أيها المسحوقون انتبهوا من «الحكي» الحكومي!

أيها المسحوقون انتبهوا من «الحكي» الحكومي!

ففي الجلسة المنعقدة لمجلس الوزراء، بتاريخ 19/2/2017، «طلب المجلس من الوزارات كافة رفع مستوى التنسيق مع النقابات والاتحادات المهنية والمنظمات الأهلية، كل حسب اختصاصه، لتكون ذراعاً مكملاً لعمل الحكومة، ووضع تصور للنهوض بواقع عمل هذه المنظمات وتطوير آلية عملها لتكون فاعلة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولتحقيق مطالب المنتسبين إليها برفع مستوى الخدمات المقدمة لهم في مختلف المجالات»!.

 

 

لن نمر مرور الكرام على هذه السطور القليلة، بل سنغوص في عمقها، وما بين سطورها من رسائل، البعض منها جلي وواضح، والبعض الآخر بحاجة لتأويل وتفسير، مع إظهار بعض الحقائق المغيبة عمداً.

الرسالة الأولى.. 

ليست جهلاً بل تجاهل!

الطلب الحكومي أعلاه يظهر عبره رسالةً مفادها: أن الحكومة ليست على اطّلاع وافٍ بواقع النقابات والاتحادات المهنية والمنظمات الأهلية، كما لم يصل سابقاً لأسماعها معاناة المنتسبين لهذه القطاعات والصعوبات التي تعترض عملهم ومطالبهم العديدة المحقة، والتي ملوا من كثرة تكرارها منذ عقود، سواء بالشكل المكتوب عبر المذكرات والكتب الرسمية الموجهة للحكومة، بوزاراتها المختلفة، أو عبر المؤتمرات السنوية التي يتم انعقادها بحضور الحكومة وممثليها غالباً، أو عبر المنابر الإعلامية بأشكالها كافة، المقروءة والمسموعة والمرئية، والتي تكاد لا تخلو أيةٌ منها من المطالبات المكرورة للمنتسبين لهذه القطاعات وبشكل يومي، بل ولحظي، بظل التطور التقني الحاصل.

الرسالة الثانية.. أنتم قاصرون!!

كما أن الطلب الحكومي أعلاه يتضمن رسالةً مفادها: إظهار هذه النقابات والاتحادات والمنظمات، وكأنها قاصرة عن تطوير عملها، أو غير قادرة على القيام بهذه المهمة، علماً أن هذا الأمر، سبق وأن عكفت عليه هذه القطاعات كلها، وما زالت، وتقدمت بالعديد من الدراسات العلمية والمشفوعة بالأرقام والإحصاءات، بغاية تطوير بناها التشريعية وأنظمتها الداخلية وصناديقها، وغيرها من التبويبات الأخرى، التي تحقق بعضاً من مصالح منتسبيها وتؤمن لهم بعضاً من حقوقهم المهدورة، ولكنها ربما هي عاجزة فعلاً عن القيام بهذا التطوير بشكله التنفيذي النهائي منفردةً، كون الكثير من هذه الدراسات تحتاج إلى قرار حكومي، لم يتم اتخاذه غالباً لعدم توافقه مع التوجهات الحكومية نفسها، التي لم تَعِرْ هذه القطاعات أي اهتمام، ولا للمنتسبين إليها ولا لمطالبهم.

الرسالة الثالثة.. إنكار الأهمية!!

الرسالة الأسوأ على الإطلاق بمضمون الطلب أعلاه مفادها إظهار هذه القطاعات الحيوية والهامة، وكأنها غير فاعلة في عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية، وما تحتاجه من أجل ذلك هو ذاك «التصور الحكومي» كي تنهض بأعمالها على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي هذا ليس غبناً لدور هذه القطاعات، بل إجحافاً حقيقياً لدورها، والأسوأ هو نكران هذا الدور وأهميته الفعلية من قبل الحكومة، خاصةً وقد ظهرت تلك الأهمية بشكلها الأوضح والأعمق خلال الأزمة الراهنة، فلولا تعمّق وتجذّر هذه القطاعات بدورها وعملها على المستوى الاقتصادي الاجتماعي لكانت النتائج الكارثية الحالية أكثر كارثيةً بما لا يقاس، وتحديداً في ظل استمرار الحكومة بسياساتها الليبرالية التي أضرت بمصالح المنتمين لهذه القطاعات، وبالشرائح الاجتماعية كافة، وزادتهم فقراً وعوزاً وحاجة، كما أضرت بمجمل البنية الاقتصادية الاجتماعية على المستوى الوطني، وما زالت.

الرسالة الرابعة.. «الحكومة مفضلة ع راسكم»!

مجمل الرسائل أعلاه تتضمن رسالةً رابعة بين السطور مفادها أن الحكومة هي الحريص الأكبر على تلك القطاعات، بنقاباتها ومنظماتها وهيئاتها، وعلى مصالح منتسبيها وحقوقهم والخدمات المقدمة لهم عبر تلك الهيئات القطاعية، وكأنها الراع الحقيقي لتلك المصالح، رغم كل الوقائع التي تثبت العكس من ذلك.

الرسالة الحقيقية.. 

كونوا ضد مصالحكم!

المطلوب من قبل الحكومة كان واضحاً وضوح الشمس، وهو أن تصبح هذه القطاعات بهيئاتها ونقاباتها ومنتسبيها «ذراعاً مكملاً لعمل الحكومة»، وهنا الطامة الكبرى، بظل السياسات الليبرالية المستمرة للحكومة، والمشرعنة لعمل قطاعات النهب الواسعة، وكأن الحكومة تريد أن يكون منتسبو هذه القطاعات متبنين ومروجين لسياسات النهب الاقتصادي الاجتماعي القائمة، أي أن يكونوا عملياً وبالنتيجة ضد مصالحهم، وهو المطلوب!.

رسالتنا.. نحن المسحوقين!

ربما تعترض الصعوبات أعمال النقابات والاتحادات المهنية والمنظمات الأهلية وغيرها، على المستوى الإداري والتنظيمي والمالي، بظل غلبة الفساد في بعص مفاصل عمل هذه القطاعات، وتغوّل البيروقراطية بآليات عملها المتراكمة، على مدى سنين طويلة، وبظل الإهمال الحكومي المتعمد للمطالب المحقة والمشروعة لهذه القطاعات ومنتسبيها، وبظل الاستمرار بالسياسات الحكومية الليبرالية القائمة على استنزاف خيرات ومقدرات هذه القطاعات تباعاً ومنذ عقود، بغاية إضعافها وتقليص دورها، وربما إنهائها إن أمكن، ولكنها مما زالت متماسكةً ومترابطةً ومنظمةً ومنتظمةً وتقوم بمهامها، وخاصةً على مستوى منتسبيها القاعديين، من عمال وفلاحين وحرفيين ومعلمين ومهندسين وأطباء وصيادلة وغيرهم الكثير.

ولعل الأولى على الحكومة أن تعدل سياساتها، أولاً: عبر القطع مع الليبرالية الاقتصادية الاجتماعية، وكوارثها التي يدفع ضريبتها الوطن والمواطن بآن معاً، وخاصةً الشرائح الاجتماعية المنتمية لهذه القطاعات التي تتباكى عليها وهي بالواقع العملي تزيدها بؤساً ومرارةً وشقاءً، وأن تخرج ما لديها من دراسات ومذكرات وكتب ومشاريع، سبق وأن أعدتها هذه القطاعات، ثانياً: إلى نور الشمس لتجد طريقها إلى التنفيذ بما يحقق مصالح المنتسبين لهذه القطاعات بشكل فعلي وملموس، والأهم هو: إلغاء هذا النمط من التذاكي بتغليف السم بالدسم عبر التلاعب بالكلمات والمفردات وتصدير الكلام والوعود.

والأهم من هذا وذاك، هو: أن يفسح المجال أمام الشرائح الواسعة للمنتسبين إلى هذه القطاعات بممارسة ديمقراطيتها الحقيقية، المصانة دستوراً وقانوناً، عبر نقاباتها واتحاداتها وهيئاتها، من أجل الدفاع عن حقوقها وتأمين سبل تحقيقها وتوسيعها وتعميقها.

فقد مللنا - نحن المسحوقين - من تلك الألاعيب التي باتت مكشوفةً وفاقعةً.

هلّا سمعتم الآن، لن نكون ضد مصالحنا في ركب سياساتكم، ولن نكون ذراعاً يحمل معكم مِعْول هدم ما نبنيه وننجزه!!.

فهل سيبقى الإنكار والإجحاف وإغفال الدور والحقوق سيداً ومتسيداً لديكم؟!!.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
799