جهينة جهينة

بعد تخسير قطاع الدولة: وزير الاقتصاد يدعو القطاع الخاص لقيادة عملية «التنمية»

 أول تصريح أدلى به وزير الاقتصاد السوري الدكتور غسان الرفاعي تم في لندن حيث نشرت كلماته في مجلة «أكسفورد بزنس غروب» ثم ما لبثت الصحف السورية والعربية أن تلقفت ذلك التصريح، وتلك الكلمات تلقف «المتلهف»، وأعطتها مكاناً مميزاً، والتلهف هذا لأن الدكتور الرفاعي الذي تسلم حقيبة الاقتصاد في وزارة الـ د. محمد مصطفى ميرو في كانون الأول الماضي، لم يصل حتى الآن إلى دمشق..!
ومع أن د. الرفاعي وزير الاقتصاد حاول أن يوازن بين الثلاثين عاماً التي أمضاها في «البنك الدولي»، والثلاثين عاماً التي يفترض أنه أمضى أغلبها في سورية.. إلا أن هذا التوازن في حديثه قد فشل في بعض المواقع ونجح في أخرى…

 الجسور.. المصاعب
كانت الأولوية في حديث وزير الاقتصاد لـ«بناء جسور قوية ومؤثرة بسرعة مع العالم الخارجي»، وبالطبع فإن ذكر هذا الموضوع في بداية حديثه يعني أنه يريده أن تكون له الأولوية للحكومة وللدولة ككل، بشكل يتخطى كل المصاعب التي يمكن أن تعترض هذا الطريق!، وبرأيه مع أننا يجب أن نصون المصلحة الوطنية إلا أن هذا «يجب ألا يمنعنا من المضي قدماً»، والكلام للدكتور الرفاعي.
وفي المجال الاقتصادي، أكد السيد الوزير على ضرورة تحقيق نمو اقتصادي بمعدلات مستقرة ولابد لذلك ـ برأيه ـ من «تعزيز مساهمة القطاع الخاص المحلي والأجنبي لإعطائه الفرصة لقيادة عملية النمو»، ونحن نعلم أن النمو الذي نرغب فيه جميعاً ليس هدفاً بحد ذاته بقدر ما هو أداة لتحسين مستوى معيشة الأفراد… أي أننا يجب ألا نتعامى عما يمكن أن يصيب اقتصادنا من مشاكل تأتينا عبر شعار «النمو». فالغاية لا تبرر الوسيلة ولا مدلول لتحسين نسبة النمو إن لم تنعكس على تحسين مستوى معيشة الأفراد إن معدل النمو الذي يجب أن نصل إليه يحتاج إلى استثمارات من أنواع مختلفة لا يقوى عليها القطاع الخاص، لا بل إنه لا يرغب بها، كالتوظيف مثلاً في البنى التحتية، الأمر الذي يتطلب رأسمالاً ضخماً ومردوده سيكون ضعيفاً.. أضف إلى ذلك، فإن قيادة عملية النمو من قبل القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي لم تنجح ولا بأي مكان من العالم الثالث، وتجارب الشعوب شاهدة على ذلك، لهذا فإن الخضوع لهذا المنطق غير السليم سيشوه عملية النمو، ولن يحولها إلى تنمية، إن لم يحولها أساساً إلى وهم لا يُطال، وكما يقول بسمارك: «الغبي هو من يتعلم من تجربته، أما أنا فأفضل أن أتعلم من تجربة غيري»..

التحديات.. ،السيادة الوطنية
ثم تناول د. الرفاعي مجموعة من التحديات الاقتصادية، أولها وأهمها برأيه هو موضوع البورصات والتعاملات المالية التي تشكل ما يسمى القطاع المالي فركّز في حديثه على ضرورة القيام بـ «تركيز خاص على القطاع المالي الذي يقود إلى قطاع مصرفي كاف ومؤثر، لدعم عملية النمو الاقتصادي».
وبربط هذه القضية مع النقطة التي سبق الإشارة إليها، والتي تقوم على تسليم القطاع الخاص قيادة عملية النمو فإننا سنصل إلى ضرورة تسليمه القطاع المالي المرتبط بالضرورة وبشكل مباشر مع رأس المال العالمي الذي «خرّب الكثير من البيوت العامرة» والذي يعني التخلي عن السيادة الوطنية.
والنقطة الثانية التي أشار إليها في مواجهة التحديات هي «عملية إصلاح القطاع العام»…« ليكون قادراً على العمل وفق مبدأ الربحية والشفافية».. ولعل ما يجب لفت النظر إليه هنا هو الفارق الكبير بين الربحية والريعية التي تتطلب تحديد نسبة الربح على رأس المال الموظف، مما يتطلب تحديد مصدر هذا الربح أي: هل سيأتي هذا الربح عن طريق خفض التكلفة؟ أي عن طريق رفع إنتاجية العمل التي تأتي عبر توظيفات جديدة فيما يخص استخدام طرائق إنتاج متقدمة علمياً، أو فيما يخص تحسين الأجور؟ أم أننا سنرفع السعر على حساب المواطنين؟ وللسوريين تجربة مريرة في ذلك إذ أنه عادة كل ما أُعطى لهم باليمين عبر رفع الأجور أو غيرها من الوسائل التي يفترض أن تحسن الدخل أُخذ منهم بالشمال عبر رفع الأسعار ، لذلك فمن المهم هنا تحديد مصادر الربح الذي نبغي تحقيقه.
ثم إننا إذا أردنا أن نصلح القطاع العام بجعله يعمل وفق مبدأ الربحية فهذا يعني أنه كان يعمل بخسارة، والجميع يعلم أن القطاع العام لم يكن يعمل يوماً وفق مبدأ الخسارة تلك التي أٌجبر عليها عبر امتصاص فوائضه والتعامل معه بشكل واع ومخطط مؤداه الوصول إلى «تخسيره».
والنقطة الثالثة التي برزت في حديث د. الرفاعي عن التحديات هي «العمل بسرعة وبفعالية في إطار التجارة الخارجية بما في ذلك اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وتطوير العلاقات الاقتصادية الثنائية مع المؤسسات المالية الدولية والإقليمية»
وبرأي د. الرفاعي أن أهمية اتفاق التجارة مع الاتحاد الأوروبي تأتي أولاً من كونه يشكل السوق الرئيسية للصادرات السورية، ولابد من أن نشير هنا إلى أن تلك الصادرات تتشكل بمعظمها من النفط والنفط هو تلك المادة الوحيدة التي لا تدخل في تلك الاتفاقيات لا من بعيد ولا من قريب (سواء مع الاتحاد الأوروبي أو فيما يخص اتفاقيات منظمة التجارة العالمية) ثم إنه ليس من الطبيعي أن تقوم اتفاقية ما لمصلحة الطرف الضعيف على حساب الطرف القوي، وبأفضل الأحوال فإن التعادل في المكاسب إلى حد ما، أو حتى تقليل الخسائر إلى الحد الأدنى يحتاج إلى قدرة تفاوضية عالية نتمنى أن يمتلكها الوفد السوري المفاوض هناك!
وباعتبار أن الرسوم الجمركية المفروضة على الحدود بين الدول تعرقل مسيرة الحرية في المبادلات الدولية، تلك الحرية التي لا بد أن تهم وزيرنا نتيجة اهتمامه بالعلاقات مع الخارج، لذلك فمن الطبيعي أن يقترح الدكتور الرفاعي تخفيض تلك الرسوم الجمركية. وهنا لا بد من القول بأنه يتوجب على المختصين دراسة الموضوع بتأن، وملاحظة فيما إذا كان تخفيض الرسوم الجمركية سيؤدي إلى تقليص الفاقد الجمركي الذي يقدّره الاختصاصيون بمليار دولار بالمقارنة مع ما تحققه لبنان من عوائد من الرسوم الجمركية.

الحلقة المفرغة
وبرأي وزير الاقتصاد فإنه يجب ألا نجري تخفيضات جمركية بالجملة، بل أننا «يجب أن نكون انتقائيين في ذلك، عبر اختيار المواد التي تؤدي إلى خفض كلفة الإنتاج الصناعي الموجه خصوصاً نحو التصدير» ولكن هذا الانتقاء لأجل عيون التصدير يعني أننا نضع أملنا وتطلعاتنا على السوق الخارجية، وإذا فعلنا ذلك واعتمدنا على السوق الخارجية بشكل أساسي لتصريف إنتاجنا، فإننا سندخل في حلقة مفرغة تربطنا مع الخارج ربطاً محكماً لا فكاك منه..
أما إذا اتبعنا سياسة أجرية سليمة ترتبط مع السياسة السعرية بهدف تحسين المستوى المعيشي فعندها نستطيع أن نضمن قوة شرائية قادرة على تصريف إنتاجنا في السوق الداخلية، ونبقى أصحاب إرادة حرة تتناسب مع مواقفنا وطموحاتنا.
وبالنسبة لكلام وزير اقتصادنا د. الرفاعي حول ضرورة تحسين نوعية التعليم، ورفع مشاركة النساء في المجتمع والتنمية، فنحن نشد على يده ونتمنى أن يصل إلى دمشق… قريباً…

معلومات إضافية

العدد رقم:
167