حرب معلنة ومفتوحة وسننتصر
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

حرب معلنة ومفتوحة وسننتصر

سنون وعقود من العمل المضني والمتتابع حكومياً، مع الكثير من المواربة بين التصريح والتلميح، استطاعت الحكومة الحالية أخيراً أن تتجاوز الخطوط الحمر كلها، معلنةً بدءها بعمليات دفن بعض شركات قطاع الدولة بذريعة الخسارة، وربما دون مراسم أو حفلات تأبين.




«إيقاف الشركات الخاسرة» ثلاثة كلمات فقط هي ما جادت به قريحة حكومتنا العتيدة كنتيجة لسنين من مساعي التقويض لعمل هذه الشركات، وكتتويج للنهج الليبرالي، على مستوى السياسات المتبعة تجاه الشركات العامة المنتجة، المتبع من الحكومات المتعاقبة منذ عقود.

إنجاز وتشفي!
لقد طلب مجلس الوزراء بتاريخ 17/10/2017، من وزارتي الصناعة والأشغال العامة والإسكان، إيقاف الشركات الخاسرة والتركيز على تعزيز دور الشركات الرابحة، بما يتناسب مع توجه الحكومة لتنشيط العملية الإنتاجية.
وكأن العبارة المختصرة أعلاه، المختفية برداء العلن الواضح، وبهذا الشكل الذي ظهرت فيه خلال عدد محدود من السطور، تحمل معنى الإنجاز الموارب كما تحمل معنى التشفي، بعد سنين من مكابدة الاستمهال باتخاذ هذه الخطوة من قبل الحكومات الليبرالية السابقة كلها.

اعتراف رسمي بالتخسير
في الاجتماع الأسبوعي للحكومة بتاريخ 28/4/2015 طلب رئيس مجلس الوزراء، الحلقي في حينه، من وزيري الصناعة والاقتصاد والتجارة الخارجية تأمين متطلبات الصناعة الوطنية كلها، وحمايتها وإعادة تقييم الشركات الخاسرة والمخسرة كي تنهض بمسؤولياتها.
وفي الاجتماع الأسبوعي للحكومة «الحالية» بتاريخ 27/9/2016 أقر مجلس الوزراء خطة وزارة الصناعة لتنشيط القطاع الصناعي العام والخاص، التي تضمنت دعم الشركات الحدّية لزيادة طاقتها الإنتاجية بهدف تحويلها إلى شركات رابحة والاستفادة من العمالة الموجودة في الشركات الخاسرة والمخسرة، من خلال إعادة تأهيل هذه العمالة وتدريبها على القيام بالعمل الصناعي.
في الاجتماعين كليهما، ولحكومتين متعاقبتين بما فيها الحكومة الحالية، جرى الحديث عن شركات مخسرة، دون أي إجراء عملي ينقذ هذه الشركات من استمرار خساراتها، وكذلك كان حال الحكومات السابقة جميعها.

وصمة على جبين الحكومة
على الرغم من التوجه الليبرالي للحكومات المتعاقبة منذ عقود، وعلى الرغم من عدم تقديم يد العون الحقيقية للشركات المنتجة من أجل استنهاضها وتذليل صعوباتها، وربما لجأت لعميات الدمج، أو تعديل المهام، أو تركتها للنزاع والموت السريري دون أي مسعى لإعادة الحياة إليها، إلا أنها جميعاً لم تصل لحد الإيقاف والتصفية والنعي دون عزاء، كما قامت به الحكومة الحالية!.
فهل هي جرأة لم يسبقها إليها أحد؟.
أم أنها خضعت لضغوط السباق مع الزمن بالمقارنة مع ما هو مطلوب إنجازه ليبرالياً؟.
في الحالتين لقد سُجلت على الحكومة الحالية وصمة، بأنها ضربت عرض الحائط بالخطوط الحمر، وبمصلحة العاملين، وبما أقرته من برامج، وبالمصلحة الوطنية بالنتيجة المطلقة.

قبح غير قابل للتجميل
العبارات الأخرى المدرجة في متن سطور النعي أعلاه، والتي تتحدث عن الشركات الرابحة، والعملية الإنتاجية، فهي ليست أكثر من محاولات حشوٍ مصطنعٍ وغير ناجحٍ لتجميل القبح المستعصي على الجمال والتجميل، والمتمثل بهذا النهج الليبرالي الذي كشّر عن أنيابه وبانت نواجذه.
فلا تساؤل بعد الأن عن المصلحة من القرارات والتوجهات الحكومية، فقد بات واضحاً وأكثر جلاءً بأنه لمصلحة كبار الحيتان من أصحاب رؤوس الأموال والفاسدين، والذين أثبتوا عداءهم مع مصالح الشعب والوطن أكثر من مرة، كما ثبتت محاباة الحكومات المتعاقبة لمصالحهم، وتوجتها الحكومة العتيدة الآن بهذا القرار الجائر، وما تخفيه ربما كان أعظم على مستوى تقويض ما يمكن تقويضه أيضاً من منشآت وشركات للدولة، وخاصة الإنتاجية منها، أو ذات الطابع السيادي.

استنهاض القوى؟
أيدي العابثين وأنيابهم تكاثرت وتكالبت علينا من كل حدبٍ وصوبٍ، وربما عامل الزمن أصبح عبئاً مضافاً على كاهلنا كذلك الأمر.
والحال كذلك، وفي ظل هذا النمط من التوحش الليبرالي المتوغل في عمق حياتنا والمستطيل وصولاً إلى مستقبلنا، يبدو أنه لا بد من شحذ هممنا بما يوازي تسارع الإجراءات المتخذة رسمياً وبشكل غير رسمي، من أجل الدفاع عن حقوقنا وملكياتنا قبل استكمال استنزافها واستنزافنا.
فالحكومة بتوجهها المعلن الأخير، لم تعد تخفي حربها المفتوحة علينا بالتعاون مع كبار التجار والفاسدين، داخلاً وخارجاً، ولمصلحتهم، خاصة وأننا على أبواب مرحلة إعادة الإعمار، وما تتطلبه وتفرضه من مشاريع كبيرة وعملاقة ضرورية وهامة، وما سيتمخض عنها من نتائج آنية ومستقبلية على حياتنا ومعيشتنا، على المستويات كافة.
بالتالي: يبدو لزاماً على الشعب المفقر والمستغل، عمالاً وفلاحين ومحدودي الدخل والمفقرين، مع نقاباتهم واتحاداتهم ومنظماتهم، بالتعاون والتنسيق مع القوى الوطنية كلها، أن يستنهض قواه من أجل وضع الحدود اللازمة والكافية أمام استمرار هذه السياسات ومن خلفها، واستعادة الحقوق والمكتسبات التي تم استلابها تباعاً، والمضي باتجاه تحصيل حقوق ومكتسبات إضافية، وفقاً لما أجازته القوانين وحصنه الدستور، فالشعب لا يُهزم، وإن تأخر انتصاره.

معلومات إضافية

العدد رقم:
833