من علمني حرفا، صرت له عبدا..

رحم الله قائل هذا العبارة. والتي تشير إلى الأخلاق التي كان يحملها في الزمنالذي قيلت به. والتي نحتاج إليها كثيراً في هذه المرحلة الصعبة من حياتناوظروفنا التي تعاني منها بلادنا العربية بشكلٍ عام وبلدنا الحبيب سورية بشكل خاص.

إن الحالة المزرية التي وصل إليها المعلم والمعلمة وعلى مختلف الصعد، ورغم المرارة والظلم والإجحاف التي يعاني منها، مازال يحمل الشمعة التي تنير الدرب للأجيال القادمة..

فلو نظر أحدٌ منا إلى ما يعانيه العاملون في سلك التعليم، لتحقق من صحة ما سأطرحه. وأخص بالذكر هنا المعلمة، فهي على كثرة القواسم المشتركة التي تجمعها بزميلها المعلم إلا أنها تنفرد بمجموعة من الخصائص المعذبة لا تشترك بها إلا مع زميلاتها العاملات في الدولة. 

فالمعلمة التي تعمل خمس أو ست ساعات، تعود لمنزلها مرهقة، مهدودة الحيل، ومع ذلك تهرع للاهتمام بشؤونه (تحضير طعام، غسل ملابس، كيّها، تنظيف المنزل، الاهتمام بتدريس أولادها ووظائفهم ومذاكراتهم...) فهل يبقى لديها الوقت الكافي لتطور نفسها وتواكب العلم والثقافة ؟

ما ذكرته من عذاب ومعاناة لا يأتي نقطة في بحر معاناتها داخل مدرستها، وخاصة منهنّ المعلمات المعطاءات الشريفات اللواتي لا يقبلن مهما تقدم بهن العمر إلا العمل والعطاء... وما أكثرهن في بلادنا... رغم أنهن ضائعات بين الأخريات من زميلاتها اللواتي يتباهين بأنهن جاهلات لا يمكن لهن دخول الصف ويعتبرن دخول الصف ذلاّ حقيقياً لهن.

لذا يلجأن للوساطات لنيل أماكن مريحة في المدرسة، من موجهات وأمينات سرّ ومعلمات احتياط ومشرفات اجتماعيات أو صحيات أو مشرفات ساحة وغير ذلك من تسميات ابتدعتها العقلية البيروقراطية لمديريات التربية في أغلب المحافظات... ومن نافل القول أن أغلب هذه الأعمال خلّبية وهمية لا وجود لها على أرض الواقع.

ومن الطبيعي أن تخلق هذه (الوظائف) البيروقراطية صراعاً بين هذين النوعين من المعلمات. وعلينا أن نعترف بأن غلبة الصراع دائماً تكون للطرف الأقوى. ولا ضرورة لذكر من هو الطرف المنتصر في هذه المعادلة. فتعود المعلمة المغلوبة إلى بيتها مكسورة الخاطر كل يوم، مشفوعة بالتعليقات من النوع الذي يجلب الكدر والهم على مبدأ (فوق القبر عصّته) فهي لا تعرف كيف تدبّر رأسها، ولا تملك واسطة، غشيمة، دبة شغل، فقيرة، انظروا إليها فهي لا تبدّل ثيابها كل يوم، ولا تلبس مجوهرات... وغير ذلك. 

وأيضاً من نافل القول التذكير بأن إدارات المدارس والتي تُعيّن بطرق باتت معروفة للقاصي والداني، لا يهمها في الوجود إلا البقاء في مناصبها أسوة بأغلب المسؤولين في هذا البلد. وبالتالي فإن هذه الإدارات آخر ما تفكر فيه هو مصلحة الطالب. وطبعاً لا يمكن أن ننسى أن المعلمة غير الملتزمة بعملها، تحظى برضى إدارتها ومديرها أكثر من المعلمة الملتزمة. شأنها في ذلك شأن مثيلاتها في أغلب دوائر الدولة. 

وسط هذه الأجواء المحمومة تأتي علينا مقالة الأستاذ عيسى سامي المهنا في جريدتكم الغراء «قاسيون» العدد رقم /230/ تاريخ 23/9/ 2004 بعنوان «تخبط في استراتيجية التربية السورية» لا سيما الفقرة الخامسة بعنوان : «نوعية المدرسين في المرحلة الابتدائية» والتي تناول فيها خريجات الصف الخاص (دار المعلمين) من حملة الشهادة الثانوية الفرع الأدبي... متهماً إياهن بضعف القدرة العلمية لهن خاصة في المواد العلمية والتي أدّت لإنتاج جيل مرتبك علمياً مشوّه معرفياً فاقد القدرة على المحاكمة العلمية... إلخ. 

لقد شعرت بالألم من جرّاء قراءتي لما سلف ذكره. بحثت بين ثنايا السطور علّني أجد تحية، همسة شكر للمعلم المخلص في عمله، لكن للأسف لم أجد!

خريجو وخريجات الصف الخاص يا أستاذ! أعطوا وأبدعوا وخرّجوا أطباء ومهندسين وضباطاً... تفخر بهم بلدنا. مع التنويه أنه ليس عيباً أن يحمل الإنسان شهادة البكالوريا (الأدبي) بدرجات متدنية، لكن العيب هو البحث في موضوع دون التعمق به وإعطائه حقه من المعالجة والتحليل... فكم من معلم ومعلمة قرأ مقالك وأحسّبجرح عميق ؟ وكم منهم لم يبالِ ؟ لكن دعنا نخاطب من يبالي منهم ونتفق أنه ليس كل من حمل شهادة بدرجات عالية هو متفوق في مجالات حياته. وكلنا يعرف كيف يمكن للطالب أن يحصّل درجات عليا في امتحاناته ولن أستفيض. 

كنت أتمنى عليك أن تثني على من يستحق الثناء من المعلمين والمعلمات. أن تشد على أياديهم ولو بالتلميح، وتنثر عليهم أجمل تويجات الورود. أن تعترف بأن ثمة في هذا البلد من يتفانى في سبيل نشر العلم والمعرفة.

أخيراً أقدّر لك البحث الذي تناولت به واقع التعليم في سورية، آملة في قادم الأيام إنصاف المعلمين والمعلمات وباقي فئات الشعب.

وأدعوك للإنشاد معنا:

قم للمعلم وفّه التبجيلا

                                  كاد المعلم أن يكون رسولا

 

■ المعلمة : نزهة نصور

معلومات إضافية

العدد رقم:
232