راحوا بلطوا النهر!!

لا أحد يعلم على وجه الدقة، لماذا تنهمك محافظة دمشق إلى هذه الدرجة بتبليط نهر بردى وفروعه السبعة؟ ترى لم يعد في المدينة بأحيائها المختلفة وخاصة الشعبية و(المشحّرة) منها تحديداً أية حاجة للخدمات؟؟

هل تم تزفيت كل الأزقة والشوارع وإنارتها، وترميم البيوت العريقة التي توشك على الانهيار، وإيصال الصرف الصحي والكهرباء النظامية ومياه الشفة إلى جميع سكان المدينة؟
هل انتهت من صرف كامل التعويضات للمتضررين من مشاريعها الحضارية التي شوهت المدينة وأفقدتها هويتها؟
هل رفعت مستوى النظافة في الحارات والشوارع والأسواق، ووزعت قدراً كافياً من الحاويات لاستيعاب القمامة الفائضة المرمية بين البيوت وفي الخرابات وعلى أطراف الطرقات؟؟
ثم هل فكر مهندسو المحافظة بمصير الأشجار التي تمتد جذورها إلى أسرة النهر وفروعه كيف ستشرب لتظل خضراء وارفة بعد أن جرى تبليط معظم هذه الأسرة؟؟
حديث الناس في هذا الإطار يمتلئ تندراً وسخرية من أداء (المحافظة)، فهم  يرون أنه بعد أن كان لا همّ لها سوى مد الأرصفة ثم نزعها من جديد.. وهكذا دواليك، أضافت إلى مهامها مهمة جديدة بتبليط نهر بردى الذي أخذ يحتضر بسبب إعجابه الشديد بأدائها الرفيع ذي الطابع السياحي!!
الجميع يعلم طبعاً أن هذه الأعمال العظيمة التي لا تدع المسؤولين (النزيهين جداً جداً) في المحافظة ينامون حرصاً على تأمين الخدمات للمواطنين المساكين، إذ يتصل ليلهم بنهارهم، تدر على القائمين عليها مبالغ خيالية، سواء في التعهيد والسمسرة أو في استجرار المواد وعمولاتها المرتفعة، أو في التنفيذ المباشر وإعادة التنفيذأ أو عن طريق السرقة المفضوحة (عينك عينك) (واللي ما عجبوا ينطح الحيط)!!
أصحاب الذاكرة وحدهم يتذكرون أن أحد مسؤولي اليوم الكبار، سُجن قبل نحو ثلاثة عقود بسبب فضائح تبليط نهر قويق في حلب الذي قضى نحبه على يد مسؤولينا (الفهمانين) وجارتنا (الصديقة) تركيا!!، فهل يعيد التاريخ نفسه بصورة أكثر شرعية؟؟
المثل الشعبي الذي يردده الناس حين يظهرون لا مبالاتهم من ردة فعل الآخرين على سلوكهم هو: «روحوا بلطوا البحر»، ويبدو أن المفكرين النجباء في كل (محافظة) الذين بدؤوا ذات يوم بتبليط المغفور له نهر قويق، ويتابعون المسيرة اليوم مع نهر بردى الموشك على النهاية، ويضعون في ذهنهم تبليط الكبير الشمالي والعاصي والفرات قريباً تمهيداً لقتل هذه الأنهار العظيمة.. يفعلون ما يفعلون، ويقولون في سرهم للناس الذين لا حول لهم ولا قوة: سنبلط جميع الأنهار، أما أنتم فروحوا بلطوا البحر!!                                             

معلومات إضافية

العدد رقم:
282