التلوث البيئي في سورية مسؤولية من.. ومن يدفع ضريبته؟
يأخذ البحث في قضايا التلوث البيئي في سورية أهمية من كونه بات أمراً ضرورياً وملحاً، بعد أن وصل التدهور الكبير في مؤشرات الأمان والسلامة البيئية إلى مستويات خطيرة في مختلف عناصر ومكونات بيئتنا المحلية، من ماء وهواء وتراب وغطاء نباتي...إلخ، ومايحمل كل ذلك من تهديد خطير للسلامة العامة، سلامة الإنسان والعمران، وسلامة جميع أشكال وأنواع الحياة الأخرى.
وفيما ينشغل العالم بمنظماته ومؤسساته وأحزابه وجمعياته ذات الصلة بالتصدي لمشاكل التلوث ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لمحاصرته والتخفيف من آثاره وتداعياته، بوصفه تحدياً خطيراً يتهدد الحياة على سطح الكوكب، نجد حكومتنا تتعاطى معه بكثير من التراخي والاستهتار، وأحياناً تسهم في زيادته جهلاً أو عجزاً أو عمداً، وينعكس ذلك جلياً من خلال تخبط الجهات المعنية بالأمر مباشرة، ونقصد هنا وزارات البيئة والصحة والزراعة والصناعة، والتي تفتقد للمنهجية والرؤية والاستراتيجية، وتتناقض برامجها وخططها في هذا الشأن، وتتضارب آراؤها ومواقفها، وكأنها لاتتبع مجلس وزراء واحد وهيئة تخطيط واحدة!!، وبما أن هذا التخبط والتناقض كان سمة بارزة لمجمل الحكومات المتعاقبة منذ مايزيد عن أربعة عقود، إذن فلنتخيل في أية بيئة وطنية بتنا نعيش اليوم!
كان ياما كان الخصب والجمال والنظافة
كلنا سمع أو يذكر أن وطننا بجباله وغاباته وبساتينه وسواحله وباديته وأنهاره، كان من أنظف وأجمل بقاع الأرض، وهذا ما جعله تاريخياً موطناً ومستقراً للإنسان الأول وللحضارات الأولى، ولايزال بعض كبار السن يتحدثون عن ينابيع وأنهار وغابات وحيوانات وطيور، كانت تملأ الأراضي السورية، فيحسبهم من يستمع إليهم يتحدثون عن دولة أخرى وعن إقليم مناخي آ’خر!! وإذا كان هذا الأمر المؤلم يتضمن شؤونا ًوظروفاً خارجة عن إرادتنا كبشر من العالم الثالث، مثل التبدلات التي طرأت على الكوكب برمته من انحباس حراري، وتعاقب سنوات الجفاف، واختلال الدورات المناخية، والظواهر الناشئة عن ثقب الأوزون، فإن ذلك يبقى جزءاً صغيراً من الحقيقة، أما الأجزاء الباقية والتي كان ولا يزال لها الأثر الأكبر في صنع هذا الخراب، فهي من صنع أيد عابثة جاهلة، عاثت فسادا ًطوال عقود، ولاتزال تعبث وتسيء للطبيعة والبشر دون أي رادع أو وازع من ضمير، والأمثلة كثيرة ويصعب حصرها، فمن غوطة دمشق التي لم يبق منها سوى اسمها، وهي التي جعلت من دمشق طوال حقب مديدة إحدى جنات الدنيا الأربع، وحالياً هي مجرد غابات اسمنتية تحيط بها بعض الشجيرات، إلى نهر بردى الذي جففته آبار مزارع المسؤولين والمتنفذين، واستبدلت الينابيع والسواقي التي كانت ترفده بمجارير الملاهي والمقاهي والمطاعم، إلى باديتنا الخصيبة الزاخرة بالكلأ والمراعي والأعشاب المتنوعة، والتي أضحت اليوم جرداء قاحلة بعد أن حولها بعض الانتهازيين «الواصلين» مكباً للنفايات والقاذورات المستوردة، إلى غاباتنا التي أنهكتها الحرائق المفتعلة، إلى هوائنا الذي بات يزخر بكل شيء عدا الأوكسجين، إلى سواحلنا وشواطئنا التي عافتها الأسماك والأحياء البحرية ومراكب الصيد والسفر، بعد أن اكتظت بالسموم..إلخ..إلخ. فمن المسؤول عن كل هذا الخراب؟ ومن تراه بعد التذكير بهذا النذر اليسير من الإساءات الكبيرة لطبيعتنا ومواردنا، يقول إن بيئتنا بخير؟.
التلوث.. تحديات كبيرة
تعاني بلادنا، من أقصاها إلى أقصاها، من مشاكل وأزمات بيئية حادة، تصل في بعض المدن إلى مستويات مأزقية خطيرة، كدمشق وحمص وحماة وطرطوس واللاذقية، والتي تشتد وطأة التلوث فيها وتصل إلى الذروة لأسباب كثيرة منها:
انتشار الملوثات الناتجة عن المخلفات الصناعية بحكم وجود أغلب المصانع فيها.
تزايد التلوث بالغازات السامة المنبعثة من عوادم السيارات.
تفاقم مشكلة النفايات (نفايات المنازل والفنادق والمطاعم..إلخ).
العجز عن إيجاد حلول جذرية لمشاكل الصرف الصحي.
التلوث العمراني والبصري.. والضجيج.
أما في الأرياف والبادية، فيأخذ التلوث أشكالاً أخرى، تضاف إلى معظم المشاكل السابقة ومنها:
تلوث التربة وخاصة في القرى القريبة من المصانع الكيميائية والكسارات.
تلوث المياه السطحية والجوفية (مياه الشفة ومياه الري) وخاصة في القرى القريبة من مكبات النفايات، ومن مصبات شبكات الصرف الصحي.
التلوث الناتج عن الأسمدة والمبيدات الكيميائية، ويطال تأثيره المحاصيل والنباتات البرية والماشية والطيور والإنسان.
إن كل ملوث من هذه الملوثات إلى يحتاج بحث خاص به للوقوف عند أضراره وانعكاساته السلبية على الطبيعة بشكل عام، وعلى الإنسان بشكل خاص، إلا أننا سنحاول بشكل سريع ومختصر استعراض أهم النتائج الأساسية لكل ملوث، انطلاقاً من واقع بلدنا.
الملوثات.. والصناعة المحلية:
تشكل الصناعة في الدول المتقدمة عصب الاقتصاد، لذلك فإن المشاكل الناتجة عنها، وخاصة المشاكل البيئية، تدرس وتعالج بشكل دائم، وتحدث خطوط الإنتاج فيها بصورة دورية، وتخضع آلاتها لصيانات مستمرة، كل ذلك يجري بشفافية عالية، ووفق خطط واستراتيجيات واضحة وممنهجة. أما في بلدنا، والذي لاأمل بتقدمه واستقراره واستقلاله إلا بتطوير صناعتنا الوطنية، فإن المنشآت الصناعية فيه على قلتها، أحدثت أضراراً بيئية كبيرة وخطيرة، وخاصة تلك المنشآت البتروكيميائية، والكيميائية، وذلك بسبب انعدام التحديث وأعمال الصيانة وغياب الدراسات البيئية، والنهب المستمر لمقدراتها عن طريق البرجوازيتين البيروقراطية والطفيلية، وبسبب عدم الجدية والمسؤولية في إعطاء التراخيص البيئية للمنشأت القديمة والمنشأت التي في طور الإنشاء.وعلى سبيل المثال، فإن مصفاة بانياس شمالي طرطوس، تعدمن أخطر ملوثات البيئة في سورية، وقد أكدت الفحوصات الطبية لعمال الشركة ارتفاع نسب العجز الصحي لمعظمهم مابين 10 ـ 35% وذلك نتيجة تعرضهم الدائم لغاز الكبريت السام، والذي ينتج عنه اختلالات صدرية تنفسية ومشاكل بصرية، كما أكدت الأبحاث البيئية التي أجريت على القرى والبلدات المجاورة للمصفاة (الزوبة، حريصون ـ دير البشل) على وجود تلوث كبير بالغازات السامة والمعادن الثقيلة (كادميوم ـ رصاص ـ زئبق)، وتشير تقارير المشافي إلى ارتفاع عدد الإصابة بالسرطان في هذه المناطق. أما شركة الأسمدة في حمص، والتي تنتج آلاف الأطنان من الأسمدة الكيميائية، وتغيب عنها الصيانات وأعمال تحديث خطوط الإنتاج، فإنها تخلف كميات كبيرة من السموم (سترينوم ـ فوسفوجيبسوم ـ مركبات فلور) توزعها لاحقاً على المؤسسات الزراعية، والتي توزعها بدورها على الفلاحين والمزارعين على أنها أسمدة، مما يتسبب بأضرار فادحة للتربة وللمزروعات وللمياه الجوفية. وكذلك تلعب مصانع الإسمنت دوراً كبيراً في تلوث الهواء والتراب، للأسباب السابقة ذاتها، ولعل بعضها لم تجر صيانة حقيقية لمصافيه (فلاتره) منذ سنوات طويلة، لذلك فإن مداخن هذه المعامل تنفث الغبار السام في كل الاتجاهات، والذي يقضي على معظم المزروعات القريبة من المعامل بشكل متدرج، تساعده في ذلك (الكسارات) التي راحت تنتشر انتشاراً كبيراً في معظم جبالنا مغطية كل شيء بغطاء أغبر، ومشوهة المشهد الجمالي الطبيعي، لتحدث بذلك تلوثاً إضافياً وهو التلوث البصري.
من كل ماسبق، يمكننا أن نستنتج أمرين أساسيين:
1 ـ إن الآثار الوخيمة التي تتركها الصناعة في مجال السلامة البيئية والصحة العامة، تحتاج إلى معالجة فورية وسريعة في اتجاهين: الأول في مجال إزالة الأسباب، والثاني في مجال استدراك النتائج وحصرها وتفادي تفاقهما.
2 ـ إن البعض من الانتهازيين والمخربين الحقيقيين، عملوا منذ زمن طويل، ولايزالون يعملون على تشويه صورة القطاع العام الصناعي، وتقديمه على أنه معاد للبيئة، وذلك من أجل تفتيته وإزاحته من الوجود عندما تحين الفرصة.
التلوث والغطاء النباتي
من المعروف أن الزراعة في بلدنا، تعرضت عبر عدة عقود لضربات موجعة، فقدتم الاعتداء الاسمنتي على معظم الأراضي السورية الخصبة، وراحت المدن والمناطق تتوسع بشكل عشوائي (محسوب ومدروس) لتبتلع مساحات خضراء شاسعة كما جرى الاعتداء على الأحراش والغابات بأساليب وحشية، وانخفضت نسبتها مساحتها الإجمالية من 10% إلى 5%، وحدث الأمر ذاته في المناطق الرعوية، بحجة زيادة الأراضي الزراعية، فارتد الأمر وبالاً وسلباً، وحين هبت علينا رياح التصحر، وبدت مخاطره وشيكة وجلية، وقع المسؤولون في الحيرة والارتباك، ولم يعرفوا كيف يتداركون الأمر، فتارة أخذوا يستصلحون الأراضي الأقل خصوبة، وفي أحيان كثيرة «أرشدوا» الفلاحين إلى زراعات غير مناسبة لطبيعة التربة والمناخ والأمطار، ناهيك عن الجهود المضنية فعلاً التي بذلت وتبذل في التشجير الحراجي لتعويض النقص الشديد والضرر الكبير الذي طال غاباتنا وأحراشنا الطبيعية، وإن يكن معظمه يذهب هباء بسبب عدم متابعته ورعايته بالري والمعالجة والتقليم. وماينطبق على الأشجار المثمرة والغابات، ينطبق على الأعشاب والنباتات الرعوية، ففي ظل غياب السياسات وانعدام الخطط وتخلف القوانين الناظمة والحامية لباديتنا، انقرضت أنواع كثيرة من النباتات الشوكية والعشبية التي كانت تغطي مساحات كبيرة من البادية، وذلك بسبب الرعي الجائر وازدياد أعداد الماشية والتلوث الناتج عن المخلفات الصلبة والغازية لآبار النفط والغاز والمكبات، وبسبب الرياح القادمة من الغرب محملة بكل مخلفات المصانع القابعة على أطراف البادية، إن الخلل الذي أصاب الغطاء النباتي في سورية، أدى إلى اضطراب كبير في التوازن البيئي بشكل عام، فانقرضت أنواع من الحيوانات والنباتات، ويسير كثير منها في هذا الطريق، ولن تفلح المحميات المحدثة في الحد من هذا الخلل، طالما أن المبيدات الكيميائية والأدوية الزراعية تعمل بالاتجاه المعاكس، وطالما أن معظم مسطحاتنا المائية ومياهنا الجوفية أصبحت ملوثة، بسبب اختلاطها بالأسمدة المدججة بالسموم، والتي تنتجها وزارة الصناعة، وتعتمدها وزارة الزراعة اعتقاداً منها بأنها ستساعدها في تدارك أخطائها السابقة، وطالما أن النفايات وبحيرات المياه الآسنة المكشوفة والمستورة، أصبحت مصدراً ومنهلاً لغذاء وشرب معظم الحيوانات البرية والطيور المقيمة والمهاجرة، وإلا كيف نبرر اختفاء الغزلان والأرانب والثعالب والذئاب والضباع والصقور وأنواع أخرى لاحصر لها من برارينا المترامية الأطراف؟! إن من يعلل ذلك بالصيد الجائر فإنه يتهرب من قول الحقيقة، لأن الصيد في بلدنا يعد الأضعف في بلدان العالم قاطبة، وهو مكلف، ولاتجيزه القوانين، ولايمارسه بشكله المتوحش إلا حفنة من المسؤولين وأصحاب النفوذ!!، والذين يهربون قسماً منه (الصقور مثلاً) إلى دول مجاورة لقاء أثمان مجزية!!
إن العالم بأسره يتجه الآن نحو الزراعة العضوية، والمكافحة الحيوية للآفات الزراعية، وهذه الأساليب تثبت نجاحاً باهراً يوماً بعد يوم، أما في بلدنا، فما يزال أصحاب الحل والربط مصرين على اعتماد الطرق الأكثر تلويثاً وإضراراً بالبيئة بشكل يدعو للارتياب.
هل تصبح سورية مكباً لنفايات العالم؟
وكان وزير الصناعة السابق، وقبيل التعديل الوزراي بأيام قليلة، قد صرح بأن وزارته تسعى إلى توطين صناعة الأسمدة في سورية، كون هذه الصناعة «حيوية» و «استراتيجية»!! وترافق هذا التصريح مع تسرب أنباء عن سعي إحدى الشركات الصناعية الأمريكية لدفن الأطنان من النفايات في البادية السورية عند ملتقى الحدود السورية الأردنية العراقية، فماذا يفهم من تصريح كهذا ؟ ألا يشير ذلك إلى أن هناك «بعضاً» من المسؤولين يسعون لتمرير صفقات مشبوهة، تحيل برارينا وبوادينا إلى مقلب قمامة، غير معروف إن كانت تحتوي على مواد سامة ومشعة أم لا؟ والسؤال الأهم هو: من الذي يقرر ماهية صناعة ما أهي حيوية واستراتيجية أم لا؟ هل هو مسؤول بذاته، أم استراتيجيات ومنهجيات محددة يقرها مجلس الشعب ومجلس الوزراء بناء على ضرورات موضوعية يفرضها الواقع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المحلي؟
لقد بات من الضروري أن يدرك الجميع في هذا الوطن، وعلى رأسهم المسؤولون، أن سلامة بلادنا ومواطنينا وكرامتهما تبقيان فوق كل اعتبار!!
فالنفايات أصلاً، تشكل لدينا مشكلة كبيرة، وليست هناك مساع حقيقية وجدية لحلها، فكيف إذا تضاعفت وتراكمت في أصقاع بعيدة عن أعين المسؤولين؟ لقد أصبح من الهام التعاطي مع هذه المشكلة الخطيرة بشكل حازم وسريع، خصوصاً وأن معظم مدننا أصبحت أشبه بمقالب قمامة كبيرة!!.
تلوث المدن السورية.. هل بات مستعصياً؟!!
دمشق التي كانت تشتهر بنهرها وغوطتها ونسائمها العليلة، أصبحت اليوم تشتهر بالسحابة الرمادية من الغازات والأبخرة السامة التي تغطي سماءها، وبالتلوث العمراني الذي راح يطبع مبانيها «الحديثة»، وبأحزمة الفقر والصفيح التي تحيط بها من كل جانب، وبدرجات الحرارة المرتفعة التي لاتنخفض فيها صيفاً عن 40 درجة مئوية، وبأمطارها القليلة التي انخفضت في أقل من نصف قرن من 350 مم/ سنوياً إلى أقل من 200مم/ سنوياً، وإذا كان هذا حال دمشق، فحال المحافظات والمدن الأخرى أسوأ وأكثر كآبة، والنتيجة أن مدننا جميعها تعاني من المشكلات البيئية نفسها بدرجات متفاوتة، ابتداءً من تلوث الهواء والذي دخلت في تكوينه عناصر سامة من زئبق ورصاص وأول أوكسيد الكربون، وينتج عن عوادم السيارات وعن المخلفات الغازية لبعض الصناعات الكيميائية (نفط ـ إسمنت ـ أسمدة) وتعد حمص وطرطوس ودمشق المدن الأكثر إصابة بهذا النوع من التلوث، مروراً بالتلوث المائي والذي يطال المسطحات المالية والأنهار والشواطئ، وينتج عن الملوثات الصناعية وعن الصرف الصحي والذي يطلق عليه البعض اسم (صرف مرضي) لأنه حوّل أنهارنا وبحيراتنا وشواطئنا وحتى مياهنا الإقليمية إلى مجمع للسموم، وهذا التلوث يتفاقم بالإضافة إلى دمشق وحمص وطرطوس، في حماة واللاذقية وحلب بصورة رئيسية، وفي كل المدن السورية بشكل عام.
أما التلوث بالمواد الصلبة (مخلفات صناعية ـ نفايات) فقد تجاوزت أضراره المدن، وراحت القمامة تملأ الأرياف والغابات والبادية المحيطة بالتجمعات السكنية الكبرى، في وقت تعجز فيه الحكومة عن القيام بأية خطوة علاجية في هذا الإطار ويعد التلوث السمعي والذي يسببه الضجيج المتعاظم، من أهم ملوثات المدن، لانعكاساته السلبية على الصحة العامة والمزاج الاجتماعي، وهو يتأتى عن هدير المحركات وأبواق السيارات وورشات العمل المختلفة، ويتسبب بنفور الكائنات الحية، وبتوتر نفسي شديد للإنسان، يتجلى بالعصبية وسوء المزاج وقلة النشاط الذهني وضعف الخلق والإبداع، إن الانعكاسات الخطيرة والنتائج الكارثية للتلوث البيئي في سورية، تتطلب بشكل فوري العمل على مايلي:
1 ـ إنجاز دراسات بيئية علمية وموضوعية، تتسم بالشفافية والصدق، ترصد الواقع البيئي في سورية، والأسباب التي أدت إلى تدهوره وتفاقم مشكلاته.
2 ـ اتباع منهجيات واستراتيجيات بيئية، تضع سلامة البيئة الوطنية وسلامة الإنسان في المقام الأول.
3 ـ إيقاف جميع الاهتلاكات الصناعية (اهتلاكات الآلات والآليات والفلاتر) عن العمل واستبدالها بمعدات حديثة ومتطورة، للتخفيف من آثارها الملوثة.
4 ـ إنجاز مشاريع الصرف الصحي المتعثرة، وإيقاف كل اعتداء على الأنهار والبحيرات والشواطئ ومياه البحر.
5 ـ اعتماد وسائل حديثة في حل مشكلات النفايات العضوية والكيميائية واعتبار ذلك مشروعاً وطنياً هاماً لايمكن تأجيله أو الاستخفاف به.
6 إيقاف كل المحاولات الرامية إلى توطين السموم في بلادنا تحت شعارات ومبررات مختلفة، ومحاسبة كل من تلوثت يداه في هذا العمل القذر.
7 ـ وقف كل أشكال الاعتداء على الغابات والأراضي الزراعية والبادية، وعلى أنماط الأبنية التراثية «البيئية».
8 ـ تحمل الحكومة مسؤولياتها فيما يتعلق بالأضرار الكبيرة التي لحقت بالناس وبحقولهم ومزروعاتهم نتيجة التلوث.
9 ـ اتخاذ إجراءات صارمة تجاه كل خطر بيئي، داخلي أو خارجي، يتهدد سلامة هوائنا وترابنا ومياهنا ومواطنينا.
التلوث.. مشكلة طبقية بامتياز
إن مشكلة التلوث،في الغالب، هي من صنع الرأسمالية، فرضتها وسائل وعلاقات إنتاجها وفاقمتها وتفاقمها طبيعتها الجشعة، ومن المفيد التأكيد هنا أن مشاكل التلوث تعاني منها الدول الفقيرة والمتخلفة أكثر مماتعاني منها الدولة الغنية والصناعية، ويتأثر بها الفقراء في شتى أنحاء العالم، أكثر مما يتأثر بها الأغنياء، وكذلك الحال في بلدنا، فالعمال والفلاحون والرعاة وصيادو الأسماك والعسكريون هم الذين يدفعون ضريبة التلوث بأشكاله المختلفة، وينعكس ذلك على صحتهم وصحة أبنائهم مرضاً وفقراً وجوعاً وجهلاً، أما الأغنياء والمسؤولون والمتنفذون المسببون الأساسيون للأضرار البيئية، فإنهم ينأون بأنفسهم وبأبنائهم وذويهم عن الآثار التلوثية، ويعيشون في الضواحي النظيفة، يأكلون طعاماً صحياً، ويشربون المياه المعدنية الخالية من السموم، ويسكنون في قصور تحيط بها الأشجار والأزهار، وعند الضرورة، لاأسهل عليهم من حمل ثرواتهم وأموالهم والرحيل إلى أماكن آمنة، تاركين «الشقا لمن بقى» كما يقول المثل الشعبي.
أجراس الإنذار
تقع سورية على أطراف الصحراء العربية، و تصنف 50% من أراضيها ضمن المناطق شبه الجافة، ومع التغيرات الكبيرة التي أخذت تطرأ على الكوكب، فإن مخاطر الجفاف والتصحر تزداد في بلدنا باطراد، ورغم كل هذا الخطر المستجد، فإننا مازلنا نسمع عن أسمدة ملوثة توزع على الفلاحين، وعن سفن محملة بالنفايات تغرق قبالة سواحلنا أو تلقي حمولاتها الملوثة في موانئنا، وعن مقابر للنفايات في باديتنا، وعن ملوثات جديدة مجهولة المصدر تلوث مياهنا وتربتنا وهواءنا، بينما لانسمع شيئاً عن إجراءات تقوم بها وزارة الصحة أو وزارة البيئة لمعالجة الآثار الناتجة عن التلوث، علماً أن هذه الآثار التي أخذت تفتك بالناس وبالطبيعة وبالحياة البرية، النباتية والحيوانية، وصلت إلى مراحل خطيرة ومتقدمة، وربما سيصبح من الصعب السيطرة عليها مستقبلاً، إن نحن تلكأنا الآن في القيام بواجباتنا البيئية.
إننا نحتاج إلى إنجاز مشروع بيئي وطني كبير، يضمن استمرار الحياة بكافة أشكالها في بلدنا، بغض النظر عن تكاليفه، لأنه مهما كانت المبالغ التي سندفعها في هذا الإطار، فإنها سترتد خيراً وأماناً وسلامة على الوطن وعلى أبنائه جميعاً، فهل ستسمع الجهات المعنية صوتنا أم أنها ستستمر في تخبطها بانتظار فرج يأتي من غامض علمه؟
■ جهاد أسعد محمد
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 232