طلاب الكليات الطبية.. فشل أم تفشيل؟
مشاكل الطلاب الجامعيين عديدة ومتنوعة، وهي ليست جديدة بجميع الأحوال، ولعل أهمها بالنسبة للطالب هو: غياب الكتاب الجامعي، الأمر الذي يدفع الطلاب اضطراراً للاعتماد على المحاضرات، والكراسات، وأسئلة الدورات المتوفرة في المكتبات.
هذه المشكلة العامة كانت انعكاساتها أكثر سلبية بالنسبة لطلاب الكليات الطبية في جامعة دمشق، وذلك لتشابكها وتراكبها مع بقية المشكلات التي تواجههم، حتى أصبحت مصدر إدانة لهم من قبل البعض من دكاترتهم وأساتذتهم الجامعيين، مع الأثر السلبي لذلك على أدائهم وتحصيلهم العلمي.
من التفوق إلى الفشل!
من المتعارف عليه، أن طلاب الكليات الطبية، يعتبروا من نخبة الطلاب المجتهدين والمتفوقين، الذين حازوا على علامات مرتفعة بنتيجة امتحانات الثانوية العامة بالفرع العلمي، وغالبية هؤلاء سبق أن تعودوا على تنسيق أوقاتهم، وترتيب أولوياتهم، وبذل جهودهم وحسن استثمارها، من أـجل تحصيل العلامات التي تؤهلهم لتحقيق طموحهم وحلمهم بإحدى الكليات الطبية.
لكن حسابات الحقل والبيدر بالنسبة لهؤلاء لم تكن حسب ما توقعوه بعد دخولهم الجامعة، بسبب أوجه المعاناة العديدة التي يواجهونها، وعلى مستويات عديدة ومختلفة، بحيث جعلت من بعضهم يشعرون بأنهم دون قيمة، بل وفاشلين حسب تقييمات بعض الدكاترة لهم!
أما كيف تحول هذا الطالب من مجتهد ومواظب وطموح، إلى فاشل أو دون قيمة داخل الجامعة فهو العجب العجاب!
رأي الطلاب
فيما يلي استعراض لآراء بعض طلاب الكليات الطبية، بعضها من صفحات التواصل الاجتماعي، عن مشاكلهم وهمومهم:
غالبيتنا سجلنا الطب والصيدلة عن حب وهواية، وليس فقط لأننا حصلنا على علامات مرتفعة بالثانوية، وبظل الوضع غير المثالي لن نستطيع أن نكون مثاليين، فكيف يلام الطالب وقد سلبت منه أحلامه؟.
لم نشعر بقيمتنا في الجامعة، لا من المعيدين المسؤولين عن مواد العملي، ولا من دكاترة المواد، الذين يطالبون بالحضور، وبالمقابل يمنعون طرح الأسئلة خلال المحاضرات، وحتى من قبل موظفي شؤون الطلاب غير المتجاوبين، والذين يتعاملون معنا بشكل سيئ.
منظومة التعليم فيها الكثير من الفجوات، والتعلم الذاتي غير متاح أمام غالبية الطلاب لأسباب كثيرة (الدوام الطويل_ أزمة المواصلات والساعات الطوال المضاعة فيها_ شبكة نت سيئة_ كهرباء غير مستقرة_ ...) وبالتالي تم الاعتياد على نمط التلقي، وضاعت الرغبة في البحث والتقصي والاستنتاج.
عندي 8 مواد منها 6 مواد عملي، يوم الأحد من الساعة 7 صباحاً وحتى5 مساءً نظري، بقية الأيام هناك 4 ساعات عملي يومياً، وكل مادة عملي فيها حفظ وتسميع وتجهيز ورسم ودفاتر، والنتيجة أننا بالكاد نستطيع استدراك مواد العملي، ولا يبقى وقت لدراسة النظري، إلا القليل.. ضغط كبير بحيث لا نتمكن من البحث عن مراجع للنظري ولا حتى وقت للراحة.
من حق الطالب أن يتوفر له مدرج مريح للحضور مع متمماته من تهوية وتكييف وتبريد، فالمدرجات سيئة من حيث التجهيزات، وإمكانات الجامعة ضعيفة على مستوى المخابر، والأدوات، والمدرجات، والعملي وغيره.
المناهج كبيرة وضخمة، فيها الكثير من الحشو بالمعلومات التفصيلية، الموضوع ليس بكم المعلومات بل بنوعيتها، والطلاب يسعون لتحصيل علامة النجاح فقط، أو مهمتهم أصبحت البصم لتحصيل علامات أعلى من أجل الاختصاص والباقي يترك.
بعض الكتب المقررة والمتوفرة عمرها 25 سنة، وهي تعتمد على مراجع علمية منذ القرن الماضي، دون مواكبة لمستجدات العلوم والأبحاث الجديدة.
اعتماد الدكاترة على السلايدات، وترك البقية المتبقية على عاتق الطالب، ومع عدم توفر كتب للمواد، يتوسع المجال أمام الاعتماد على المحاضرات المتوفرة في المكتبات.
لو توافرت المادة العلمية اللائقة بين أيدي الطلاب، لما لجأوا للمحاضرات والكراسات.
هناك ما يمكن تسميته ماراثون السلايدات خلال المحاضرات، فهل يعقل أن يمرر 80 سلايد خلال ساعة واحدة.
الدكتور الملتزم والمهتم بالطالب ومستقبله أصبح قطعاً نادراً.
لا يوجد تنظيم بين برامج العملي وبرامج النظري.
مندرس مندرس ومنتعب لنجيب علامة منيحة بالعملي، بس كل الجهود بتضيع، وما بتعرف وين بتروح العلامات.. فبتروح المنافسة وبيضيع الحماس.
الكتاب المقرر بوادي، والمحاضرات من خارج الكتاب، والسلايدات بوادٍ آخر، وأسئلة الامتحان سلامتك، وحلها إذا بتحلها.
استنتاجات
آراء الطلاب أعلاه، تعبر عن بعضٍ من همومهم ومشاكلهم فقط، وليس جميعها، كما توضح ما آل إليه حال هؤلاء من الإحساس بالعجز والفشل، بعد أن كان طموحهم مشروعاً، لما يمتلكونه من عوامل الاجتهاد والتفوق والجدية وحسن استثمار الإمكانات.
ومن جملة الآراء أعلاه، يمكن أن نستخلص الاستنتاجات التالية:
توجد فجوة كبيرة بين نموذج التعلم، خلال المرحلة الثانوية، والمرحلة الجامعية.
يوجد غياب للكتاب الجامعي، وعدم اعتماد مراجع علمية موحدة ومحددة وموثوقة رسمياً للمواد.
هناك فجوة بين الطالب والجامعة ودكتور المادة.
هناك فروق في أساليب أداء الدكاترة والأساتذة، مستقطب أو منفر على مستوى الحضور.
المنهاج المعتمد يعتبر كبيراً وكثيفاً.
هناك عدم تنسيق بين العملي والنظري، على مستوى البرامج، ينعكس سلباً على مصلحة الطالب.
هناك ضعف بالإمكانات المتوفرة في الجامعة على كافة المستويات.
الاعتماد على ما توفره المكتبات من محاضرات وكراسات، يعتبر بالنسبة للطلاب شر لا بد منه.
نموذج التعلم الذاتي، رغم أهميته، فرض على الطلاب، وكأنه قدر لا رادّ له.
فجوة كبيرة غير مرممة
مما لا شك فيه، أنه بعد 12 عاماً من الدراسة القائمة على الحفظ والتلقين غالباً خلال مرحلتي الدراسة الأساسية والثانوية، ستكون هناك فجوة كبيرة واجبة الترميم، من أجل المضي بأسلوب الدراسة القائم على البحث والاستقصاء، والاعتماد على نمط التعلم الذاتي، الذي فرض على الطلاب بسبب غياب الكتاب الجامعي، أو المرجع العلمي الموحد، المعتمد والموثوق رسمياً من قبل الجامعة والدكاترة المسؤولين عن كل مادة.
كما يوجد فارق كبير آخر، بين نمطي التعليم حسب البرامج المقررة، وبين الحصة الدرسية التي لا تتجاوز مدتها 45 دقيقة، وبين المحاضرة التي قد تطول لمدة تصل إلى 4 ساعات متواصلة، ناهيك عن جفاف المواد وعدم الاهتمام بأسلوب الجذب والتحريض على المشاركة، بل ومنعها في بعض الأحيان من قبل الدكاترة والأساتذة.
ومع إضافة عدم توفر التجهيزات اللوجستية اللازمة، من مدرجات ومخابر وأدوات ووسائل إيضاح وغيرها، وتضافرها مع الظروف الحالية المرتبطة بالواقع المعيشي والخدمي، على مستوى النقل والمواصلات والكهرباء والنت والمصاريف وغيرها، يصبح الحضور بالنسبة للطالب عبئاً كبيراً، وخاصة لمواد النظري، كما وتصبح المحاضرات المطبوعة والكراسات المتوفرة في المكتبات هي البديل المتاح أمامه، عسى يستطيع مع بذل الكثير من الجهود أن يحقق حلمه وطموحه.
بعض حلول!
النتيجة، أنه لا حل حسب رأي غالبية الطلاب، إلا بأن يتم اعتماد كتب علمية حديثة وموثوقة ومتكاملة، سواء من تأليف الدكاترة لكل مادة وهو الأفضل، أو باعتمادها من وزارة التعليم العالي، على أن يتم الالتزام بمضمونها من قبل الدكاترة، مع اقتران ذلك بقائمة مراجع علمية معتمدة رسمياً لكل مادة، من أجل حسن سير عملية التعلم الذاتي المعتمدة على البحث والاستقصاء والاستنتاج.
بالإضافة لذلك، لا بد من استكمال وترميم النواقص اللوجستية المتممة للعملية التعليمية، وخاصة بجانبها العملي، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة فسح المجال أمام الطلاب للمناقشة والاستفسار، خلال محاضرات النظري، مع عدم إغفال أهمية أن يكون البرنامج المعتمد للمحاضرات (نظري_ عملي) مريحاً وغير مضغوط بما يحقق الغاية منه بالنسبة للطلاب، وهي: الحصول على المعلومة العلمية، بغض النظر عن موضوعة الامتحانات والتقييم والعلامات.
وإلا فلا عجب أن يتحول الطالب من الشغف والرغبة والطموح والإمكانات والاجتهاد، إلى اليأس والإحباط والفشل والتهميش!
تعديل السياسات ضرورة
إذا كان ما سبق، يعتبر جزءاً من إعادة هيكلة، فإنه مما لا شك فيه أن جملة السياسة التعليمية المتبعة أصبحت بحاجة لإعادة هيكلة كلّية وجامعة، بمراحلها كافة، وعلى مستوياتها كافة، كمدخلات ومخرجات، وآفاق مرجوة ومرتبطة بالواقع الاقتصادي الاجتماعي، والمصلحة الوطنية عموماً.
بمعنىً آخر أكثر مباشرة ووضوحاً، يمكننا القول: إن السياسات التعليمية المتعبة، كجزء من السياسات الليبرالية المعتمدة، والممارسة حكومياً، بشكل عام وعلى المستويات كافة، هي المسؤولة أولاً وآخراً عن حال الطلاب ومآلهم، وهي سياسة تفشيل يتم تجييرها وتحميل مسؤوليتها للطالب، كي يعتبر نفسه بالمحصلة هو الفاشل، وغير القادر على متابعة التحصيل العلمي، أو يُنظر إليه على هذا الأساس، وعلى ذلك، فإن تعديل السياسات عامة، والتعليمية خاصة، يصبح ضرورة مرتبطة بالحاضر والمستقبل، لما يمثله الطلاب من بوابة عبور نحو المستقبل الوطني المأمول، وهو ضرورة وطنية على هذا الأساس.