خرائط السكن العشوائي مُنجزة وتُعيد
نقلاً عن الصفحة الرسمية للحكومة نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الإدارة المحلية والبيئة، أنها تعمل بالتنسيق مع جميع المحافظات من أجل البدء بإنشاء الخارطة الوطنية للسكن العشوائي، والبدء بإعداد خارطة الاستثمار السياحي ودراسة مشروع الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي.
الحديث الرسمي عن الخارطة الوطنية للسكن العشوائي ليس جديداً، كما أن الخارطة المذكورة سبق وأن تم الإعلان عن إنجازها منذ عدة أعوام، فكيف يستوي ذلك؟
سوابق تاريخية مثبتة
في مطلع شهر تشرين أول 2011 نظمت هيئة التخطيط الإقليمي ورشة عمل تدريبية حول مشروع الخارطة الوطنية للسكن العشوائي، التي تعمل الهيئة على وضعها ضمن إطار البرنامج الوطني للارتقاء، وإعادة تأهيل مناطق السكن العشوائي.
وتم خلال الورشة، إقرار البرنامج التنفيذي والزمني لإنجاز الخارطة الوطنية، والتوافق على آلية المتابعة بين هيئة التخطيط الإقليمي ومديريات التخطيط الإقليمي ودعم القرار في المحافظات، للانتهاء من المشروع بالكامل خلال فترة عام، المتفق عليها من خلال مذكرة التفاهم بين الهيئة ووزارة الإدارة المحلية.
وفي مطلع شهر آب 2013 أكد رئيس هيئة التخطيط الإقليمي: أن الهيئة أنجزت الخارطة الوطنية للسكن العشوائي، والتي صنفت بموجبها التجمعات العشوائية في مدن ومراكز المحافظات وفق الأولويات، وحددت نوعيات التدخل لتنظيمها عبر اعتماد مؤشرات رئيسة وفرعية لكل تجمع على حدة، مع الأخذ بعين الاعتبار مدى توفر عوامل استقرار القاطنين فيها ولاسيما الخدمات والمرافق العامة والبنى التحتية.
ورأى رئيس الهيئة: أن الخارطة الوطنية للسكن العشوائي يجب أن تكون إحدى قواعد بدء إعادة الإعمار، الأمر الذي يحتم تحديد أولوياتها، موضحاً أن توجهات الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي تركز على أن تطوير مناطق السكن العشوائي، هو نهج شامل كلي للتنمية الفيزيائية والاجتماعية والاقتصادية، لرفع مستواها، وتوفير وضمان الحيازة، وزيادة فرص العمل من خلال برامج التمويل الصغيرة، داعياً إلى ربط الإدارة الرشيدة واللامركزية بنهج التخطيط من القاعدة إلى القمة، لضمان استمرار نهج تطوير شمولي مقابل عدم تجاهل حقوق الملكية، من أجل ضمان أمن الحيازة، إضافة لبناء الشبكات الاجتماعية والمشاركة المجتمعية كعنصر أساس في تحقيق نهج شامل لتطوير المجتمعات العشوائية.
وفي مطلع شهر أيار 2017 أكد مدير عام هيئة التطوير والاستثمار العقاري: أن الهيئة بدأت، وبناءً على توصية لجنة الخدمات والبنى التحتية في رئاسة مجلس الوزراء، بإعداد دراسات معمقة لمعالجة مناطق السكن العشوائي وفق الخارطة الوطنية للسكن العشوائي، المعدّة من قبل هيئة التخطيط الإقليمي، حيث تم تشكيل فرق عمل لجميع المناطق في القطر، للتواصل مع المعنيين في المحافظات والوحدات الإدارية، لتحدد أولويات التدخل لمعالجة هذه المناطق وإعداد الأضابير اللازمة لها.
بالإضافة للكثير مما هو موثق على الجهات الحكومية من أحاديث رسمية عن الخارطة أعلاه خلال السنوات الماضية، كما عن معالجة مناطق السكن العشوائي مراراً وتكراراً.
أسئلة تفرض نفسها
المثبت، أن الخارطة منجزة منذ عام 2013، وهيئة التطوير العقاري من المفترض أنها بدأت العمل منذ العام الماضي على إعداد الدراسات لمعالجة مناطق السكن العشوائي استناداً لتلك الخارطة، وبناء على تكليف من الحكومة، أي أن الحكومة كانت قد اعتمدت تلك الخارطة من الناحية العملية ووضعتها بالتنفيذ.
فكيف تطالعنا وزارة الإدارة المحلية أخيراً بأنها «تعمل بالتنسيق مع جميع المحافظات من أجل البدء بإنشاء الخارطة الوطنية للسكن العشوائي»؟!
هل هذا يعني أن الوزارة لا علم لها بالخارطة المنجزة من قبل هيئة التخطيط الإقليمي؟
أم أنها رمت بها، وبالجهد المبذول على إنشائها، مع التصنيفات التي تم إرفاقها بها للتدخل من أجل تنظيمها حسب كل تجمع؟
أم أن موضوع معالجة مناطق السكن العشوائي وفقاً للخارطة المنجزة، ربما لا يحقق الغايات الربحية القصوى المرجوة منها، وبالتالي لا بد من إنجاز خرائط جديدة تحقق هذه الغاية؟
الغايات الربحية هي المحرك
قد يسعنا أن نقول: نعم، إن الغاية الربحية غالباً هي من تقف خلف البدء من جديد بإنشاء الخارطة الوطنية للسكن العشوائي، خاصة وأنه قد تم ربطها مباشرة «بالبدء بإعداد خارطة الاستثمار السياحي».
وربما ما يؤكد ذلك أكثر وأكثر، هو: ما ورد بتتمة الخبر الوارد عن وزارة الادارة المحلية والبيئة حول الموضوع، حيث يقول: «كما أنجزت في مجال النظم والمخططات خرائط الحدود الإدارية والكود الرقمي لمحافظات القطر بنسبة 90%، وإعداد الصك التشريعي لتعديل المرسوم رقم 66 لعام 2016، بالتوازي مع متابعة المشاريع القائمة من إعمار القرى المحررة في ريف اللاذقية الشمالي، وإعادة إعمار محافظة حلب، إضافة إلى مشروع تنفيذ المرسوم 66 لعام 2012، وإعادة إعمار حي الوعر ومشاريع محافظة حمص، مع إعادة النظر في عائدات استثمار ملكيات الوحدات الإدارية ودراسة العقود المبرمة بخصوصها مع القطاع الخاص بأشكالها كافة».
علماً أن المرسوم 66 سبق وأن تم تعديله وفقاً للقانون 10 الأخير، ولا ندري ما الغاية من إعادة تعديله مجدداً على هذه الأرضية؟!
بمطلق الأحوال، إن معالجة مناطق السكن العشوائي قد تطول وتمتد سنين كثيرة أخرى، طالما أن المحرك والمعيار في هذه المعالجة هو عامل الربح الاستثماري والسياحي، وما ستجنيه الوحدات الإدارية من عائدات استثمارية كذلك الأمر، وعلى ذلك لا نستبعد أن يعاد النظر مراراً وتكراراً بالخرائط المعتمدة والمنجزة، طالما هذا الشرط هو الأساس، وليس الضرورات السكنية للمواطنين في هذه المناطق واحتياجاتهم وضمان سلامتهم ومستقبلهم.