اجتماع لنكء الجروح!
طغى على الاجتماع النوعي، الذي ضم رئيس مجلس الوزراء مع المحافظين، منتصف الشهر الحالي في مبنى وزارة الإدارة المحلية والبيئة، الحديث عن الاستثمار والمشاريع الاستثمارية.
وخلال الاجتماع، تم الحديث عن القضايا الخدمية، وعن تطوير الواقع التنموي، والزراعات الأسرية والثروة الحيوانية، والمحافظة على ممتلكات المواطنين، وتأمين مستلزمات عودة الناس المهجرين إلى مناطقهم، وغيرها من العناوين المتشعبة الأخرى.
طغيان الاستثمار
وحسب وكالة سانا، فقد «خلص الاجتماع النوعي إلى تشكيل لجنتين في كل محافظة، لتوصيف واقع المشاريع الاستثمارية والمباني السكنية، التي لم تستكمل، واقتراح ما يلزم بشأن إعادة تفعيلها، وتقديم التسهيلات اللازمة لاستقطاب الاستثمارات، وتوفير البيئة المشجعة لها».
وخلال الاجتماع، «كلف رئيس الحكومة المحافظين وضع خارطة تنموية لكل وحدة إدارية، وتجميعها ضمن خارطة استراتيجية شاملة على مستوى المحافظة، لجهة تحصيل أفضل عائدات من استثمار أملاكها، ومعالجة ملف المخالفات السكنية بشكل نهائي، ومنع إقامة أية مخالفات سكنية جديدة ووضع مقترحات لمخططات تنظيمية جديدة، تراعي خصوصية كل محافظة، مع الحفاظ على المناطق الزراعية، وعدم التوسع على حسابها».
ليس ذلك فقط بل «وتقديم مديري الحدائق توصيفاً لآليات استثمار الحدائق في كل محافظة، والجدوى الاقتصادية منها، لاتخاذ ما يلزم لتحسين العائد الاستثماري منها».
إطلاق أيدي الاستثمار رسمياً؟
كأن المحافظات، أو الوحدات الإدارية التابعة لها، كانت قد وفرت شيئاً بعيداً عن الاستثمار، أو عن أيدي المستثمرين خلال السنوات الماضية، ليأتي التكليف الرسمي الحالي، على شكل إطلاق الأيدي رسمياً من أجل المزيد من الاستثمارات، تحت غلاف البحث عن أفضل العائدات، على مستوى الأملاك والحدائق وغيرها، مع تقديم التسهيلات اللازمة لهذه الاستثمارات واستقطاب المزيد منها عبر تشجيعها.
جروح غائرة
الحديث عن الحفاظ على المناطق الزراعية، وعدم التوسع على حسابها، هو حديث لا ندري كيف من الممكن توصيفه في ظل كل ما جرى ويجري من طغيان على حساب هذه الأراضي، بغاية التربح طيلة عقود وسنين، ولنا بمحافظة دمشق المثال الفاقع، على عدم التقيد بهذا الشأن تاريخياً، بدءاً بمنطقة كيوان وأرض المعرض القديم التي أصبحت جرداء قاحلة، وصولاً إلى شرقي ركن الدين «البارك الشرقي» وتغلغل الكتل الإسمنتية فيه، وليس انتهاءً بالحدائق كافة داخل المدينة، التي بدأ يأكلها الاستثمار والمستثمرون، وربما حال بقية المحافظات ليس بأفضل من حال دمشق على هذا المستوى، وخاصة محافظة ريف دمشق التي تراجعت غوطتاها، خلال العقود الماضية لدرجة القضاء عليها تقريباً.
يُكمل ذلك، الحديث عن المخالفات السكنية، ومنع إقامة أي جديد منها، في ظل كل ما جرى ويجري في هذا الملف على مستوى القطر، من مخالفات مستمرة على أعين أولي الأمر والمسؤولين.
ولعل الأهم من ذلك، هو: أن يترافق المنع المزمع والمعلن للمخالفات السكنية، مع خطة حكومية رسمية لقطاع السكن والإسكان، فالغياب الرسمي لدور الدولة عن هذا الملف طيلة العقود الماضية، كان هو السبب الأساس والرئيس لتغوّل المخالفات وتوسعها، والتي كانت كذلك الأمر فرصة كبيرة أمام تجار العقارات والسماسرة والفاسدين، لجني الأرباح والمزيد منها، على حساب حاجات الناس والمواطنين.
أما عن تأمين مستلزمات عودة الناس المهجرين إلى مناطقهم، فهو من الجروح الغائرة المستحدثة، فهؤلاء جميعهم ينتظرون تأمين هذه المستلزمات، لكن واقع الحال يقول: إن الكثير من الإجراءات الرسمية تحول دون ذلك، اعتباراً من التعويضات وملفها المعقد والمتشابك، مروراً بما سُرق وعُفش من ممتلكات هؤلاء، وليس انتهاءً بالموافقات التي يحتاج إليها البعض من «الجهات المختصة»، والتي تطول وتطول وتطول.
المختصر المفيد من الاجتماع أعلاه، أنه لم يكن إلا نكأً لبعض الجروح الغائرة التي عانى ويعاني منها المواطن، في ظل استمرار هذا الشكل من الكلام غير المجمرك، على مبدأ «الحكي ببلاش»، باستثناء ما سيتم جنيه من أرباح، تحت يافطات البحث عن العائدات، والمزيد من تشجيع الاستثمار على حساب المواطن.