التوظيف والشروط التعجيزية

يزداد عدد الخريجين من الجامعات السورية، وبمختلف الاختصاصات، وتزداد بذلك نسب البطالة في البلاد. ورغم حاجة الوزارات للكثير من هؤلاء الجامعيين وخريجي المعاهد. فإن رئاسة مجلس الوزراء والوزارات لا تجري المسابقات اللازمة للتوظيف إلا بنسب قليلة. والمواطن ينتظر ولا حيلة له، وحتى المسابقات التي تجري تتصف كما هو معروف بالمغالطات والواسطة والرشوة.

وفي الآونة الأخيرة استحدثوا أموراً جديدة وغريبة. وحمّلوا المتسابق عبئاً وهمّاً ثقيلاً وغير عقلاني، بل ربما غير مسبوق في أية دولة، فقد فُرض على المتسابق اجتياز عدد من الاختبارات. وكل اختبار يكلف مبلغاً من المال ووقتاً للتحضير قد يستغرق شهوراً، وكأن المتسابق لم يتخرج من الجامعات والمعاهد السورية. فقد فرض عليه اختبار اللغات (الاختبار الوطني للغات) واختبار الكومبيوتر... ومستقبلاً، كما صرح الوزير المسؤول، اختبار اللغة العربية.
بالنسبة للاختبار الأول (اللغة الأجنبية) فلا مبرر له على الإطلاق، كون الطالب قد درس في منهاجه السنوي هذه المادة، واجتازها بموجب امتحان تمَّ تحت إشراف الوزارة.
وإذا أرادت وزارة التعليم العالي تحسين مستوى المتخرج في اللغات، فبإمكانها أن ترفع من مستويات المناهج المتعلقة باللغات في الجامعات السورية. ثم ما حاجة المعلم مثلاً للغات في تدريس عدد من المواد (تاريخ، جغرافيا، علوم، رياضيات، وغيرها) طبعاً حسب الواقع الحالي في المدارس أو الدوائر.
أما امتحان الكومبيوتر، فعلى الرغم من استخدامه المحدود في المدارس، وعدم الحاجة له إلا في بعض المواد. فمن المعقول والضروري، أن يلم المدرس أو الموظف بمستوى معين من العمل على الكومبيوتر، والوسيلة إلى تحقيق هذا الهدف تكون بإضافة مادة الكومبيوتر لطلاب السنة الثالثة والرابعة في الجامعة، ليدرسها الطالب بشكل تدريجي.
ثم أن الكومبيوتر يستخدم منذ عشرات السنين في العالم. فلماذا تذكروه الآن..
أما اختبار اللغة العربية الذي تعد الوزارة له، لتطرحه في المستقبل، فهو الأكثر غرابة (ولا نعلم هل سيشمل جميع المواطنين أم سيكون للبعض فقط!) فالمتخرج من المعهد أو الجامعة إذا لم يتقن لغته خلال سنوات الدراسة الطويلة فكيف يتقنها بعد اختبار قد ينساه بعد شهور؟!! وإذا كان لا يعرف لغته ولا يلم بها إلماماً كافياً لتمكنه من العمل في مؤسسات الدولة، فماذا علمته المدارس؟ وكيف أعطي مصدقة تخرج من المعهد أو الجامعة؟!!

والسؤال هنا: ماذا يمكن أن يظهر من اختبارات في المستقبل؟! اختبار في اللباس وحسن المظهر، واللباقة، وشهادة حسن سلوك؟!! (ليس من المختار هذه المرة بل من جهة أمنية، عدا الأمن السياسي طبعاً الذي يحتاج كل مواطن دون استثناء لموافقته لكي يعمل في وطنه!!)
أليس من الأفضل والأسلم أن لا يخضع الجامعي أو خريج المعهد لأي اختبار مما سبق، ولا أية مسابقة أو موافقة أمنية، فهذا تخرج من معهد أو جامعة حكومية. وهذا كاف للسماح له بالعمل. وإذا أرادت أية وزارة أن تساوي بين المواطنين فعلياً، فعليها أن تأخذ العدد اللازم حسب معدلات التخرج وتوظفهم، لأن المسابقة تعني عدم اعتراف الدولة بالشهادة التي تمنحها لخريجيها!!
ولا حاجة لموافقة الأمن السياسي لأن هذا المواطن يعيش في وطنه وقد يكون أدى خدمة العلم. وهو يقدم كل الوثائق التي تطلبها الوزارة المعنية بما فيها شهادة السجل العدلي (لا حكم عليه)... فأي معنى يبقى لموافقة أمنية أو لاختبارات باهته؟!!
اللهم إلا إذا كانت الوزارات لا تنوي توظيف المواطنين، فتضع العراقيل والشروط التعجيزية أمامهم. كما حدث منذ سنة عندما أعلن رئيس مجلس الوزراء عن شروط تعجيزية لتثبيت المتعاقدين لدى الدوائر الدولة. وحينها لم يثبت أحدٌ من المؤقتين. رغم الحاجة إليهم، وعملهم لعدة سنوات في أعمال دائمة.
وأخيراً هل نقدم تحيةً لرئاسة مجلس الوزراء حول شروط التوظيف الجديدة، أم نقول لها: رفقاً بالمواطن المسكين، وبلقمة عيشه. أم نكتفي بترديد قول الشاعر:
 
ياقوم لا تتكلموا       إن الكلام محرم
وإذا ضربتم    فاصمتوا

ونضيف:
إذا امتحنتم فارسبوا
إن النجاح صعب... بل محرمُ

معلومات إضافية

العدد رقم:
406