فصل الإدارة عن الملكية

تكاد لا تخلو الخطابات الاقتصادية و ما ينشر في الإعلام الاقتصادي السوري بكل أشكاله من عبارة «فصل الإدارة عن الملكية» الأمر الذي يعتبره الداعون إليه وسيلة لتحقيق نهضة في القطاع العام «الخاسر» برأيهم، و إذا كانت تلك الوسيلة هي «أهون الشرور» بالنسبة لما يريد الليبراليون تطبيقه على القطاع العام و الذي مؤداه في النهاية الخصخصة الكاملة، لكنها وسيلة لا تخلو من سلب هوية القطاع العام بالنسبة للمتمسكين به.

والجديد أن دعاة فصل الإدارة عن الملكية أصبحوا يدافعون عن فكرتهم بطريقة تختلف عن المحتوى العام لخطابهم، إذ يجدون أن هذا المبدأ ليس اختراعاٍ و هو مطبق منذ خمسينات القرن الماضي في العديد من الدول التي كانت تملك قطاعا عاما هاما و نشيطا وكذلك فهو معمول به في شركات و مؤسسات القطاع العام كما الخاص على امتداد الدنيا من الشرق إلى الغرب و من الشمال إلى الجنوب......

ويضيف هؤلاء أن هذا المبدأ هو من أهم الثورات في الفكر الاقتصادي الرأسمالي و هو الذي أعطى ذلك النظام لمسة إنسانية كان يفتقدها!

وبغض النظر عن إنسانية النظام الرأسمالي قبل هذا المبدأ أو بعده - فهي ليست موضوع نقاشنا - لكن مبررات تطبيقه حسب وجهة نظرهم تستحق الوقوف عندها و هي التالية:

إن مجالس الإدارة أو اللجان الإدارية في مؤسسات القطاع العام هي الجهة التي تمثل الملكية وهي في نفس الوقت تقوم بالعمل التنفيذي، إذ أن هذه المجالس واللجان تتألف من المدير العام ومعاونه و بعض المديرين الآخرين مثل المدير المالي و مدير التخطيط إضافة لممثلين عن العمال أي أن هؤلاء يحكمون على تصرفات أنفسهم فيقبلون الميزانيات التي أعدوها و يقرون الخطط التي وضعوها و يحكمون على نتيجة أعمالهم عن السنة السابقة و يبررونها ...... من هنا تأتي أهمية فصل الإدارة عن الملكية.

وقد جرى في هذا التبرير لبس بين مجموعة أمور:

أولا: إن فصل الإدارة عن الملكية في القطاع الخاص قد جاء نتيجة عدم كفاءة المالك (في أغلب الأحوال) في أمور الإدارة و وجود أشخاص أكثر كفاءة منه في هذا الموضوع الأمر الذي يجبره على تعيين مدير وإعطائه ما يقارب 40% من أرباح الشركة بسبب دور الإدارة الهام و المعروف في تحقيق الأرباح....... أما في الحالات التي يمتلك فيها المالك الكفاءة اللازمة لإدارة الشركة فانه يمارس عمله كمدير و كمالك و الأمثلة كثيرة على ذلك.

ثانيا: بناء على ما تقدم فان هناك أسساً واضحة لتعيين المدراء أهمها معايير النزاهة و الكفاءة، لان الإدارة تميز المنشأة الرابحة عن الخاسرة.

و إذا كان هناك خلل في أسلوب تعيين إدارة المؤسسات العامة فانه يجب معالجة هذا  الخلل الذي سيبقى إن لم يعالج ذا نتائج سلبية على أداء المؤسسة مهما كان العنوان أو المبدأ الذي تعمل وفقه هذه المؤسسة.

ثالثا: هناك خطة عامة للدولة تشترك في صنعها الوزارات المختصة و تصدر عن هيئة تخطيط الدولة و المفترض بهذه الخطة أن تدرس وضع كل قطاع و الشركات المكونة له و تضع لها معدلات نمو معينة تتناسب مع التطور المطلوب لها.

ومن يعمل في مجال التخطيط يعلم تماما الخطة التي يتقدم بها وزير الصناعة مثلا لتطوير قطاع الصناعة والأمر ذاته ينطبق على باقي الوزارات بل حتى على الموازنة العامة للدولة التي يفترض أن تأخذ التفاصيل العامة لعمل كل وزارة بعين الاعتبار يشارك في وضع هذه الخطط و تنفيذها السلطتان التشريعية و التنفيذية.

وأما بالنسبة للرقابة و متابعة تنفيذ الخطة فهناك جهات مسؤولة عن ذلك، وإذا كان هناك تقصير في المحاسبة أو في الخطة من أساسها فيجب معالجة مواقع الخلل الفعلية.

 

 وإذا كان دعاة هذا المبدأ يقصدون من قولهم بفصل الإدارة عن الملكية أن الخطط الموضوعة يجب أن تدرس بشكل أفضل وتتم الرقابة على تنفيذها بشكل أدق فانه لأمر نتمناه جميعا لأن ملكية الدولة لوسائل الإنتاج عن طريق القطاع العام يجب أن تؤدي في النهاية آلي تحقيق مصالح «الشعب» عن طريق إدارة تحمل همومه وتمثل طموحاته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
171
آخر تعديل على الخميس, 15 كانون1/ديسمبر 2016 11:10