الحكومة ومنّة التقسيط
سمر علوان سمر علوان

الحكومة ومنّة التقسيط

أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مؤخراً، أنه بات في وسع العاملين في الدولة، ممن يتقاضون أجورهم من المصرفين التجاري والعقاري، شراء مختلف السلع بأقساط شهرية من صالات المؤسسة السورية للتجارة، وذلك بقيمة إجمالية تصل إلى خمسمئة ألف ليرة سورية.

وعقّب الوزير على ذلك، بأنه يأتي ضمن إطار الإجراءات المتخذة لتخفيف الأعباء على ذوي الدخل المحدود، وينبع من حرص الوزارة على تقديم أفضل الخدمات والتسهيلات، بما يؤمن احتياجات المواطنين من صالات ومنافذ بيع المؤسسة السورية للتجارة، بأقساط تتناسب قيمتها مع دخلهم.
وقد بدأ العمل بهذا القرار مع مطلع الشهر الثالث، حيث أصبح من الممكن شراء مختلف السلع الموجودة في هذه الصالات، بتقسيط يمكن أن يمتد حتى خمس سنوات، بعد ملء استمارة مخصصة لهذا الغرض.
حاسبينها صح..!
بعيداً عن الكلام المبهرج، والخطب البراقة، حول مصلحة المواطن وخدمة ذوي الدخل المحدود، يكفي أن تلقي نظرة سريعة على أسعار السلع في هذه المؤسسات، لتدرك أن آخر ما يهم التجار مدى قدرة موظف الدولة على الدفع.
فالمنتجات التي تقبع في صالات المؤسسة السورية للتجارة ترجع معظمها إلى ملكية القطاع الخاص، المعروف بنهمه حين يتعلق الأمر بتكديس الأرباح، إذ يتقاضى هامشاً مرتفعاً من الربح على السلع المباعة في الصالات، وبدورها تتقاضى هذه الصالات أيضاً نسبة من الربح يتحملها جيب الموظف «الطفران» أصلاً، وتأتي نسبة الأرباح التي سيتم تقاضيها على السلع المباعة بالتقسيط لتضيف حملاً جديداً على كاهل العامل، الذي يجد نفسه في نهاية المطاف قد قدم من دخله الهزيل، ولثلاث مرات متتالية، أرباحاً تُساق إلى جيوب أصحاب الأموال، وفوق ذلك كله محملاً بـ «منّية» الوزارة التي «لا تدخر جهداً لتخفيف الأعباء على ذوي الدخل المحدود»!.
كُل والبس بالتقسيط!
تصريحات الوزارة أشارت إلى أن البيع بالتقسيط يغطي مختلف الأدوات الكهربائية والألبسة والمواد الغذائية والاستهلاكية، فإذا كنا لا نختلف على أن الدخل المتواضع الذي يتقاضاه الموظف لا يسعفه لشراء السلع المعمرة، كالأدوات الكهربائية والمفروشات، فإن الغريب في الأمر أن يصل الأمر إلى الحديث عن السماح بتقسيط السلع الغذائية والألبسة، وما يحمله ذلك من اعتراف من قبل الحكومة بمستوى التجويع والفقر الذي وصل إليه حال موظفيها، كما لو كانت تقول لنا صراحة: «نعلم أن المواطن قد وصل إلى المرحلة التي يضطر فيها لأن يقترض من الحكومة، وبالفوائد العالية، ليحصل على ما يأكله أو يلبسه، وها نحن ذا، وبما أننا نعرف أنه لا حول له ولا قوة، فليس علينا إلا أن نستغل هذه الحاجة لنقترح عليه أن نقسط طعامه، بالطريقة نفسها التي تقسط بها السلع الكهربائية، مثلا».
الآن عزيزي المواطن، تقول لك الحكومة بكل فخر: أنه بات في وسعك أن تشتري (العدس والبرغل والمعكرونة و..) كما لو أنك تشتري ثلاجة أو غسالة بالتقسيط.
ولكن وخلافاً للثلاجة، التي قد تشتريها لمرة واحدة وترتاح من أقساطها فيما بعد، فإنك لن تتوقف عن شراء الطعام واللباس وسائر السلع الاستهلاكية، ما يعني بقاءك رهناً للأقساط إلى ما لا نهاية!.
«في الماء العكر»
إن هذا الحل العاجز الذي تقدمه الحكومة لأصحاب الدخل المحدود، ما هو إلا علامة أخرى لفشل السياسات الليبرالية التي تبنتها حكوماتنا حتى اليوم، وهي تخدم التصريحات الحكومية القائلة باستحالة إمكانية رفع الأجور بحجة ما قد يتسبب به ذلك من تضخم، رغم أن الحكومة أعرف العارفين بأن رفع الأجور ينبغي أن يكون على حساب خفض الأرباح، التي يكدسها حيتان السوق، وهو ما لا يقود إلى مزيد من التضخم، وإنما إلى حيز بسيط من العدالة الاجتماعية، التي نحن بأمس الحاجة إليها في هذه المرحلة العصيبة.
واقع يذكرنا بقصة الموظف السوري، الذي سُئل ذات يوم عما إذا كان يريد الهجرة خارج البلاد، فأجاب قائلاً: «ما بقدر سافر.. ورايي حكومة لازم أصرف عليها»!.