المهمشون كظاهرة.. ماهي نتائج «التهميش» سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا..

■  الفقر والبطالة... وانتشار العنف والمخدرات.

■  اقتصاد التهميش امتداد اقتصاد العولمة.

لم تستطع السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، مع مارافقها من فساد، وضعف الأداء وقصور معرفي، أن تحسن صورة الاقتصاد الوطني، بل ازدادت الأوضاع الاقتصادية ركوداً وانخفضت مستويات النمو لتخلف وراءها تهميشاً اجتماعياً تمثل في ازدياد عدد العاطلين عن العمل الذين تتراوح أعدادهم بين (800 ألف ـ .1.200.000 شخص)، ودخول أكثر من 250 ألف شخص سنوياً إلى سوق العمل، كما أدت تلك السياسات إلى إفقار الناس الذين يعيش 70% منهم تحت خط الفقر.

نتج عن ذلك بنية اجتماعية راكدة قاعدتها الجماهير العريضة من أقصى الشمال الشرقي إلى أقصى الجنوب الغربي الذين تحول أغلبهم، وتحت تأثير الفقر المدقع، إلى قطاعات رثة من العيش تمثل في بيع اليانصيب والدخان والبالة وخدم لمصالح الأثرياء وبائعي العشر ليرات..إلخ. وأصبحت الساحات العامة وأرصفة الطرقات العريضة تزدحم بهؤلاء، وأصبحت عاجزة عن استقبال الأعداد الوافدة مما دفع بهم إلى ضرورة البحث عن ساحات لهم خارج الوطن حتى أضحت أزقة بيروت وشوارع أبو ظبي ومطاعم فنزويلا وفنادق برلين وواشنطن حكراً على السوريين دون غيرهم. رافق كل ذلك تهديم منظم وغير منظم للقيم الاجتماعية، كما رافق ذلك العديد من الأمراض الاجتماعية مثل انتشار الجريمة التي تبين البرامج التلفزيونية والإذاعية المخصصة بأن الدافع الرئيسي وراءها كان الفقر والبطالة، وبالإضافة إلى الجريمة، انتشرت المخدرات والمشروبات الكحولية والدعارة والعنف والأفكار السلفية (ستقوم قاسيون بنشر ملفات تفصيلية عنها)، مما استدعى ضرورة التنبه لهذه الظواهر التي أصبحت مخاطرها تنذر بالكثير.

ولكن لماذا تبدو الأوضاع الاقتصادية راكدة إلى هذا الحد رغم غنى البلد بثرواته المادية؟ لايخفي الباحثون استغرابهم طالما أن نمو الدخل الوطني لايتجاوز 4% حالياً وهي نسبة لاتكاد تغطي الزيادة السكانية، فكيف لها أن تساهم في تحسين الأوضاع المعيشية ومواجهة الاستحقاقات الأخرى، ويرون أن أسباب ضعف النمو إنما تعود إلى ضعف التراكم الذي لايتجاوز 15% بسبب الاختلال الواضح واللامتكافئ في توزيع الدخل الوطني، إضافة إلى سياسة النهب الذي وصلت نسبته إلى 20% من الدخل الوطني، والجدير بالذكر أنه، نتيجة هذا النهب، أصبحت الأموال تتراكم ولكن في الخارج لتصل إلى 100 مليار دولار،وهذا يعني أنه إذا كان عدد السكان قد وصل إلى 20 مليون نسمة فهذا يعني أن كل سوري يملك في الخارج 5000 دولار ولكنها غير مسجلة باسمه.

لقد كانت للعوامل الاقتصادية الدور البارز في انتشار ظاهرة التهميش أفقياً، لكن العوامل السياسية جاءت لتزيد المشكلة عمقاً وتفرض تهميشاً عمودياً آخر تمثل في ابتعاد مؤسسات الدولة عن الجماهير وفرض حالة من القهر عليها، ولم تجد الجماهير في موازاة ذلك سوى الرضوخ والتبعية والوقوع في الدونية كقدر مفروض، ومن هنا شاعت تصرفات التزلف والاستزلام والمبالغة في تعظيم من هو أعلى، اتقاء لشره أوطمعاً في رضاه.

ويرى الدكتور طيب تيزيني في كتابه «ثلاثية الفساد» بأن النظام الأمني حوَّل الداخل إلى حطام، ودمرت البنى الاقتصادية والسياسية و الأخلاقية من أجل أن يصبح الوطن مُطوَّعاً باتجاه مايأتي من الخارج ليسَّوق حالة من العبودية الجديدة، ويضيف، بأن الحياة السياسية تحولت إلى سياسة نخب مختلفة تملي إرادتها على الجمهور الواسع ومعهم بقايا وفلول التنظيمات والأحزاب السياسية السابقة، إضافة إلى تجمعات مهنية تحولت شيئاَ فشيئاً إلى مزارع تدار من قبل موظفين نجحوا في تحطيم إرادة من يمثلونهم من حرفيين وعمال، وتم التهام ثرواتهم باسم مشاريع وهمية.

فماذا كانت النتيجة؟

إن ضعف الحراك السياسي وقلة الحريات مع سوء الأوضاع المعيشية خلق المناخ المناسب لحالة من الاحتقان الاجتماعي، لقد لوحظ أن أغلب المشاركين في أحداث 12 آذار في الجزيرة السورية كانوا من المسحوقين الذين ينحدرون من أحياء معروفة بفقرها المدقع كالهليلية والعنترية والعزيزية وحي المفتي، وأغلب هؤلاء عاطلون عن العمل ويشتغلون في بيع اليانصيب والدخان والعتالة، كما أن نسبة كبيرة لم تتلق تعليماً مناسباً خاصة بين صفوف أولئك الذين جردوا من الجنسية.

تقول إيمان حيدر أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق: «بأن التهميش يبدأ من الأسرة عندما يكون الطفل رقمه 2 أو 3، وخاصة إذا كانت أنثى، لأن مجتمعنا ذكوري تهمش المرأة على حساب الذكر وتقول بأن الطفل المهمش يصبح عنده حساسية وخصوصية في شخصيته تؤدي في بعض الحالات إلى الكبت وتأزم الحالة النفسية، كأن يسعى إلى إثبات وجوده بطرق مشوهة كضرب إخوانه في البيت أو إيذاء نفسه للفت النظر أو إذا كانت فتاة فتضطر إلى لبس الكعب العالي ووضع المكياج على الوجه للإيحاء بأنها كبرت وأصبح لها دور في الأسرة، ثم ينتقل التهميش إلى المجتمع الأكبر عندما يصبح الإنسان في المراحل المتقدمة وخاصة في الجامعة حيث نلمس كل يوم طلاباً مهمشين على حساب طلاب اثبتوا وجودهم بطريقة ما، وفي الوظيفة بشكل عام المبدع يهمش والذي لديه خبرات يهمش لأن التغيير الاجتماعي دخل بطريقة عشوائية إلى المجتمع ولابد من وجود هذه المظاهر إلى حين أن يتحول التغير الاجتماعي إلى تغيير اجتماعي بفعل إرادي».

وإلى حين أن يتحول التغير الاجتماعي إلى تغيير اجتماعي بفعل إرادي تبقى الكثير من الأسئلة مفتوحة لعل من أهمها: هل سيكون اقتصاد التهميش هو البديل لاقتصاد العولمة، أم أنه سيكون الوجه الآخر له؟ وإذا كان لابد من ضرورات التغيير بفعل إرادي فمن الذي سيقوم بفعل ذلك؟ كتب غارسيا ماركيز ذات يوم بأن الكتابة هي «أن نصنع خيالاً لرغيف الخبز».

ولكن هل يحتاج رغيف الخبز فقط إلى الخيال؟.

■  كاسترو نسّي

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.