محافظة دمشق تسن القوانين في خان سليمان باشا: هدم على رؤوس الفقراء.. وسياحة لتجار العقارات

يقول لي أحد الأصدقاء (وهو بالمناسبة محق في قوله) أن التصميم الهندسي لبناء المحافظة تصميم معقد بحيث يخلو من أية ذائقة معمارية، كما أن الداخل إلى هذا المبنى يشعر بالرهبة والغربة لكثرة السراديب المفضية إلى غرف موظفي البناء.

ليست المشكلة هنا هي «فوبيا محافظة دمشق» التي طالت صديقي المسكين، كما أن تعديل شكل المبنى لن يساعد على حل الملفات المتراكمة بعهدة المحافظة حتى لو استبدل بقصر الإليزيه، ولكن جل ما يتمناه المرء في حال كان توصيف صديقي دقيقاً، ألا يكون أداء محافظة دمشق والتزامها بتنفيذ القوانين على نفس شاكلة تصميم المبنى المذكور.

إذ إنه من المستغرب أن تخرج القرارات والإنذارات من مكاتب المحافظة المحسوبة على السلطة التنفيذية، لتقطع أرزاق الناس وتضعهم في مصاف العاطلين عن العمل ومعظمهم من محدودي الدخل، دون أن يتمكن القانون نفسه من حمايتهم من المخولين بتنفيذ القانون.. في خان سليمان باشا حدث ما يشبه ذلك:

إخلاء غير مبرر

مئة وخمسون أسرة تعتاش من المحلات التجارية الكائنة في العقار رقم 875 والمعروف بخان سليمان باشا في سوق مدحت باشا يملك معيليهم تلك المحلات منذ عشرات السنين ،إلى أن صدر المرسوم رقم 685 لعام 1975 الذي قضى باستملاك الخان المذكور بكافة مقاسمه وذلك بغية تخصيص الخان كسوق للصناعات الجلدية، وبعد أن تمت إجراءات الاستملاك ونقل ملكية الخان إلى المحافظة أجّرت الأخيرة تلك المحلات إلى شاغليها الأساسيين لقاء بدل إيجار باسم عائدات أملاك عامة مما جعل العلاقة ما بين الأصحاب السابقين للمحلات والمحافظة علاقة إيجارية. وعلى أثر ذلك اضطر شاغلو المحلات للقيام بترميم وصيانة محلاتهم على نفقتهم الخاصة وقام معظمهم بتغيير مهنته إلى ما يتصل بالصناعات الجلدية.

وبالرغم من اكتساب شاغلي محلات الخان صفة المستأجرين وعلى الرغم من تخصيص المحافظة عقاراً في شارع الثورة لأصحاب محلات سوق الخجا المختصين بالصناعات الجلدية، وجهت المحافظة إنذاراً بالإخلاء لأغراض الهدم بتاريخ 14/2/1998 إلى شاغلي المحلات الذين فوجئوا بالإنذار لعدم جود أي سبب لإخلائهم خاصة بعد افتتاح سوق الخجا الجديد.

إنذار بالإخلاء:

على أثر الإنذار الموجه لهم لجأ شاغلو المحلات في خان سليمان باشا إلى محكمة القضاء الإداري بدعوى تضمنت طلبا بإلغاء الإنذارات الموجهة لهم بالإخلاء وكذلك إبقائهم في محلاتهم مع إبداء استعدادهم جميعاَ لتغيير مهنهم وتجارتهم إلى الصناعات الجلدية في حال طلب منهم ذلك أسوة بشاغلي عقارات خان الزيت ومنطقة تنظيم عرنوس.

وبنتيجة ذلك أصدرت المحكمة حكمها بتاريخ 8/5/2001 الذي قضى بقبول دعوى إيقاف إنذارات الإخلاء الصادرة عن المحافظة شكلاً ومضموناً بشرط أن يلتزم الشاغلون بتنظيم عقود استثمار مع المحافظة لتخصيص السوق للصناعات الجلدية.

وبذلك أقرت المحكمة بحق الشاغلين في البقاء في محلاتهم واكتسب حكمها الدرجة القطعية. إلا أن محافظة دمشق لم تستسلم للحكم!.

صيام عن العمل

بالرغم من أن قرار المحكمة كان قطعياً وذلك بعد رفض الطعن الذي قدمته المحافظة بالقرار لدى المحكمة الإدارية العليا، وبالرغم من أنه كرس حق شاغلي الخان بالاستمرار بالإشغال وبتنظيم عقود استثمارية إلا أن المحافظة على ما يبدو كانت مصرة لأسباب لا نعلمها على تهجير الشاغلين من محلاتهم وتحويلهم إلى بائعي بسطات على الأرصفة. فكان أن بدأت تماطل وتماهل في تنفيذ القرار وتنظيم العقود مما اضطر بعض الشاغلين إلى توجيه إنذار عدلي من أجل تنفيذ الأحكام الصادرة دون أن يتغير في الأمر شيء إلى أن عمدت المحافظة إلى توجيه إنذار جديد لجميع الشاغلين تدعوهم فيه مجدداً لإخلاء محلاتهم وقرنت هذا الإنذار بختم المحلات بموجب ضبط رسمي مما حال بين أصحاب المحلات وبين العمل في محلاتهم وحولتهم إلى عاطلين عن العمل.

ذلك كله جاء في أفضل توقيت بالنسبة لأصحاب المحلات: مع بداية شهر رمضان!.

حلول عبقرية:

تعميم رئاسة الوزراء الموجه لكافة الوزارات والهيئات والمؤسسات وسائر الجهات العامة جاء واضحاً بشان سرعة تنفيذ الأحكام القطعية وخاصة ما يتعلق منها بقضايا الاستملاك مما يجعل الإنذار الأخير الذي وجهته المحافظة مخالفاً لقرار المحكمة ولتعليمات مجلس الوزراء وقد تم عرض الموضوع مجددا على القضاء الإداري الذي أصدر حكمه بفض الأختام ووقف تنفيذ الإخلاء.

ودوماً للمحافظة رأي قانوني: سلكت المحافظة باباً آخر للالتفاف على القضية فعملت على تعديل الصفة التنظيمية للخان إلى صفة سياحية وبذلك سيكون وفق ما وجدت المحافظة كل ما ورد بشأن تخصيص السوق للصناعات الجلدية غير متوافق مع غاية الاستملاك المعدل أي وبمنتهى البساطة سيكون على أصحاب المحلات بدء المشوار من جديد مع القضاء بعد أن انتزعت المحافظة بهذا التعديل الشرط الذي أوجبته المحكمة على أصحاب المحلات كي يبقوا في محلاتهم وهو التزامهم ببيع الصناعات الجلدية.

وبذلك اعتبر السيد المحافظ أن المحافظة لم تمتنع عن تنفيذ الحكم القطعي .

سؤالان أو ربما ثلاث..

من باب الفضول نسأل السيد المحافظ سؤالين اثنين:

 كيف من الممكن أن تقوم المحافظة بإنذار أصحاب المحلات بالخلاء لداعي عدم العقار وتحويله إلى سوق ومن ثم تأتي وتقول في إحدى كتبها: «وباعتبار خان سليمان باشا أثري وذو طراز فني جميل وله قيمته التاريخية فقد تم تعديل المبنى إلى مبنى سياحي» ؟! هل اكتشفت المحافظة أن الخان مبنى جميل فقط حينما أمكن عبر هكذا معلومة تبديل الصفة التنظيمية للخان؟.

 ثم ماذا بشأن أصحاب المحلات، هل ستعدل المحافظة صفاتهم لكي يتوافقون مع الصفة الجديدة؟ هل عليهم أن يغيروا مهنتهم من جديد ؟ هل سيبقى لهم من مهنة أصلاً سوى أن يفرشوا بسطاتهم أمام محلاتهم السابقة ؟

يبقى سؤال أخير هو من باب الفضول أيضاً: هل من ثأر شخصي ما بين المحافظة وأصحاب المحلات حتى تصر كل هذا الإصرار على تهجيرهم من محلاتهم في حين أنهم موافقون على تغيير مهنتهم مهما كانت المهنة الجديدة التي تقررها ،مع العلم أن المحافظة إذا ما استولت على المحلات ستقوم بطرحها مجدداً للاستثمار عن طريق المزاد العلني ؟ أليس أصحابها هم من أولى بها في هذه الحالة؟ نأمل ألا يكون للمقاولين دور في هذا المجال كما نأمل ألا يكون لشكل المبنى أية صلة بالأمر..

 

■ المحرر

معلومات إضافية

العدد رقم:
227