دعاية وزارية للمدارس الخاصة
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

دعاية وزارية للمدارس الخاصة

عنوان لافت نقلته إحدى الصحف المحلية بتاريخ 1/3/2018، على لسان وزير التربية بقوله: «لا يمكن لمدرسة خاصة أن تستقطب مدرساً إلا إذا كان مبدعاً في المدرسة العامة»، وكأن الوزير بعبارته يقوم بالترويج للمدارس الخاصة عبر المدرسين المستقطبين من قبلها!.

ومن جملة ما قاله الوزير أيضاً: «.. لعبت المدارس العامة دوراً مهماً في هذا المجال، برفدها المدارس الخاصة بالمعلمين والمدرسين الذين اكتسبوا مهاراتهم وخبراتهم من خلال العمل في المدارس العامة، وهذا ما يفسر سعي المدارس الخاصة لاستقطابهم والاستفادة منهم..».
إقرار بالنزف وتغييب الأسباب
حديث الوزير أعلاه، يتضمن الإقرار بالنزف الحاصل على مستوى المدرسين ذوي المهارة والخبرة، من المدارس العامة لمصلحة المدارس الخاصة، والمستغرب أن يتم تسويق هذا النزف والاستنزاف وكأنه حالة إيجابية، بينما العكس هو الصحيح، خاصة مع واقع التراجع في العملية التعليمية، والملاحظات الكثيرة والعميقة المسجلة على هذا المستوى، وعلى السياسة التعليمية عموماً.
أما ما لم تتم الاشارة إليه في حديث الوزير، فهو: الأسباب التي تدفع بالمدرس ذي المهارة والخبرة، لأن يكون مستقطباً من قبل المدارس الخاصة أصلاً، بغض النظر عن مصلحة هذه المدارس بعملية الاستقطاب تلك، والتي يمكن أن يكون أهمها على الاطلاق، هو: الأجور التي يتقاضها المدرسون والكادر الإداري.
حيث لم تتم الإشارة إلى فارق الأجور التي يتقاضاها المدرسون بين المدارس العامة والخاصة، والذي يعتبر سبباً جوهرياً وأساسياً يدفع باتجاه المزيد من استنزاف الخبرات من المدارس العامة، ناهيك عن بعض الأسباب الإضافية، مثل: البرنامج الدرسي ومساعدات التدريس وعدد الطلاب، وغيرها من الأسباب الكثيرة الأخرى.
التفوق موضوع آخر
تحدث الوزير أيضاً عن التفوق قائلاً: «إذا ما عرفنا أن تفوق التلاميذ في الامتحانات العامة ما يزال على نحو رئيسي في المدارس العامة، أدركنا أهمية الأداء الجيد لمعلمي ومديري تلك المدارس..».
أيضاً على نحو مستغرب لم يتم التطرق إلى الدروس الخاصة، التي يضطر إليها الكثير من الطلاب في المدارس العامة، والتي لم تعد مقتصرة على طلاب الشهادات (التعليم الأساسي أو الثانوي) بحيث أصبحت جزءاً أساسياً من العملية التعليمية بالنسبة لهؤلاء، بل تعدتها حتى أصبحت حاجة وضرورة لبعض الطلاب في الصفوف الانتقالية كذلك الأمر، بمن فيهم طلاب صف الأول والثاني في الحلقة الأولى، كما لم يتم التطرق إلى الأسباب، التي لم تعد خفية ربما خلف ذلك كله، والمرتبطة عملياً بالمناهج وطرائق التدريس ومساعداتها، ناهيك عن أجور وتعويضات المدرسين والكادر الإداري، وغيرها الكثير الكثير.
فالتغني بالتفوق في المدارس العامة، من المفترض أن يقترن بتوفير مقدماته ومسبباته وضروراته على المستويات كافة، سواء بالنسبة للطلاب أو بالنسبة للمدرسين والكادر الإداري في المدارس العامة، وأهم هذه الضرورات بالنسبة للطلاب، هي: عدم الاضطرار للجوء للدروس الخاصة وسواها، والتي تكبد ذويهم المزيد من الضغط على المستوى المعيشي، وتدفع بالنتيجة إلى المزيد من التسرب المدرسي.
والسؤال الذي يجب أن يتم طرحه بناءً على ما سبق: هل من ثقة باستمرار هذا التفوق في ظل الاستمرار، بآليات العمل والسياسات التعليمية نفسها، التي تستنزف الطلاب ومدرسيهم على حد سواء؟
حقوق وواجبات
قضية أخرى أشار إليها الوزير، ربما بحاجة لإعادة التدقيق، حيث قال: «المدرس الذي يدرس في المدرسة العامة هو نفسه الذي تستقطبه المدرسة الخاصة، علماً أنه حصل على الخبرة والتدريب من وزارة التربية ليقوم بواجبه بالشكل الأمثل؛ وبالتأكيد لا يمكن أن يكون هناك اختلاف في أداء المدرس في أي مكان يدرس فيه».
مما لا شك فيه أن المدرس المستقطب هو نفسه، أما عن الاختلاف في الأداء حسب المكان، فإن الواقع يشير إلى أن أداء المدرس في المدارس العامة يختلف عنه في المدارس الخاصة، كما يختلف خلال الدروس الخاصة.
وهنا لا نشير إلى شبهة سلبية مقصودة من قبل المدرسين، كما لا ننفي بعضها أحياناً، بقدر ما نشير إلى أهمية الحيز التفاعلي بين الحقوق والواجبات على مستوى الأداء.
فحيثما تكون الحقوق مصانة، فإن القيام بالواجبات ستكون نتائجها أفضل، والعملية التدريسية ليست استثناءً على ذلك، خاصة والجميع يعلم ويدرك بأن حقاً أساسياً من حقوق المدرسين، وهو حقهم بأجر عادل ومنصف يكفيهم شرور الحاجة والعوز، هو حق منقوص ومهدور بشكل كبير في ظل تدني الأجور الكبير، بالمقارنة مع متطلبات وضرورات الحياة، حالهم كحال جميع العاملين بأجر الذين يعانون من مغبة التباين الفج بين الحقوق والواجبات، وخاصة على مستوى حقهم بمتطلبات العيش الكريم.
لكن اللافت بالأحوال جميعها هو: تلك الجرعة من الدعاية المجانية غير المباشرة للتعليم الخاص على حساب التعليم العام وكوادره، والتسرب والاستنزاف والتسرب الجاري بعمقه.
أخيراً، يمكننا القول: إن حديث الوزير لم يكن خارج سياق الواقع، بل ربما هو تعبير مباشر عن جزءٍ من واقع العملية التعليمية، وخاصة على مستوى الاستنزاف المستمر للكوادر التدريسية من المدارس العامة إلى الخاصة، طبعاً مع تغييب الأسباب الحقيقية لهذا الاستنزاف، تهرباً من معالجتها وتبريراً للمزيد منها، بالإضافة لعدم التطرق لسلبياتها الآنية والمستقبلية على مجمل العملية التعليمية وأفقها، وارتباط كل ذلك بالمصلحة الوطنية بشكل مباشر وعميق، خاصة مع لحظ واقع التسرب الجاري من المدارس العامة، لأسباب عديدة ومتنوعة، أهمها الاضطرار للدروس الخصوصي، بظل عدم التمكن من تغطية تكاليفه الباهظة، بظل حال الافقار المعمم بنتيجة جملة السياسات الليبرالية المتبعة، والخصخصة، الظاهرة والمستترة، على قطاع التعليم بجميع مراحله.