هضم المزيد من حقوق الضمان الصحي
بحسب إحدى الصحف الرسمية بتاريخ 5/5/2018، «حددت المؤسسة العامة للتأمين بالتنسيق مع إدارات المؤسسات الإدارية والاقتصادية العامة_ بناءً على قرارات وبلاغات صادرة عن رئاسة مجلس الوزراء_ قيمة /50/ ألف ليرة للموظف كأعلى رصيد لبطاقة تأمينه الصحي، و/12/ إجراء صحي_ خلال عام كامل».
الخبر أعلاه ليس جديداً ببعض حيثياته على مستوى التغطية التأمينية للعاملين في القطاع الإداري، لكنه يعتبر جديداً بالنسبة لتغطية العاملين في القطاع الاقتصادي.
تغطية القطاع الإداري
لقد عممت المؤسسة العامة السورية للتأمين إلى كافة الجهات المتعاقدة (القطاع الإداري) ومقدمي الخدمة الطبية، تعديل تغطيات التأمين الصحي للعاملين في القطاع الإداري، بناءً على موافقة رئيس مجلس الوزراء، ليعمل بها اعتباراً من تاريخ 1/4/2017، بحيث تصبح كما يلي:
_ التغطية داخل المشفى نسبة التحمل 10%، عدد الزيارات مفتوح، الحدود المالية السنوية 500 ألف ليرة.
_ التغطية خارج المشفى (مخابر_ أشعة_ أدوية موصوفة_ زيارة طبيب) بنسبة تحمل 25%، وبعدد زيارات 12 زيارة سنوياً، وبحد أقصى قدره 50 ألف ليرة لكل مؤمن عليه سنوياً.
_ تغطية أدوية الأمراض المزمنة بنسبة تحمل 25%، وبواقع 12 زيارة سنوياً، بإضافة مبلغ 25 ألف ليرة للحد المالي خارج المشافي.
تغطية القطاع الاقتصادي
بتاريخ 21/8/2017، اتخذت المؤسسة العامة السورية للتأمين قراراً أقرت فيه تعرفة جديدة لبوليصة التأمين الصحي الفردي والجماعي، للعاملين في جهات القطاع الاقتصادي، وذلك بحسب تصريح مدير عام المؤسسة عبر إحدى الصحف الرسمية بتاريخ 29/8/2017.
وتعتمد التعرفة الجديدة, على تقسيم العقود إلى مجموعات وفق التغطيات والشرائح العددية المكونة لكل عقد على حدة.
فبالنسبة للتغطيات داخل المشفى، تم اعتماد نظام الشرائح العمرية، حيث إن لكل شريحة سعراً، أي: أن كل جهة مؤمنة سيترتب عليها قسط مختلف بالاعتماد على الشرائح العمرية والعددية، فعلى سبيل المثال: داخل المشفى 500 ألف ليرة، إذ أصبح في الإمكان رفع التغطية إلى 600 ألف وهكذا حتى 1,5 مليون ليرة وذلك وفق نسب ثابتة ومحددة.
أما التغطيات خارج المشفى بالنسبة لعقود القطاع الاقتصادي، فتشمل، العيادات والصيدليات والمخابر وغيرها، وسقف التغطيات يبدأ بـ 50 ألفاً وهناك 100 ألف ليرة أيضاً و 150 ألف ليرة أيضاً.
وحُددت الخدمات بشكل مضاعف لما هو محدد في بوليصة القطاع الإداري، وهي 8 زيارات للطبيب، ومخابر وأشعة فيزيائية 8 زيارات، و 8 وصفات للأدوية، والمزمنة 12 وصفة دوائية مع وجود نسبة تحمل 10%، كما يمكن لبعض القطاعات أو المؤسسات وطالبي التأمين الذين يرغبون بأنواع معينة من التأمين من دون تحمل، فذلك ممكن مقابل تغيير قيمة القسط.
تراجع التغطية التأمينية
الملاحظ، أن هناك تراجعاً كبيراً في التغطية التأمينية بالنسبة للعاملين في القطاع الاقتصادي، ناهيك عن تراجع إضافي على مستوى التغطية للقطاع الإداري أيضاً، وذلك بحسب الخبر الأخير أعلاه.
العاملون في القطاع الإداري سلفاً يشتكون من واقع التغطية التأمينية، وفقاً لما ورد من حيثياتها أعلاه، على مستوى السقوف المالية وعدد الإجراءات الصحية، وخاصة بالنسبة للأمراض المزمنة، فقد أصبح سقف عدد الإجراءات الصحية خارج المشفى 12 إجراء خلال العام، تشمل الأمراض المزمنة وسواها، أي: أنه تم التخفيض بمعدل النصف.
أما بالنسبة للعاملين في القطاع الاقتصادي، فقد تم غض النظر على ما يبدو عن حيثيات التعرفة كلها التي تعتمد على العدد والشريحة العمرية، وبأن التغطية بالنسبة لهؤلاء مضاعفة على مستوى عدد الإجراءات الصحية خارج المشفى، وأصبحوا سواسية في الظلم مع العاملين في القطاع الإداري على مستوى التغطية التأمينية بالنتيجة.
الذريعة المكررة
الظاهر أن ذريعة سوء استخدام بطاقة التأمين الصحي ما زالت هي المبرر والمسوغ من أجل هضم المزيد من حقوق العاملين في القطاعين الإداري والاقتصادي المؤمن عليهم.
فرئيس دائرة التأمين الصحي في المؤسسة السورية للتأمين، وتعقيباً على الخبر أعلاه، حسب الصحيفة الرسمية، أقر: «أنه تمّ تخفيض رصيد البطاقة الصحيّة للموظف بعد دراسة عدد كبير من مطالبات المؤمّنين وسوء استخدامهم للبطاقة».
كما قال: «إن قرار التشميل صادر عن رئاسة مجلس الوزراء، وهو عبارة عن عقد بين المؤسسة السوريّة للتأمين والإدارات العامة والمؤسسات والشركات».
مضيفاً: «كل هذه الإجراءات من أجل الحدّ من سوء استخدام البطاقة ووضع عملية التأمين الصحي على الطريق الصحيح بما يخدم المريض فعلاً».
العقوبة جماعية
من كل بد، إن عملية التأمين بهذا الشكل مع استمرار هضم الحقوق، لا تخدم مصلحة العامل المريض، بل هي تخدم مصلحة الشركات أولاً وأخيراً على حساب هؤلاء، حيث تستمر الاقتطاعات من أجور العاملين الشهرية، بل وترتفع أحياناً، فيما تنخفض التغطيات الصحية.
أما على مستوى سوء الاستخدام للبطاقة التأمينية، فلعل بعض العاملين من أصحاب البطاقات، ودون أن ننفي مسؤوليتهم، يعتبرون إحدى حلقات هذا السوء من الاستخدام، فيما تبقى الكثير من الحلقات الأخرى شريكة ومتعاونة مع هؤلاء، دون معالجة ما يخصهم من مسؤولية هذا السوء.
وكأن مبدأ العقوبة الجماعية والمكافأة الفردية أصبح عملياً هو السائد وفقاً للإجراءات المتخذة من أجل معالجة الخلل في سوء الاستخدام للبطاقة، عبر تخفيض التغطية التأمينية للجميع، فبعض المستفيدين من الخلل القائم، في مختلف حلقات الاستفادة، لن تردعهم تلك التخفيضات عملياً، وهو أمر مدرك من دون شك من قبل القائمين على القطاع التأميني.
الأهم زيادة أرباح الشركات
لنصل إلى النتيجة: أن «سوء استخدام البطاقة التأمينية» ليس إلا ذريعة من أجل تخفيض التغطية التأمينية على حساب العاملين وصحتهم، ولمصلحة شركات التأمين وزيادة أرباحها.
ولعل أكبر دليل على أن جملة هذه الإجراءات لا تصب إلا في خانة ومصلحة شركات التأمين وزيادة أرباحها، هو: زيادة عدد هذه الشركات، بل والحديث مؤخراً عن قرار يتم إنجازه في مجلس إدارة هيئة الإشراف على التأمين، يسمح بالترخيص لشركات وساطة تعمل في سوق التأمين المحلي، بحسب وسائل الإعلام.
كما كشفت إحدى الصحف الرسمية أيضاً، عن تعديلات جاهزة لقانون هيئة الإشراف على التأمين، وهي قيد المناقشة في وزارة المالية، ومن أهم البنود الواردة في التعديلات المقترحة، هي استثمار أموال شركات التأمين، وذلك من خلال استثمار الفائض المالي لهذه الشركات باستثمارات تضع الهيئة البوصلة التوجيهية لها، وبآلية عمل شركة استثمارية تديرها شركات التأمين، وتتجه نحو أي مشروع «بجزء أو كل» لإعادة الإعمار، مثل: التطوير العقاري، ويكون حجم رأس المال كبيراً، ولا تستطيع شركة واحدة أن تديره بشكل كامل، فيتم الاستثمار في هذا المجال، أو استثمار مشروع بشكل كامل كالخدمات التي تطور القطاع الصحي, فهذه الاستثمارات تساعد الشركة والاقتصاد ومنظومة العمل الصحية، كإنشاء مجمع صحي يقدم خدمة التأمين الصحي لحملة الوثائق التأمينية.
بمعنى آخر، إن شركات التأمين، التي أصبح لديها فائض مالي، ستتم إتاحة المجال أمامها للاستثمار وزيادة أرباحها، من خلال الاستثمار في قطاعات اقتصادية أخرى.