نفايات تهدد المياه الجوفية بدمشق منذ 3 سنوات بحجة «الحل الإسعافي»!
كُشف عن الدراسة بعد 3 سنوات من إنجازها. لم تخرج للعلن حينها، ولم يتم تداولها إعلامياً، بينما أُرسلت نسخة منها إلى محافظة دمشق، التي وعدت بالحل، بحسب أحد القائمين على «دراسة الانبعاثات الغازية الناجمة عن مكب النفايات الصلبة، في مقلب وادي السفيرة بدمشق، وآثارها البيئية» عام 2013.
خلال أزمة المياه الحالية التي تعيشها دمشق، ووعود المحافظة بتأمين مصادر بديلة وآمنة عبر الآبار، وخاصةً للمناطق التي لم تحصل حتى اليوم على مياه خطة الطوارئ، كشف معدّو الدراسة المذكورة أعلاه، عمّا توصلوا إليه، بعد ملاحظة أحدهم، البدء بحفر آبار للمياه حول مكب النفايات، ما قد يكون مؤشراً لقيام الكارثة.
هل حُفِرت الآبار؟
رئيس مخبر البيئة بالمعهد العالي للعلوم التطبيقية، (تمام درويش)، أكّد: أنه فعلاً شاهد بعينيه البدء بحفر آبار قرب مكب نفايات وادي السفيرة، دون أن يعلم إن وُضِعت في الخدمة أم لا، وعند ربط حديثه مع تصريحات مدير مؤسسة المياه محمد الشياح، نهاية العام الماضي عندما قال: إنه «تم البدء بحفر الآبار في قاسيون وركن الدين وبالقرب من مركز البحوث العلمية»، يتبين فعلاً حجم المشكلة.
المشكلة التي يحذّر منها درويش، هي: أن «الرشاحة والسوائل الناتجة عن النفايات المطمورة تتجه من خلال التربة نحو المياه الجوفية، مما يشكل خطورة تسممها، لذا يفترض أن تكون الطبقة السفلى لمكان طمر النفايات مبطنةً بشكل جيد، مع وجود أقنية تقوم بجمع الرشاحة وتحويلها إلى محطة للمعالجة».
غير مطابقةٍ للمعايير
محافظة دمشق، لم تأخذ قضية معالجة رشاحة النفايات، على محمل الجد، وقامت بإجراءات غير كافية للحد من تسربها إلى المياه الجوفية، حيث قال مدير معالجات النفايات الصلبة لمحافظة دمشق وريفها موريس حداد: إنه «تم إنشاء حفر سطحية، لتجميع الرشاحة الناجمة عن تجمع القمامة ثم إعادة ضخها لتبخيرها مرة أخرى»، وهذا ما وجد فيه درويش إجراءً غيرَ كافٍ وفقاً للمعايير العالمية والصحية.
ورغم نفي حداد وجود أية حفر للآبار بالقرب من المكب، إلا أن درويش أكد مشاهدتها، وتصريحات المحافظة، تثبت ذلك بشكل غير مباشر، ما قد يشير إلى سوء في التنسيق بين الأطراف الحكومية بمثل هذه القضايا الحساسة، حيث أكد موريس حداد عدم إعلامه بحفر أيةَ آبار هناك من قبل مؤسسة المياه.
إسعافي منذ 3 سنوات!
حجة محافظة دمشق، هي: أنّ «مكب وادي سفيرة حلٌّ اسعافيٌّ، اتخذ قرار به منذ 3 سنوات، نتيجة سخونة الأحداث في ريف دمشق، التي حالت دون نقل القمامة خارج المدينة»، لكنَّ الوضع تغير، والمكب مازال قائماً، وبحسب تأكيدات المشرف العام على مجمع خدمات دمشق عماد العلي، فإن المحافظة تستخدم 2 دونم من المكب لطمر حوالي 700 – 1000 طن من النفايات يومياً، ما يعني ثلث نفايات دمشق اليومية تقريباً، المقدرة بـ 3000 طن.
تلك النفايات كلّها تتراكم في المكب الذي أنشئ على مجرى السيل، بحسب د. يُمن الأتاسي وهي من معدي الدراسة، ودكتورة في المعهد العالي للعلوم التطبيقية، حيث قالت: «المكب يقع في منطقة مجرى السيل بوادي السفيرة، ما يجعله خطيراً على المياه الجوفية، لذا نحتاج لفحص ودراسة المياه، لمعرفة إذا ما كانت الرشاحة قد وصلت للمياه الجوفية أم لا، والتخطيط لطريقة تحمي المياه من التلوث، بحال عدم وصول الملوثات إليها».
وأشارت الأتاسي إلى كارثة قد تحدث لاحقاً، نتيجة مكان المكب وتكديس النفايات شاقولياً، وقالت «تجميع النفايات بشكل شاقولي شوه صورة دمشق، عدا عن أنّ هذا التجمع مهددٌ بالانجراف عبر السيول، ما يشكل خطراً على سكان المنطقة».
يعترف مدير معالجات النفايات الصلبة، في محافظة دمشق وريفها، موريس حداد: أن «مكب النفايات في وادي السفيرة هو أمر واقع، كونه إسعافياً، وليس مكاناً صالحاً للعمل الفعلي»، وبدوره أشار المشرف العام على مجمع خدمات دمشق، عماد العلي، إلى أن المحافظة قدمت عدة مقتراحات، لمكبات بديلة لكن وزارة المياه رفضت لقربها من المياه الجوفية، على حد تعبيره، ما يجعل قضية المكب معلقةً وخطورته قائمةً إلى اليوم.
حديث حداد، الذي لم يعترف أصلاً بوجود آبار قرب مكب وادي السفيرة، لا يشفع للمحافظة اختيار هذا المكان، دون دراسة بيئية مسبقة، ولو كان حلاً إسعافياً، فقد باتت معالجة القضية اليوم أصعب من السابق، وأثر التلوث قد يحتاج إلى سنوات ليذهب في حال نقل المكب.
ما ذكر أعلاه كله ذكر ضمن تصريحات إذاعية، بينما حصلت «قاسيون» على نسخة من الدراسة المعنونة بـ «الانبعاثات الغازية الناجمة عن مكب النفايات الصلبة في مقلب وادي السفيرة بدمشق، وآثارها البيئية»، والتي أعدها كل من «د. يمن الأتاسي، د. هالة سرحان، د. تمام درويش» من المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجية.
لا يحقق أدنى الشروط!
أبرز ما جاء في الدراسة، حول تلوث المياه الجوفية أن: «المكب موضوع الدراسة، هو في مجرى وادٍ انهدامي، تصب فيه الأمطار والسيول، ومن ثم فإن تأثير الملوثات على كل من المياه السطحية والجوفية والتربة، أمر ليس بالمهمل، إذ كان ينبغي أخذ الحيطة والحذر، عند البحث عن موقع للمكب، من حيث ضرورة القيام بدراسة للبنية الجيولوجية المكونة للتربة ومدى استقرارها وكتامتها، والمعالجة المسبقة لمنطقة المكب وتبطينها، لمنع تسرب رشاحة المخلفات ذات التأثير السُّمّي العالي»، وقد ذكر الباحثون أسماء عشرات الجراثيم والسموم الكيميائية، التي قد تسبب أمراضاً خطيرةً مثلَ السرطان.
وخَلُصت الدراسة إلى نتائج ومقترحاتٍ، استناداً إلى المعايير الناظمة لمكبات النفايات حول العالم، والتي تؤكد: أن مكب وادي السفيرة لا يحقق حتى الحد الأدنى من معايير السلامة والأمان بسبب:
1 – المسافة القصيرة بين المكب والتجمعات السكنية.
2 – الموقع المرتفع للمكب في الأعالي، وما ينفثه من غازات مؤذية، أثقل من الهواء بحيث تتركز في الأسفل عند التجمعات السكنية.
3 – الحرق المتعمد، أو غير المتعمد في العراء، يشكل كميات هائلة من «الديوكسنات والفورانات».
4 – الظروف الجيولوجية (واد انهدامي).
5 – الظروف الهيدروجيولوجية .
6 – أخطار السيول والانزلاقات، التي تؤدي لتلوث المياه الجوفية والسطحية والتربة.
أما المقترحات فهي:
نشر ثقافة التخفيف من إنتاج النفايات
الفرز الأوليّ للنّفايات، الذي يبدأ من المنزل وينتهي في المكب
تحويل النفايات الصلبة العضوية، إلى سمادٍ عضويٍ بفصل النفايات العضوية وبقايا الطعام ومخلفات الزراعة، عن باقي النفايات وحفظها تحت ظروف مخصصة، لمساعدتها على التفكك طبيعياً.
الحرق الآمن بطريقة الترميد، وهو حرق مضبوط عند درجة حرارة مرتفعة جداً، يمكن أن يستفاد من طاقتها الحراريّة، في توليد الكهرباء.
عند طمر النفايات، يجب أن تكون الطبقة السفلى للمطمر كتيمة تمنع تسرب الرشاحة إلى المياه الجوفية، ويتم الطمر على شكل طبقات تُغطّى بشكل يومي بالتراب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 795