبسة من البالة «الثياب المستعملة» التي ينخفض سعرها عن سعر الألبسة الجديدة إلى ما دون النصف»، ويمتلك هذا الرجل محل ألبسة جديدة في المدينة، وعلق على واجهة محله لافته صغيرة كتب عليها «المحل للبيع». ويضيف: «أن أغلب الأهالي يتجهون إلى شراء الأغراض والثياب المستعملة»، معللاً ذلك بانخفاض دخولهم وقلة الموارد المالية، ومشيراً إلى أن أغلب أصدقائه في السوق إما سبقوه في البيع، أو سيلحقون به، حيث سافر أغلبهم إلى دمشق أو تركيا خوفاً من تقدم المعارك نحو هذه المدينة.
أسعار المواد الغذائية بعضها مرتفع، كالخبز، حيث سعر ربطة الخبز وفيها 8 أرغفة 200 ليرة، وكغ رز 500 ليرة، وكغ السكر 300 ليرة، أما الخضار والفواكه فهي معقولة فكغ البندورة 150، والخيار100، والعنب 300 والتين 150، وغالبيتها من إنتاج المنطقة.
قلقٌ وترقب
من يتابع حركة تنقل الأهالي يعرف مقدار القلق الذي يعيشونه بسب خوفهم من الاعتقالات التي تشنها «جبهة تحرير الشام» وغيرها من المجموعات المسلحة الأخرى، والتي طالت مئات الأشخاص بحجة سعيهم للمصالحة مع النظام.
ورغم خوف الجميع (المجموعات المسلحة- الأهالي) في محافظة إدلب من المعارك القادمة، إلاّ أن نتيجتها باتت واضحة أمامهم، وهي: أن عودة هذه المحافظة إلى سيادة الدولة باتت مسألة وقت لا أكثر، وهو ما يرجوه الغالبية من الأهالي، ويسعون إلى تحقيقه حسب إمكاناتهم المتاحة، كي لا تكون بلداتهم ساحات للمعارك، ويكونون هم وبيوتهم وممتلكاتهم ضحاياها.