أهالي عفرين محاصرون في العراء

أهالي عفرين محاصرون في العراء

ما زالت الأخبار المؤسفة تصل تباعاً، عما آلت إليه حال أهلنا النازحين من مدينة عفرين، وقراها المحيطة، من بؤس وكارثة إنسانية، على إثر العدوان التركي الهمجي، الذي احتل المدينة واجتاح العديد من قراها.

 

مئات الآلاف من أبناء المدينة، ومن لجأ إليها خلال السنوات الماضية، اضطروا للنزوح عن المدينة، ليعيشوا في تجمعات مؤقتة في العراء، وفي ظروف إنسانية قاهرة، هرباً من همجية الاحتلال التركي وأدواته من القوات الغازية.
ممارسات احتلال
لم تكتف قوات الاحتلال التركي بأن استخدمت صنوف الأسلحة الثقيلة كافة، براً وجواً، على المدينة وأهلها، مع ما خلفته من ضحايا بين أوساط المدنيين ودمار للبنى التحتية والخدمية في المدينة، مما اضطر الكثير من أهلها والقاطنين فيها للهروب منها نزوحاً، بل عمدت بعد اقتحام المدينة إلى ممارسات لا تقل إجراماً، اعتباراً من نصب الحواجز العسكرية داخل المدينة وعلى الطرقات المؤدية إليها، مع قوائم «المطلوبين» من القوات الغازية، مروراً بعمليات السرقة و»التعفيش» المنظم للمنازل والمحال التجارية وغيرها، وصولاً إلى عمليات التخريب المتعمد لبعض المحال والمنشآت بذرائع «شرعية» مختلفة، مع الكثير من الممارسات العنفية بغاية فرض الوجود وهدر الكرامات، استقواءً بالسلاح وبقوة الاحتلال.
حصار في العراء
واقع الحال يقول: إن مئات الآلاف من النازحين ما زالوا في العراء، دون وجودٍ لأدنى مقومات الحياة، فهؤلاء اضطروا للنزوح عن بيوتهم باتجاه العراء بعد أن تقطعت بهم السبل من الوصول إلى أي مكان آمن من الممكن أن تتوفر فيه بعض مستلزمات الحياة وضروراتها، فقد عمدت قوات الاحتلال التركي إلى قطع غالبية الطرق والممرات المحيطة بالمدينة، القريبة والبعيدة، سواء بالوجود المباشر فيها، أو عبر وسائل السيطرة النارية عليها، بما في ذلك عمليات القنص للمدنيين في حال وصولهم إليها أو مرورهم فيها، حيث تم تسجيل العديد من الضحايا من المدنيين جراء عمليات الاستهداف قنصاً على بعض الطرق، ما يعني بالمحصلة: أن هؤلاء النازحين أصبحوا بمثابة المحاصرين من قوات الاحتلال في هذا العراء رغماً عنهم أيضاً، مع بعض الاستثناءات.
فقد استطاع بضعة آلاف منهم من الوصول إلى بلدتي نبل والزهراء جنوباً خلال الفترة الماضية، فيما استطاع العودة إلى المدينة عدد قليل جداً من أهلها، ليكابدوا الممارسات الاحتلالية سابقة الذكر.
توسيع العدوان
الاحتلال التركي، والقوات الغازية المرافقة، تعمدوا مع بدء العملية العسكرية، عبر استخدام القوة النارية المفرطة بمختلف صنوف الأسلحة الثقيلة، وعبر ممارساتهم الاحتلالية المجرمة، بذريعتهم المضللة «محاربة الإرهاب»، إلى محاولة تهجير أكبر قدر ممكن من أهالي المدينة وقراها المحيطة، وذلك من أجل سهولة السيطرة عليها، والتوسع من حولها إلى مناطق أخرى لاحقاً، وهو أمر لم تخفه قوات الاحتلال التركي، حيث أعلنت وبكل صلف وعنجهية المحتل، إلى أنها تسعى إلى التمدد باتجاه مناطق أخرى في الشمال السوري، وذلك بعد أن احتلت مركز مدينة عفرين مباشرة.
فرصة للاستثمار السياسي
ما جرى ويجري على مستوى الكارثة الإنسانية التي يعيشها أهالي عفرين نتيجة الاحتلال التركي، لم تكن بالنسبة للكثير من القوى المحلية والإقليمية والدولية إلا فرصة للاستثمار السياسي، كما جرت عليه العادة على مستوى الكارثة السورية عموماً، بعيداً عن حال هؤلاء وواقهم ومتطلباتهم وحقوقهم، وخاصة حقهم في الحياة الذي أصبح مهدداً بفعل الاحتلال، مع الكثير من خلط الأوراق والتضليل بما يتعلق بالمسألة الكردية في سورية، في مسعى لإخراجها من حيزها الوطني وزجها في صلب المعترك الإقليمي والدولي، وذلك بغاية أساسية تتمثل بإطالة أمد الحرب والأزمة السورية نفسها، وعلى حساب أبنائها من السوريين بكل رقعة من الجغرافيا الوطنية.
على ذلك فإن الواجب الوطني بالحد الأدنى يقتضي، السعي لإخراج الكارثة الإنسانية التي يعيشها أهلنا في عفرين من حيز الاستثمار والمماحكة السياسية والإعلامية، رغماً عن ممارسات الاحتلال وأتباعه، وذلك عبر ممارسة الضغط الجدي واللازم من كل القوى الوطنية، من أجل تحقيق رغبة هؤلاء وحقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم، وتشجيعهم على ذلك، وتصليب موقفهم بهذا المجال، مع تذليل الصعوبات كافة التي تعترض هذا الحق وهذه الرغبة.
معيار الوطنية
من المفروغ منه، أن مقاومة الاحتلال التركي وصولاً إلى دحرهِ وفرض انسحابه، بكل السبل والوسائل الممكنة والمتاحة، هو حق وواجب وطني، وقد كفلته القوانين والمواثيق الدولية جميعها دون استثناء، ولعله من الواجب الإشارة إلى ضرورة استعادة السيادة الوطنية السورية كاملة، والتي تم انتهاكها خلال سنوات الحرب والأزمة، ولعل الممر الوحيد المتاح لتحقيق هذه وتلك كنتائج وطنية متوخاة، هو: توحيد جهود جميع الوطنيين السوريين، بعيداً عن كل أوهام الرهان على القوى الإقليمية والدولية، وتحديداً بعيداً عن أوهام الدعم الأمريكي، من أجل الإسراع بالحل السياسي وفقاً للقرار 2254، الضامن لوحدة الأرض والشعب، والموحد للبنادق في مواجهة الإرهاب، والكفيل بوضع حدٍ للكارثة الإنسانية، والقادر على إنهاء كل الوجود الأجنبي على الأرض السورية، وصولاً إلى التغيير الديموقراطي الجذري والعميق والشامل.
وتلخيصاً نقول: يجب الانطلاق من أن الحل السياسي وفقاً للقرار 2254 هو ممر العبور الإلزامي والوحيد للخروج من الأزمة وتداعياتها، كونه الضامن للسيادة ووحدة الأرض والشعب.
ولعلنا في هذا الصدد، يمكننا القول: إن النضال من أجل الإسراع بالحل السياسي على هذا الأساس، هو مقدمات الفعل المقاوم لكل أشكال الاحتلالات والوجود الأجنبي في أرضنا، وهو على ذلك معيار للوطنية أيضاً.