دردشات بين الضرورات والمحظورات
قبل أشهر، أصدرت الحكومة اللبنانية، مشروع إصلاح اقتصادي، أثارت بنوده المجتمعة بحق الموظفين والمعلمين والعمال، موجة استنكار عارمة، تجسدت في 10/05 الماضي، بمظاهرة دعت إليها نقاباتهم، حشدت مئات آلاف المحتجين.
ويمكن القول، بأنه لا يوجد فرق بين محتوى ورقة الإصلاح اللبنانية، وبين توجهات الحكومة السورية الاقتصادية، إن كان من حيث الخصخصة، أو التعاقد الوظيفي الذي تسعى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فرضه في قانون العمل الجديد، وإذا كانت ورقة الإصلاح اللبنانية، قد ذبت مئات الآلاف في المظاهرة التي جمدت المشروع مؤقتاً، ففي سوريا من المتضررين من سياسة الحكومة الاقتصادية، أضعاف المتظاهرين اللبنانيين، المستعدين للتظاهر والإضرابات، لولا أن هذه الحقوق، محرومة منها طبقتنا العاملة، بالنقابية السياسية التي فرضت عليها، وبسيف الأحكام العرفية، الذي هو بالمرصاد عن يتجاوز حدود النشاطات المسموح بها.
إن فرض النقابية السياسية التي تعني التخلي عن النضال المطلبي، وعن سائر أسلحته، وأبرزها حق الإضراب، قد جرى في ظروف ما بعد التأميمات الكبرى، التي تميزت بالنهوض الجماهيري، ومد الفكر التقدمي الاشتراكي، الذي تثبت في الدستور، بأن اقتصاد البلد اشتراكي، وفي وثائق وأدبيات حزب البعث الحاكم، وفي ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية، وفي خطابات الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي طرح شعار: لا حياة في هذا النمط إلا للتقدم والاشتراكية، و... أي أن التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كانت تسير باتجاه التقدم الاجتماعي. لكن الآن، جرى إدارة الظهر لكل تلك الشعارات، وهجمت سياسة اقتصاد السوق على الكثير من المكاسب العمالية، التي تحققت بنضالات سنوات طوال. وهجمت على القطاع العام بالخصخصة، وطرح مؤسساته بما فيها الرابحة منها، للاستثمار أو التشاركية مع القطاع الخاص، وتقليص الاستثمار الحكومي، وغياب الرقابة على الأسعار التي تتصاعد باستمرار، وإشاعات حجب الدعم عن المازوت، وعن مواد غذائية أخرى. بل وإن اتحادات غرف الصناعة والتجارة طلبت في تعديلاتها لمشروع قانون العمل الجديد بإلغاء المرسوم 49 الذي يمنع التسريح التعسفي للعمال، الذين انتزعوه من حكومة الانفصال، بإضراباتهم عام 1962.
إن إلغاء هذا المرسوم، الذي يشكل مكسباً كبيراً للطبقة العاملة إلى جانب استمرار النقابية السياسية، وفرض مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، والمفهوم الجديد التضليلي، بأن الحكومة والحركة النقابية فريق عمل واحد... إن هذه الإجراءات التي تتعارض مع اتفاقيات العمل العربية والدولية، التي وقعت عليها سوريا، من شأنها أن تحول قوة عمل الطبقة العاملة وجميع الموظفين إلى سلعة رخيصة، يتحكم بها أرباب العمل والحكومة على هواهم.
إنها مرحلة التراجع والانكسارات التي أصبح فيها الصراع الطبقي، بين رأس المال وقوة العمل، ؟؟؟ أكثر من أي وقت مضى.
وإذا احتكمنا إلى قانون الصراع الطبقي، ألا نستنتج بأن هذه التراجعات عن المكتسبات السابقة، إنما تجري تحت تأثير تغيير طبقي في الحياة الاقتصادية والمعاشية، لمن بيدهم مقاليد أمور البلد.
إن شعار النقابية السياسية، قد أسقطته وقائع الحياة نفسها. لذا فالضرورات تبيح المحظورات. وما التحركات الأخيرة، أبرزها اعتصام عمال الشركة العامة للبناء، وإضراب عمال سيراميك الشام وغيرها... إلا مؤشر لمرحلة جديدة، تتصاعد فيها نضالات الطبقة العاملة ـ تحت ضغط الحاجة ـ في سبيل انتزاع حقوقها المشروعة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 281