مطبات مرة أخرى..التقاعد المبكر
كأنها اللعبة القديمة لصغار الحي، وإغواء المتعطشين للعب لا تنهيه كبسة جرس، أو قرع باب والهروب إلى خلف جدار أو شجرة أو صخرة، والأولاد دائماً يهرولون باتجاهات متعددة كي لا يمسكهم صاحب البيت الذي يتآمر مع شغبهم الطفولي.
الحكومة هكذا تسرب أخبارها السعيدة، ومن دون مقدمات تنهمر التسريبات عن مشاريع قادمة تلامس جوهر معاناة الناس، وفجأة بعد أن تأخذ الإشاعة (القرار) من وقتهم وسهراتهم وهواتفهم يصدم الجميع بخبر جديد..هكذا يستمر الأمل، وتستمر الحكومة في التعبير الوحيد عن وجودها بينهم.
جديد الحكومة تسريبات من مصادر مطلعة أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أعدت مشروع قانون خاص بالتقاعد المبكر يهدف إلى تقديم حلول لمشكلة البطالة، وإلى خفض عدد العاطلين من العمل، وتخفيف الضغط الاجتماعي عن شريحة الشباب.
من مقدمة خبر المصدر المطلع تبدو اللغة الفجة توحي برسمية اعتدناها، وبلغة لا تحاول العبث ولو مرة واحدة، ولا تبتكر ما يوحي لنا بأنه مجرد كلام في كلام، والبعض منا يتمنى حتى أن يجد من يقف وراء مثل هذه (القفشات) لغة صالحة للأمل ولو لأسبوع واحد.
التقاعد المبكر الحلم الذي روجت له جهات حكومية ونقابية منذ سنوات ثم وضع في أدراج الريح وحيداً كمتقاعد قارب الستين ثم مات على أمل أن يهنأ بيوم واحد دون عمل، وأن يدفع بابنه العاطل عن العمل لدورة الحياة ولو بأجر تعيين مبدئي زهيد.
التقاعد المبكر الذي سيذهب (لو طبق) بطموحات بعض المسؤولين بالبقاء على كراسي النفع العام التي تدر ذهباً، وتعيد الأمل لشباب متحمس لدخول سوق العمل، وطرح ما لديه من أفكار للتخلص من شيخوخة الإدارات والمؤسسات الوطنية..ولكن لمصلحة مَنْ هذا التغيير، ولمصلحة مَنْ هذا النوم الاقتصادي؟.
مشروع التقاعد المبكر بالقدر الذي أدخل الأمل لدى شرائح عاطلة عن العمل أدخل الذعر في قلوب بعض القيادات العمالية والنقابية، وعملت على إجهاضه بحسابات تعجيزية وبدعوى أنه يحتاج إلى ميزانية كبيرة، والأهم هو الحديث عن إقصاء هذا القرار لخبرات تحتاجها البلد ولا يمكن الاستغناء عنها..فعن أي خبرات يتحدث أولئك الذين أجهضوا القرار، وعن أي عجائز أصبحوا مثل الورق الأصفر الذي صارت إليه قرارات تعيينهم.
المصدر الذي سرب الخبر الحكومي يقول بأن مشروع القانون الجديد يطرح حالتين للتقاعد المبكر، ويحق لكل عامل مدني قائم على رأس عمله في الجهات العامة والمؤمن عليه لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أو المؤسسة العامة للتأمين والمعاشات ممن بلغت خدماته المحسوبة في المعاش 25 سنة، وقلت عن 35 سنة طلب الحصول على معاش تقاعدي بواقع 75 بالمئة، من متوسط أجر السنة الأخيرة إذا لم تتجاوز خدماته الـ29 سنة، وبنسبة 75 بالمئة من الأجر الشهري الأخير لمن بلغت خدمته 30 سنة، وقلت عن 35 سنة، يضاف إليها علاوة دورية مقدارها 9 بالمئة من المعاش لمن لم يصل أجره إلى الحد الأقصى لأجر فئته.. هل سيرضي هذا التقاعد المبكر القليل طموحات القابعين على كراسي المؤسسات التي تحلب ذهباً؟، وأما بسطاء الموظفين سيقبلون أيدي صانع القرار، ومخرجه، والمذيع الذي سيتلوه.
بظهره المحني كقوس ربابة بدوي يهز أبو أحمد رأسه علامة الموافقة وعدم الأمل، وكأنه يقول في سره هذا المشهد مر سابقاً، والأيام القادمة لن تأتي بما يريح الجسد من تعب روتين العقود الثلاثة التي قضاها على الطرقات، ومطاردة سيارات النقل في الطريق إلى الوظيفة.
مرة أخرى.. التقاعد المبكر بين الحكومة ومن ليس في مصلحتهم أن يغادروا كراسي المال العام.