كاسترو نسيّ كاسترو نسيّ

الخصخصة تصل إلى البحر!!؟ اتحادات عمال الساحل تعارض خصخصة المرافئ وتتهم الإدارة بخرق الدستور

دخل السجال بين الحكومة واتحادات العمال مرحلة جديدة من التوتر على خلفية طرح الشركات العامة للاستثمار الخاص، الأمر الذي وجدت فيه النقابات شكلاً من أشكال الخصخصة التي تهدد مصير العاملين في هذه الشركات، وتفضي بهم إلى مستنقع البطالة، نظراً لتشميل هذه الاستثمارات بأحكام قانون الاستثمار رقم (10 ) الذي يعفي المستثمر الخاص «المحلي والأجنبي» من الالتزام بأحكام قانون العمل رقم 49 لعام 1962 الذي يحمي العامل من التسريح التعسفي.

وفيما تتهم اتحادات العمال الحكومة بمخالفتها للدستور وتحديداً المادة (14) منه، التي تنص على « ملكية الشعب للثروات الباطنية والمرافق والمؤسسات المؤممة أو التي تقيمها الدولة، على أن تقوم الدولة بنفسها باستثمار هذه الشركات والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب»، فإن الحكومة ما تزال تتجاهل المطالب العمالية لتطرح سلسلة جديدة من المرافق التابعة للمرافئ على الاستثمار الخاص، و من بينها «صومعة الحبوب والأرصفة والساحات ومحطة الحاويات» ، الأمر الذي وجد فيه اتحاد العمال بمحافظة اللاذقية «إبعاداً ليد الدولة عن شركة المرافئ لحساب مصالح خاصة وطبقة جديدة استولت على قسم هام من الصناعات التحويلية والنقل البري والمصارف العامة وتريد الآن السيطرة على المرافئ» محذرا في الوقت ذاته من «خطورة هذه الإجراءات في الظروف الحالية حيث احتمالات الحرب العدوانية الأمريكية ـ الإسرائيلية ما تزال قائمة مما يفرض وجود قطاع عام وطني قوي»، لكن الحكومة بحسب أحد المصادر في نقابات العمال لا تعير تلك الدعوات أدنى اهتمام، بسبب ضغط بعض  (أصحاب الرؤوس الكبيرة) الذين أسسوا شركات وهمية في الدول المجاورة تمهيداَ لدخولها  المرافئ في وقت لاحق، إضافة إلى ضغوطات تتعلق بمنظمة التجارة العالمية التي تقوم بفرض خصخصة الموانئ ضمن برنامج التقويم الهيكلي كشروط للمنح والقروض، حيث عبر البنك الدولي صراحة (على أن فائض اليد العاملة هو أحد أهم الخاصيات المؤسفة في أغلب الموانئ ،وسيكون ضرورياً خفض أعداد العاملين من أجل تحسين المردود ـ أي تخفيض تكاليف النقل.)

صوامع وأرصفة برسم البيع
 
أقدمت إدارة الشركة العامة لمرفأ اللاذقية مؤخراَ على الإعلان عن إنشاء صومعة جديدة مع رصيف حبوب مواز لها، إضافة إلى إنشاء أرصفة جديدة مع ساحات خلفية لها في المرحلة الثانية من التوسع وفق النموذج الذي أعده المعهد الروسي «سيوز مورني بروجكت».
قد يكون هذا الخبر أمرا طبيعياَ ، قد يستدعي التصفيق، لكن ما يبدو غير طبيعي ويستدعي السخط أيضاَ، هو قرار إدارة المرفأ المذكور بعرض هذه المرافق بعد إنجازها للاستثمار الخاص، دون أن يكون لهذا الإجراء أي مبرر اقتصادي سوى ملء جيوب بعض الأشباح على حساب المصالح العامة.  
هذا السخط يمكن ملاحظته بوضوح في موقف نقابة عمال النقل البحري بمحافظة اللاذقية التي أكدت عدم ممانعتها  من مشاركة القطاع الخاص بما يخص العملية الإنشائية، أما ما يخص الاستثمار فإنها ترى بأن الشركة لديها كافة الإمكانات والتجهيزات اللازمة للتشغيل. مقترحة في الوقت ذاته على الشركة ووزارة النقل العمل على ترميم أي نقص بالإمكانات والشواغر البشرية والآلية والخبرات الإدارية والفنية لكي تقوم بتنفيذ هذه الاستثمارات على الوجه الأكمل.
وأضافت النقابة: « بأننا لا نرى القطاع الخاص يمتلك إمكانات أكبر من إمكانات القطاع العام الذي مر على بنائه أعوام عديدة، وأثبت جدارته في إدارة جميع الأعمال الموكلة إليه، لكي يستمر، لا لكي يعطي عمله وتجهيزاته وإمكاناته للقطاع الخاص، ليتم الاستفادة من مردود هذه الاستثمارات على نطاق ضيق، متناسين المكاسب التي تتحقق للفرد والمجتمع ومصالح عمالنا». وطالبت النقابة  الإدارة بحل صعوبات العمل التي تقف في طريق العمال، و برفع مستوى الإنتاجية، مؤكدة على أهمية  القيام بإملاء الشواغر وإجراء الدورات التدريبية اللازمة لرفع مستوى العمال والإداريين، كي يتمكنوا من القيام بأي استثمار مطلوب، وعدم اللجوء إلى القطاع الخاص إلا بالحالات التي وجه بها كتاب القيادة القطرية، الذي ينص على عدم  تلزيم أي عمل من أعمال المرفأ للقطاع الخاص، إلا بعد أن يعتذر المرفأ من عمال وآليات وغيرها عن تنفيذ هذه الأعمال. مع الإشارة  إلى أن شركة المرفأ قامت بإجراء مناقصات واستدراج عروض كثيرة لشراء آليات وتحسين أرصفة وساحات، ليتم وضعه في الخطة الاستثمارية للمرفأ وتطوير المرفأ إضافة  إلى الآليات التي قامت الشركة بشرائها في الآونة الأخيرة، مما يسبب خسارة كبيرة للشركة في حال تلزيم القطاع الخاص بهذه الاستثمارات.
وأشارت النقابة إلى تجربة  شركة التوكيلات الملاحية التي كان يديرها القطاع العام والمنعكسات السلبية التي لحقت بالقطاع العام والعمال من جراء تلزيم القطاع الخاص بها، حيث تم تسريح عدد كبير من عمال الكتبة ،وانعكس مردوده بشكل سلبي على الشركة والعاملين والدولة. حيث كانت واردات شركة التوريدات الملاحية قبل تلزيمها للقطاع الخاص 750 مليون ليرة سورية، هذا المبلغ الذي يذهب حالياً إلى جيوب عدد قليل جداً  من الوكلاء البحريين، إضافة إلى ظهور بطالة مقنعة في شركة التوكيلات بسبب قلة العمل.
وفيما يتعلق بموضوع العقود الربعية التي تقوم بها الشركة مع عمال مؤقتين (سائقين ـ عمال نظافة ـ عمال نجارة ـ دهان ـ عزل ـ صحية...) لمدة ثلاثة أشهر واستبدالهم بعمال آخرين كل فترة ثلاثة أشهر، فإن هذا الأمر -بحسب النقابة-  يؤدي إلى هدر الزمن في عملية تدريب العاملين، لأن العمال يكتسبون الخبرة في بداية ثلاثة الأشهر وعند انتهاء العقد يتم استبدالهم بعمال آخرين، الأمر الذي يضطر إلى إجراء تدريب مرة ثانية، علماً أن الشركة بحاجة ماسة إلى إملاء هذه الشواغر، التي يتم إجراء عقود ربعية عليها، لأنها أعمال دائمة وليست أعمال مؤقتة، وتؤكد -النقابة- على الأثر السلبي الذي تركته هذه العقود خصوصاً في موضوع عقود السائقين الذي يخلف تلفا في الآليات التي يقام التدريب عليها، إضافة إلى عدم اهتمام هؤلاء السائقين بهذه الآليات لعلمهم المسبق بأنهم مؤقتون وغير مسؤولين عنها.

تتمة الحكاية في مرفأ طرطوس
 
منذ أكثر من سنتين تقوم وزارة النقل بطرح مشاريع استثمارية لمرفأ طرطوس، وجميعها تصب باتجاه خصخصة أعمال هامة وأساسية فيه، مثل محاولتها خصخصة أعمال التفريغ والشحن وصيانة الآليات، وطرحت إضافة لذلك بعض المشاريع للاستثمار وفق نظام BOT التي أسقطتها نقابات العمال على مدار السنتين، لكن وزارة النقل وإدارة المرفأ بضغط من أحد الرؤوس الكبيرة في الساحل قامت مؤخراً بالإعلان رسمياً عن استدراج عروض أسعار خارجي للشركة العامة لمرفأ طرطوس، بغرض إقامة محطة حاويات وفق دفتر الشروط المالية والحقوقية والفنية برقم (6329) والمعد من خبير لدى بنك الاستثمار الأوروبي، وهو الأمر الذي أثار احتجاجات واسعة لدى العاملين في المرفأ، لأن ذلك يعني رفعاَ ليد الدولة عن هذا القطاع، كما سيؤدي استثمار محطة الحاويات من القطاع الخاص إلى إخراج 300 دونما من مساحة المرفأ، علماً بأن المرفأ يضيق بالبضائع الواردة إليه، وأماكن التخزين فيه مليئة ولا توجد مساحات معطلة بالمرافئ، وبالتالي  فإعطاء القطاع الخاص هذه المساحة الكبيرة سيكون على حساب القدرة التخزينية والاستيعابية للمرفأ، و سيؤدي إلى تأخير تفريغ السفن الواردة وما يترتب على ذلك من غرامات تأخير كبيرة سوف تدفعها الدولة بالقطع الأجنبي خاصة وأن هناك الآن أكثر من أربعين باخرة في عرض البحر تنتظر إفراغ حمولتها.
كما أن 300 دونما التي ستخرج من المرفأ لحساب القطاع الخاص هي من أفضل أرصفة المرفأ وأجودها صلاحية، وتقع على أفضل الأعماق الصالحة لاستقبال كافة الحمولات، وبالتالي انعدام إمكانية المرفأ عن استقبال البواخر التي تحتاج إلى مثل هذه الأرصفة والأعمال، وسيؤدي إلى خسارة كبيرة لشركة المرفأ بسبب عزوف البواخر عن الورود إليه، كما أنه سيخلق فائضا بالعمال القائمين في أماكن الإيداع لأن مؤسسات القطاع العام المتعاملة مع المرفأ تقوم باستيراد وتصدير بضائعها مع إعفاء البعض منها عن طريق مرفأ الدولة، في حين أن القطاع الخاص لن يقبل بذلك إلا بأجور عالية، مع العلم بأن التعرفة المرفئية جاءت وسطية لكل أنواع البضائع بما فيها الحاويات، وإذا تم الاستثمار فإن أعمال المشولات الصعبة والتعرفة الوسطية الحالية ستكون غير مناسبة لظروف عملها،بالإضافة إلى ما يمكن أن ينجم عن ذلك من تعدد للإدارات داخل المرفأ بشكل يؤدي إلى عرقلة العمل وتضارب في الخطط، نظراً لامتلاء الساحات بالبضائع، وصعوبة حركة الآليات عند دخولها وخروجها من المرفأ وإليه، وسيأتي وجود ساحة للحاويات ليزيد من صعوبة هذه المشاكل وتعقيدها، إضافة إلى توجه بقية القطاعات المتعاقدة مع المرفأ للعمل مع القطاع الخاص مما سيؤثر على دخل الشركة وخسارتها بسبب حرمانها من مصادر دخلها الأساسي.
 
اعتراض عمالي على الاستثمار

نقابة عمال النقل البحري في طرطوس وصفت هذا الإجراء بأنه «نوع من الخصخصة ودعم للقطاع الخاص على حساب القطاع العام كما حدث أثناء تجربة شركة التوكيلات الملاحية»، وكانت وجهة نظر النقابة أن يتم إنشاء محطة حاويات بخبرات مرفئية محلية أو عالمية شرط أن تبقى الإدارة والإشراف للشركة العامة، لأن طرح الموضوع للاستثمار سيؤدي إلى تعدد الإدارة بالشركة (مرفأ ضمن مرفأ) وسيفتح الباب لطرح أماكن إيداع أخرى على الاستثمار من القطاع الخاص وبالتالي انعدام إمكانية تأمين الرواتب للعمال.
وأضافت النقابة: بأن «الوضع العام للاقتصاد الوطني بني على أساس الاقتصاد الاشتراكي وأن ما نشاهده هو البدء بأسلوب اقتصادي معاكس (اقتصاد السوق الحر)» معتبرة بأنه ليس هناك من ضرورة لهذه الإجراءات، فالشركة رابحة وتنجز أعمالها بنسبة تزيد عن 100% مطالبة في الوقت نفسه «بدعم المرفأ بالآليات والعناصر الخبيرة وإملاء الشواغر وفتح الملاك لتعيين الخبرات اللازمة أو السماح بإجراء عقود ومسابقات أو عن طريق الشؤون لأخذ حاجة المرفأ من المرشدين والربابنة والبحارة والعمال وغيرهم من أجل إمكانية المنافسة مع المرافئ الجديدة».
وإلى جانب ذلك أصدر اتحاد عمال محافظة طرطوس مذكرة أوضح فيها قلق العمال من المحاولات المتواصلة التي تقوم بها وزارة النقل وإدارة المرفأ لإبعادهم عن العمل وإعطاء الأعمال التي يقومون بها والتي تشكل مصدر عيشهم للقطاع الخاص، مؤكدة في الوقت نفسه تصميم العمال على الدفاع عن مصالحهم والتمسك بها من خلال الإبقاء على شركة المرفأ دون إعطاء أي جزء منها للقطاع الخاص. وأضافت المذكرة: «إن وجود مثل هذا الاستثمار في مثل هذه الظروف سيخلق أضراراً كبيرة للشركة والعاملين فيها، وسوف يقلص دور هذه الشركة في الدخل الوطني باعتبارها شركة رابحة وترفد الخزينة بدخل يتزايد باستمرار، جراء ما يبذله العاملون فيها رغم كل العقبات» وطلبت مذكرة اتحاد عمال طرطوس من الاتحاد العام لنقابات العمال التدخل لدى رئاسة مجلس الوزراء لإلغاء هذا الإعلان وصرف النظر عن هذا المشروع وأي مشروع آخر داخل المرفأ، مؤكدة بأنها «ليست ضد استثمارات القطاع الخاص ولكن خارج المنشآت العامة.

اللاذقية خصخصة موازية واعتراض مواز

حققت الشركة العامة لمرفأ اللاذقية أرباحاً بلغت 1.888 مليار ليرة في عام 2004، وما تزال تقوم بتنفيذ المشاريع والتجهيزات وتضع الخطط المستقبلية لتطوير عملها مع الإشارة إلى أن العمل يستمر 24 ساعة في اليوم، ولا تعاني البواخر من أي تأخير في التفريغ بدليل أن المرفأ لم يدفع أي غرامات تأخير للسفن، لكن اللجنة الإدارية بتاريخ 4/8/2005 وبموافقة الوزارة والمدير العام لمرفأ اللاذقية قررت مباشرة بإعداد ما يلزم للإعلان عن متطلبات تطوير محطة متخصصة للحاويات بالسرعة الممكنة، ومن ثم الإعلان عنها للاستثمار وفق دفتر شروط يعد في مرفأ طرطوس، لكن مكتب نقابة النقل البحري والجوي باللاذقية وضع وجهة نظره حيال ذلك بأنه مع تطوير المرفأ وإنشاء محطة حاويات وغيرها، على أن تديرها الشركة العامة لمرفأ اللاذقية لا أن تطرح للاستثمار، وأن تقوم الدولة بتأمين النقص الحاصل في عدد العمال والآليات والاستعانة بخبراء الإدارة إذا لزم الأمر، كما نوه مكتب النقابة إلى أن أجور عمال الإنتاج هي كمية الطوناج المنتج في الساحات و الأرصفة والمستودعات مضروبة بسعر الطن وفي حال خصخصة محطة الحاويات مع غيرها من الساحات والمستودعات فإن العمال البالغ عددهم 700 عامل سيبقون دون راتب .
من جهتها طالبت المذكرة التي أصدرها مجلس اتحاد عمال اللاذقية من الاتحاد العام لنقابات العمال «بالتدخل لدى وزارة النقل لإيقاف عملية الاستثمار في مرفأ اللاذقية لأن المرفأ ليس خاسراً» وأضافت المذكرة: «بأن الحركة النقابية تطالب بوضع برنامج للتنمية الاقتصادية والتوقف عن تنفيذ الإجراءات الموجهة ضد القطاع العام، وتتخوف من السماح لهذه الشركة الخاصة أو غيرها في المستقبل  بالتوسع إلى الساحات الأخرى وحرمان الدولة من مداخليها، حيث يتم (بحجة التحول نحو اقتصاد السوق)  تقليص دور القطاع العام ونسف المكتسبات الاقتصادية والسياسية في البلاد» مضيفة: «أن اتحاد العمال مع تطوير ساحة متخصصة للحاويات تدار من الشركة العامة للمرافئ وضد إتاحة أية فرصة للاستثمار الخاص لعدم الحاجة إلى ذلك، وليتحول القطاع الخاص إلى مشاريع لا تعمل فيها الدولة أو أن يقوم ببناء مرافئ جديدة».

معلومات إضافية

العدد رقم:
282