«إشاعات»
ثمة شائعة واسعة الانتشار تسري حالياً في مختلف الأوساط الإعلامية والشعبية، مفادها أن هناك تغييراً حكومياً وشيكاً قد يتم بين ليلة وضحاها.
وتختلف تفاصيل هذه الشائعة بين وسط ووسط، وبين منطقة ومنطقة، وتراوح بين التغيير بالجملة والتعديل بالمفرق. فالبعض يؤكد علمه من مصادر موثوقة و(واصلة) أن التغيير سيكون شاملاً وسيتم قبل نهاية 2009، ويطال الفريق الحكومي برمته لعجزه عن تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة، والبعض الآخر يصر، بل ويذكر تفاصيل ومبررات (تسربت إليه من مواقع حساسة) أن التغيير سيكون جزئياً، ستتأثر به وزارات محددة دون غيرها، ويتم بشكل تدريجي وعلى مراحل... وهناك تفصيل آخر يتوسط بين سابقيه يرى مروّجوه أن التغيير سيكون واسعاً، ولكن ليس شاملاً، موعده قبيل إقرار الخطة الخمسية الحادية عشرة... إلخ.
وهكذا، تختلف تفاصيل وحيثيات الشائعة، تستطيل وتتحجم، حسب مطلقها أو المروّج لها، وإن كانت في العموم تشير جميعها، بشكل أو بآخر، إلى حالة عدم رضى واسعة وفي مختلف المواقع عن الأداء الحكومي، وخصوصاً في مجالات الاقتصاد والعمل والخدمات..
وبما أنها (صايرة وصايرة).. و«الإشاعات معبية البلد».. فلا ضير من إضافة «إشاعات» جديدة، «إشاعات» ما أجملها، وما أسعد البلاد والناس بها إن تحولت إلى حقيقة ولو بعد حين...
- «سمعنا يا مرحوم «البي» أن الجهات المختصة تتهيأ لإلقاء القبض على المسؤولين عن مسلسل الخصخصة الذي طال ويطال المنشآت والمؤسسات العامة، بما فيها بعض المواقع الإنتاجية والخدمية الحساسة والاستراتيجية.. تمهيداً لإنزال أشد العقوبات بهم، وهناك من يؤكد أن هذه العقوبات قد تصل إلى الحد الأقصى، إذا ما وجهت النيابة العامة لهؤلاء تهمة (الخيانة العظمى) وأثبت القضاء المختص ذلك.. ويتمنى كل الذين يتبادلون هذه الشائعة أن يدع القضاء أمر هؤلاء للناس، وخصوصاً العمال والعاطلين عن العمل، لأنهم الأحق بمعاقبتهم بطرقهم (العصملية)».
- هناك من يقول إن لجنة مختصة رفيعة الشأن تبحث حالياً في الأسباب الجذرية لتدهور الزراعة في بلدنا، وتراجع المواسم الاستراتيجية الزراعية إلى ما يقارب الربع، وتشرد مئات آلاف الفلاحين والمزارعين في المحافظات والمدن الكبرى.. وعزوف البقية الباقية عن الزرع والحصد بسبب عدم جدوى ذلك. ويتردد شعبياً أن المسؤول الأول عن هذا التدهور الكارثي هو قيد الاحتجاز حالياً، ويتم التحقيق معه ومساءلته من أعلى المستويات قبل تحويل أوراقه إلى المفتي... عفواً.. إلى القضاء المختص..».
- «بات معروفاً للقاصي والداني خارج الأروقة الحكومية، أن هناك إجماعاً شعبياً واسعاً على رفض مبلغ الدعم النقدي (عشرة آلاف ليرة على دفعتين) الذي ستقدمه الحكومة للناس كمعونة تدفئة، على شكل صدقة، بينما هو في الحقيقة حق مشروع للناس في ثروتهم الوطنية.. ويؤكد كل من نصادفه من الرافضين المتذمرين أن على الحكومة أن ترد المبلغ الداعم (على جوعها) وعلى خططها الليبرالية الانفتاحية، أو تقدمه مع مليارات أكبر وبألوان مختلفة للمستثمرين».
- «يقال إن مجموعات مختلفة من العاطلين عن العمل ومن بحكمهم، الذين يتجاوز عددهم مئات الآلاف، وربما أكثر، ومنهم الحرفيون والمهنيون وخريجو المعاهد والجامعات، عقدوا اجتماعات موسعة منفصلة في معظم الساحات العامة في دمشق وريفها، وانتخبوا ممثلين لهم، وحمّلوهم عدداً كبيراً من المطالب لكل من مجلس الوزراء والوزارات ذات الصلة، ومجلس الشعب، يأتي في مقدمتها ضرورة تأمين عمل لهم في غضون أسبوع وإلا... وذكّر هؤلاء في عرائضهم المطلبية المسؤولين في الجهات المذكورة أنهم بشر.. بشر.. يجوعون ويمرضون ويتألمون ويحلمون...»..
كانت هذه شائعات.. مجرد شائعات.. أما الواقع فهو غير ذلك تماماً، وما يزال الناس صابرين، يتألمون بصمت، ويبردون بصمت، ويجوعون بصمت، ويتذمرون بصمت، ويشتمون بصمت، وقبل أن يرتفع صوتهم، هناك المزيد من الألم..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 431