الحجر الأسود سوق سيارات بين دمشق وريفها

يوجد سوق لبيع السيارات منذ أكثر من عقدين في منطقة الحجر الأسود في الريف القريب لمدينة دمشق، ورغم إغلاقه في فترة خلال الثمانينات، فقد عاد للعمل في التسعينيات ولازال مستمراً حتى الآن.

مبررات كافية للابتزاز في البداية كان الشارع ضيقا جداً ومع تنظيمه أصبحت معالمه واضحة، فهو امتداد لنهاية شارع الثلاثين، وما إن تصل إلى السوق حتى تجد صفين من مكاتب السيارات، يقدر عددها بأكثر من مئة وخمسين محلاً على جانبي الطريق، وفي هذه المعارض الصغيرة والكبيرة تجد جميع أنواع السيارات القديمة والحديثة.

الغريب في هذا السوق الواحد أنه مقسم تنظيمياً بين محافظة ريف دمشق ومحافظة دمشق، والتدخل من قبل هاتين الجهتين وارد في كل لحظة، وأسباب هذه التدخلات حسب قولهم هو استغلال الرصيف والطريق من قبل أصحاب المكاتب، وتهرب البعض من الضرائب، وهذه مبررات كافية لابتزاز أصحاب المعارض تحت حجج أخرى أكثر إقناعاً، وهي السهر على راحة المواطنين، وبشهادة العديد ممن التقيتهم في السوق، أكدوا بأنه كانت تحصل سابقاً بعض المشاحنات في السوق من قبل بعض الشبان، لكن الأمور اختلفت اليوم وهناك شبه اتفاق ضمني بين السكان وأصحاب المكاتب ليبقى الوضع على حاله، يحدث بعض الإزعاج والضجيج للأهالي لكنه لم يصل لحد إغلاق السوق نهائياً، وفي الآونة الأخيرة انتشرت بعض الأخبار حول احتمال نقل السوق إلى مكان آخر، لكن السؤال المهم كيف يمكن للدولة تأمين المكان البديل المناسب لهؤلاء، ويبدو السوق مجمداً في الآونة الأخيرة من كثرة القرارات الصادرة مؤخراً، والتي لم تفسّر وكانت كالطلاسم لأصحاب المكاتب.

الحلم المسمى «سيارة»

 الحلم الذي يسمى في سورية «سيارة» والذي اقتصر لفترة طويلة على طبقات وفئات اجتماعية معينة مازال حتى اللحظة حلماً، والسيارات موزعة في الدولة وخارج الدولة حسب أبجدية اخترعها البعض ونحن استسلمنا لها، وهذا السلم الاجتماعي مقسم حسب المال والنفوذ ويدرك هؤلاء جميعاً أنه يمكن قياس احتمال الحيازة على سيارة ومستواها بمقياس قربك من مراكز صنع القرار وتنفيذه، ومدى ملائمة توجهاتك لهذا المركز وذلك طبعاً على حسابنا نحن «الشعب» ويدرك هؤلاء تماماً من أين يحصلون على قسائم بنزين سياراتهم.

ولازال حلم شراء سيارة يدغدغ مشاعر ملايين السوريين دون أن تقوم الدولة بحل المشكلة، ولم توضح القرارات الأخيرة المشكلة ولم تضع حلولاً مناسبة ليبقى الجميع يتخبطون دون أن يدركوا ما يجري؟

القرارات «الطلاسم»

منذ عقود والسوريون يحلمون بشراء سيارة كما في الدول المجاورة لكن هذا الحلم لم يتحقق حتى اليوم برغم من صدور العديد من القرارات في الفترة الأخيرة، سواء من رئاسة مجلس الوزراء أو وزارة النقل أو وزير المالية أو إدارة الجمارك فكل هؤلاء في وادٍ والمواطنون في وادٍ آخر ويسمى أصحاب المعارض هذه القرارات «الطلاسم».

مستهدف من أصحاب النفوذ

 وتحتدم النقاشات في سوق حجر الأسود للسيارات بين أصحاب المكاتب يومياً حول السوق تحديداً ونقله إلى جهة غير معلومة، والبعض لم يخف مخاوفه من أن يصبح هذا السوق الشعبي كما يسمونه مستهدفا من قبل أصحاب النفوذ. أصبح هذا المكان من الحجر الأسود سوقاً للسيارات منذ أكثر من خمس وعشرين عاماً، علماً أنه تم ترخيص هذه المكاتب من قبل محافظة دمشق وريف دمشق أي السوق رخّص مناصفة بين هاتين المحافظتين.

«شأن الحكومة»

 يقول السيد أمين المولود في هذه المنطقة والذي يملك مكتباً لبيع السيارات تحت منزله:

سوق الحجر أصبح معروفا في كل سورية، ومنذ قيام هذا السوق أصبحت هذه المنطقة أكثر أمانا ولو وجدته غير ذلك لرحلت منه، وكما ترى في معرضي والمعارض الأخرى لدينا سيارات بسيطة ننتظر طويلاً لبيع أحدها، وأرباحنا بسيطة جداً، ولا يوجد هنا مكتب لا يعمل فيه شخصان وثلاثة وهذه تعتبر فرص عمل جيدة لبعض الشباب.

أبو أيهم يعمل موظفاً في أحد المكاتب، في البداية رفض الحديث دون علم معلمه، ومن ثم وافق: تحصل أحيانا بعض الاختناقات المرورية بسبب الزحمة الشديدة، لاسيما في ساعات المساء ونحن نضطر لاستخدام قسم من الرصيف لأن المعارض هنا صغيرة لا تستوعب أعداد السيارات المعروضة في السوق، وأما نقل السوق والتعويض المناسب لأصحاب المكاتب فهو «شأن الحكومة».

سوق الدراويش

السيد بسام: هذا سوق الدراويش والأسعار معقولة نسبة للمعارض الكبيرة، وأغلب السيارات قديمة، ويستغرب البعض أن تباع سيارة في هذا السوق بمليون ليرة سورية بينما في أسواق الدول المجاورة قد تباع السيارة بنفس المواصفات بأقل من خمس وسبعون ألف ليرة سورية، أعتقد بأن هذا يعود للدولة، وطريقتها في التعاطي مع موضوع السيارات، ولسنا نحن أصحاب المكاتب ولا المواطن من يتحمل مسؤولية هذه الأسعار. ولن تجد من يمانع بنقل هذا السوق إلى مكان قريب من دمشق بشروط مناسبة لكن ليست عملية نقل هذه المكاتب سهلة والدولة غالباً لا تستطيع تعويضنا تعويضاً مناسباً.

لعبة الأسعار تحتكرها الدولة والتجار الكبار

أبو محمد صاحب معرض ومكتب قاطن في المنطقة يقول: عملت في عمان لمدة عشر سنوات، والسوق كما ترى بسيط والموقع جيد والناس يترددون عليه دون عناء قد تكون هناك بعض المتاعب للأهالي فيما يتعلق بالأرصفة والازدحام أو الضجيج أحيانا إلا أن فوائده أيضا كثيرة، وهذه المنطقة انتعشت عموماً بسبب السوق، فعندما يعمل السوق هنا يستفيد الجميع لأن الجميع يبيع ويشتري والخير في النهاية يعود على الجميع ولا أرى مشكلة في أن يبقى السوق في مكانه، وما المانع أن تسمح الدولة بفتح المكاتب في كل المناطق، ولعبة الأسعار ليست بيدنا إنما تحتكرها الدولة وبعض التجار الكبار، والسيارات الموجودة في المستودعات الوهمية، وكذلك الضرائب الجنونية التي تضعها الدولة هي المسؤولة عن تدهور السوق وهذا الارتفاع الجنوني بالأسعار، علما بأن الإعلام عندنا يوحي للمواطن عكس ذلك وكأن الأسعار هبطت والأمور على ما يرام لكن الواقع عكس ذلك تماماً.

الدولار واليورو والين

 أبو أحمد: أنا الحقيقة لم أفهم القرارات الأخيرة بخصوص السيارات لأنها غامضة وغير مفهومة وليست واقعية وكذلك مسائل التسعير حيناً بالدولار وآخر باليورو والين، وفي النهاية نحن أصحاب هذه المكاتب وكذلك المواطن الدرويش ضحية لهذه اللعبة، وفي الآونة الأخيرة تشكلت لدينا مخاوف جدية حول ما يجري السوق وما يجري وراء الكواليس، علماً أن الأسعار تقريبا على حالها ولم تتغير، وكل ما قيل عن الأسعار وإلغاء الوكالات وغيرها ليس واقعياً، لأنه لازالت هناك سيارات تباع بالملايين، ونحن نبيع هنا هذه الخردة القديمة مع بعض الانكماش والبطء في البيع والشراء، ويقال بأن حمشو سينزل شريكاً مع أحد الشركات الصانعة للسيارات في سوريا خلال العام القادم، وقد يصل إنتاج الشركة إلى 15 ألف سيارة سنويا هذا ما عدا السيارة السورية المنتظرة منذ عشرون عاما، نحن أمام مستقبل قاتم.

لا ينتظرون إدارة الجمارك

سليمان: لا تصدق بأن الأسعار اليوم اختلفت كثيرا عن السابق، الوضع كما هو، والناس هنا يفكرون بطريقة أبسط في مسائل البيع والشراء، ولا ينتظرون إدارة الجمارك ووزارة المالية وغيرها لتخمين الأسعار، لأن الجميع هنا لديهم الخبرة في تقيم قيمة سياراتهم وبيعها وأنا لا أملك مكتب هنا وأبيع واشتري عند طرف السوق دون تدخل من أحد أصحاب هذه المكاتب، السوق ضيق ولم أشاهد مشاجرات بين السكان وأصحاب هذه المكاتب طيلة فترة وجودي هنا.

أبو رؤوف يقف في طرف السوق ويبيع سيارته الشخصية يقول: بصراحة لست مضطراً لدفع مبلغ للمكاتب لقاء بيع سيارتي وأنصحك بهذه السيارة فهي من موديل 1977 ورسومها خفضت مؤخراً وهي تناسب عائلة صغيرة وسعرها 225 ألف ليرة سورية فقط ،أين هي الرخصة وانخفاض الأسعار وهذه السيارة بيك اب موديل 77 وبهذا السعر إنها السيارة الحلم في سورية.

أبو وائل سائق تكسي: أعتقد أنه من غير المنطقي بقاء السوق في هذا المكان المزدحم وبهذه العشوائية الواضحة يجب تنظيم السوق أكثر ريثما يتم نقله إلى مكان أفضل وكما يقولون قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق.

السوق نار مولع

أبو سامر بائع السندويش يقول هامساً في أذني: أنا لست هنا بمهمة، وأعمل هنا منذ عدة سنوات لم أشاهد مشاكل كبيرة بين أهل الحي وأصحاب المحلات، لكن لا يخلو الأمر من بعض المشاجرات التي تكاد تكون يومية وتعود مسؤوليتها على بعض الشبان المراهقين ولم أسمع بأن الجيران تضايقوا أو قدموا شكوى بهذا الخصوص. مصطفى وشادي أخوان يبيعان المشروبات الغازية في السوق وحسب قولهم السوق نار مولع وحلب أرخص من هنا.

لا ضرر ولا ضرار

عبد القادر أحد سكان المنطقة: منذ سنوات كانت تحصل هنا مشاكل يومية بين السكان وأصحاب المكاتب بسبب الضجيج والأصوات العالية الصادرة من السوق لكن اليوم الأمور أفضل، لكن الأحسن لكل الأطراف هو نقل مثل هذه الأسواق إلى خارج المناطق السكنية حفاظا على راحة الجميع، وهذه مهمة الجهات التي فتحت هذا السوق وكذلك مطلوب منها إيجاد الحل المناسب الذي يرضي جميع الأطراف، المهم هو عدم إلحاق الضرر بهؤلاء ومصالحهم أي لا ضرر ولا ضرار.

قوانين تخدم «أولاد الحلال»

الدول تضع قوانينها لتسهل على نفسها سبل العيش أما عندنا فالأمور مختلفة، فكأن هناك من يبحث عن المشكلة لكي تصبح مورداً لرزقه الفاسد. أليس الحل في قطع الطريق على هذا الرزق الفاسد أو «المال الحرام« عن طريق قوانين تخدم «أولاد الحلال» كما يقول أولاد السوق. إن وضع هذه القوانين التي أصبحت بالية أصبح بحاجة للتغيير، فكيف لمواطن أن يعيش في الألفية الثالثة وهو يعلم بأن الضرائب الذي سيدفعها مقابل امتلاك سيارة من القرون الوسطى، تساوي ضرائب عدة سيارات في دول أخرى تجدد قوانينها بما يتناسب مع الأوضاع الحالية.

■ تحقيق: إبراهيم نمر

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
227