نجوان عيسى نجوان عيسى

قراءة في المسودة الجديدة لمشروع قانون الأحوال الشخصية.. هل نتوقف عن الحلم بقانون أحوال شخصية موحد؟

شكل إعلان مسودة مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي كان قد تم تسريبه بتاريخ 5/4/2009 صدمة كبرى لقطاعات واسعة من المجتمع السوري. وربما كان أخطر دلالات ذلك المشروع على الإطلاق هو وجود أشخاص على هذا القدر من عدم الإيمان بمفهوم المواطنة قريباً من مواقع صنع القرار في البلاد. وتم حينها سحب المسودة من التداول تحت وطأة المعارضة الشديدة لها من القوى الاجتماعية الحية في سورية. والآن طرحت وزارة العدل مشروع قانون جديد آخر للأحوال الشخصية في البلاد، فما هو «الجديد» فعلاً في هذا المشروع؟
 

يوحي مضمون المسودة الجديدة بانطباعات مختلفة، أهمها أن دوائر صنع القرار في البلاد استشعرت حجم الخطر الكبير والمأزق الحقيقي الذي وضعت نفسها به جراء إعلان المسودة السابقة، ولذلك جاء المشروع الجديد خالياً من كل التعابير التي أثارت حفيظة المجتمع السوري من قبيل: أهل الذمة، واللعان، والإيلاء، كما أنها تراجعت عن التدخل في الأحوال الشخصية للطوائف الأخرى بالطريقة الفجة التي كانت موجودة في المسودة السابقة. ولكنه بالمقابل جاء شبه مطابق للقانون النافذ حالياً في البلاد، مع بعض التعديلات الطفيفة، أو ما يمكن تسميته نسخة محدثة للقانون الحالي. وللحقيقة فإن ثمة تقدماً في بعض النواحي في القانون المطروح حالياً، حيث أنه رفع الحد الأدنى لسن زواج الفتى من خمس عشرة سنة إلى سبع عشرة، وللبنت من ثلاث عشرة سنة إلى خمس عشرة، كما أنه أضاف أحكاماً هامة حول التكافل الأسري، وألغى المادة التي تنص على إجبار الزوجة على السفر مع زوجها.. وأشياء أخرى أقل أهمية...

ولكن هل جاء هذا المشروع على مستوى طموح السوريين الراغبين في بناء مجتمع مدني حقيقي، والراغبين في أن تتقدم سورية خطوة نحو الأمام في تحقيق قدر أعلى من المواطنة الحقيقية؟

لقد حافظ المشروع الجديد «بكفاءة عالية» على صبغته المذهبية التي تفرق بين المواطنين السوريين، ولم يقدم أي تحسين فعلي لوضع المرأة في المجتمع، كما أنه لا يلبي الطموح في التقدم ولو خطوة واحدة باتجاه وضع قانون أحوال شخصية مدني موحد لكل السوريين. وهذا يدفعنا إلى تساؤل مشروع آخر، ترى ماذا كانت الغاية من وراء إصدار المسودة السابقة ما دامت النوايا لا تتجه إلى تعديل جذري في قانون الأحوال الشخصية السوري؟؟؟..

وقبل الخوض في النوايا الحسنة والسيئة، نقول إن إعلان المسودة السابقة أنهى ولو مرحلياً، كل الآمال في تطوير قانون الأحوال الشخصية السوري، وجعل مجرد رفض المسودة السابقة إنجازاً هاماً، كما جعل التعديلات الطفيفة المطروحة حالياً تبدو كما لو أنها تقدم هائل في الاتجاه الصحيح. لذلك يحق لنا الاستنتاج أن ما حصل ربما كان مجرد مناورة الهدف منها إخماد الأصوات التي تدعو إلى وضع قانون أحوال شخصية موحد.

وبعيداً عن الاستنتاجات التي تستند إلى التخمين والتكهنات فقط، نقول بأن النقاش القانوني المحض يوصلنا إلى نتيجة مفادها أن المسودة السابقة، تضمنت خرقاً فاضحاً للدستور الذي يضمن المساواة بين جميع المواطنين، كما أنها حملت في طياتها عناصر جريمةٍ تنال من الوحدة الوطنية وتعكر الصفاء بين عناصر الأمة، وذلك بناء على نص المادة 307 من قانون العقوبات السوري: «كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يقصد منها أو ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليه ...».

إذاً فنحن لم نكن نزاود على أحد في موضوع الوحدة الوطنية  يوم انتقدنا المسودة السابقة كما قيل آنذاك، ولم نكن نتناول الوحدة الوطنية من خلال شعارات الحب المتبادل بين أبناء الشعب الواحد. وإنما تناولناها بوصفها ركناً من أركان أية دولة ومكوناً أساسياً من مكوناتها المعنوية، وبوصفها ضرورة للسلم الأهلي، ولتماسك الدولة في وجه الأخطار الخارجية والداخلية المحدقة. وأخيراً بوصفها مصونة بنصوص قانونية ملزمة واجبة التطبيق، ويفرض احترام سيادة القانون تطبيقها على جميع المواطنين على حد سواء. كما أن انتقادنا للمسودة السابقة لم يقصد منه الدفاع عن النصوص القديمة، ولا عن الطبيعة المذهبية لها، ولكن المقصود أننا كنا نطمح إلى قانون أحوال شخصية جديد أكثر رقياً من سابقه.

إن ما نتج عن طرح مسودة المشروع سيئة الصيت تلك، من إثارة للحساسيات بين المواطنين السوريين، ومن استنفار للغة طائفية وعنصرية بغيضة، قد ترك آثاره السلبية على المجتمع السوري، وإن محو هذه الآثار كان يتطلب -عدا عن محاسبة مسببيها قانونياً، وهو الأمر الذي لم يطرحه أحد بشكل جدي- سحب المسودة واستبدالها بأخرى أكثر تطوراً وحداثة، من خلال نصوص عصرية تقرِّب بين أطياف الشعب السوري حقوقياً واجتماعياً، وتزيد من مساحة الحرية والحقوق المعطاة للمرأة، وتنهض بالوضع الاجتماعي والحقوقي والأسري العام في البلاد. أما تثبيت الأسلوب الحالي في تنظيم الأحوال الشخصية للسوريين، من خلال قانون «جديد» في تاريخ إصداره، ومتخلف كسابقه في المضمون، فهو محض ذر للرماد في عيون كل أبناء سورية الطامحين إلى بناء وطن لكل أبنائه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
431