مجلس الشعب يناقش موازنة 2004: الموعد مناسب.. والباقي غير مناسب

ناقش مجلس الشعب في جلسته المنعقدة بتاريخ 27/ كانون الأول /2003، تقرير لجنة الموازنة والحسابات حول مشروع قانون الموازنة العامة للدولة لعام 2004 و سبق للجنة  الموازنة أن عقدت سلسلة من الاجتماعات على مدار عدة أيام لمناقشة الاعتمادات المرصودة للوزارات والمؤسسات العامة وشركات القطاع العام، وذلك بحضور ممثليهم عنهم، كما قامت اللجنة بإجراء بعض التغييرات (الطفيفة) في الاعتمادات المخصصة لبعض الوزارات، وذلك في ضوء ماورد في مشروع الموازنة بشقيها الجاري والاستثماري، وقد تم إعادة طبع جداول الموازنة أكثر من مرة لإدخال هذه التعديلات المقترحة من قبل اللجنة.

موعد استثنائي وإيرادات استثنائية!

أكد أعضاء مجلس الشعب عبر مداخلاتهم، على أن مناقشة الموازنة العامة للدولة قبيل انتهاء السنة المالية كان حدثاً استثنائياً بحد ذاته، لاسيما أن المجلس تعود على امتداد سنوات أن يناقش اعتمادات موازنة العام بعد أن تدخل الموازنة مجال التنفيذ، بحيث تصبح تلك المناقشات عملية شكلية وإجرائية لا أكثر.

وقد وضعت الحكومة نفسها في هذه الموازنة، أمام تحديات كبيرة شكك بعض النواب في مدى نجاحها، لاسيما أن الكثير من الخطط المطروحة والأهداف، لم ترفق بكيفيات تنفيذها والوصول إليها، ومنها ما قد يبدو مستحيلاً في ظل مستوى الأداء الاقتصادي والإداري الراهن.

وبالمقارنة مع سنة 2003، سجلت الموازنة الحالية زيادة بمقدار (5.29) مليار ليرة سورية، وهذا ما يعادل 7% تقريباً من الإنفاق على الموارد، إلا أن تغطية إيرادات الموازنة المالية لم تكن فقط من الإيرادات الضريبية (رغم ارتفاع نسبها عن العام السابق) ولانتجت عن ارتفاع فائض الإنتاج أوإيرادات أملاك الدولة، بل تم تغطية 32% من إيرادات السنة عبر الإيرادات الاستثنائية، إذ أن اللافت في تمويل الإنفاق العام ارتفاع هذه النسبة، تلك النسبة المأخوذة من الاحتياطي ومن القروض الخارجية. مع العلم أن ارتفاع نسبة التمويل من الإيرادات الاستثنائية ينطوي على جانب من الخطورة ويعكس الواقع المتدني للأداء الاقتصادي مما يضع الحكومة الجديدة أمام استحقاقات وتحديات صعبة.

وهذا ما يعبر عنه بشكل خاص، انخفاض دور فائض الإنتاج والمشاريع الإنتاجية، وكمية الاحتياطات الضخمة المعطلة، غير المبرر من الناحية الاقتصادية.

ومن ناحية أخرى، قد يؤدي الاعتماد على القروض الخارجية إلى نتائج سلبية فيما لو لم تستطع الحكومة توظيف قروضها بشكل فعال.

«محدودية أفق»

عقب الكثير من أعضاء  المجلس، على حجم الإنفاق الذي عكسته الموازنة بحجم نمو يقدر بـ 7% توزعت بين الجاري والاستثماري، وتساءلوا عن كيفية إنفاقها والذي لم توضحه الموازنة أو تحدد خطواته، فليس المهم هو حجم الإنفاق أو زيادته بقدر الأوجه التي ستنفق فيها هذه المبالغ. كما قال أحد الأعضاء عن تقرير اللجنة: «إن المقدمة التي جاءت بالتقرير، جاءت لتبرر محدودية أفق الموازنة». بعد أن طالب الحكومة بمكافحة الهدر وزيادة حجم الاستثمار والحد من  الإنفاق والتتبع الدقيق للمشاريع الاقتصادية.

وقد أثار ارتفاع موارد الموازنة 

من الضرائب والرسوم (36% من الإيرادات) استياء بعض النواب واعتبرها أحدهم «ظاهرة غير صحية حيث أنها تنعكس بشكل أو بآخر على مستوى الأسعار، في الوقت الذي نجد دخل الناس ولاسيما ذوي الدخل المحدود في تراجع بالقياس مع متطلبات المعيشة».

فرص عمل... كيف؟!

وعدت الموازنة الجديدة بتأمين /42700/ فرصة عمل جديدة، نصفهما تقريباً في القطاع الإداري، والنصف الآخر في القطاع الاقتصادي فكيف ستتحقق هذه الفرص ومن سيتابع تنفيذها؟

إن هذا الرقم المطروح، وكما أشار أحد النواب «لا يتناسب مع حجم البطالة الكبير المدون في سجلات مكاتب التشغيل، وهنا لابد من الإشارة إلى تغيب دور القطاع الخاص في توفير فرص العمل، نظراً لقصور الأنظمة والقوانين في فرض هذه الفرص» وطالب أغلب المتحدثين من أعضاء المجلس، بإعادة النظر في قانون العمل ومكاتب التشغيل التي باتت عبئاً على العاطل عن العمل. وعبئاً إدارياً وبيروقراطياً على الدولة، بدل إسهامه في حل مشكلة البطالة المتفاقمة، وقد طالب بعضهم بإلغاء هذه المكاتب نهائياً..

ولاحظ أحد الأعضاء أن رسوم ضريبة المواد المشتعلة كانت (5) ملايين ليرة سورية في الموازنة السابقة وارتفعت إلى الـ(70) مليوناً في موازنة 2004 مما يعطي مؤشرات خطيرة على نية الحكومة في رفع أسعار الوقود التي ستنعكس ارتفاعاً سعرياً في جميع جوانب المعيشة وتترافق بارتفاع جميع أنواع السلع والمواد.

كما لوحظ ارتفاع رسوم الدراسة الجامعية بنسبة 100% عن الموازنة السابقة، وارتفاع نسبة الرسوم على حيازة الأسلحة النارية بزيادة قدرها (94) مليون ليرة، وهذا مايعد مؤشراً غير حضاري يزيد من نسبة حيازة السلاح ومن معدل الجرائم.

مزيد من ارتفاع الأسعار

الأعضاء علقوا أيضاً في مداخلاتهم على ارتفاع رسوم الكهرباء التي زادت بمقدار 300 مليون ليرة سورية أي ما يعادل 21% مقارنة مع موازنة 2003 وهي زيادة كبيرة نسبياً، ويتحمل عبئها المواطن السوري من الفاتورة الدورية، في الوقت الذي يطالب فيه الناس بتخفيض سعر الكهرباء وإعادة النظر في القانون المحدد لأسعارها. لاسيما أن الأسعار تقدر تقديراً اعتباطياً (حسب اعتراف وزير الكهرباء نفسه)، وذلك لقلة عدد كوادر الجباية التابعين لمؤسسة الكهرباء حسب قول الوزير.

وعلى العكس من ذلك بقي رسم الملاهي ثابتاً رغم انتشار الملاهي وازدياد عددها والأرباح الهائلة التي تحققها.

كما أشار عدد من النواب إلى وعود الحكومة السابقة بتعديلات مجزية لقانون العاملين الموحد بداية العام الحالي، وتساءل أحدهم: «هل أخذ بعين الاعتبار أن ذلك سيحقق التزامات مالية على الدولة، فمن أين سيتم تغطية هذه الالتزامات»؟!

كما تناول أحدهم اتفاقية الشراكة الأوروبية، إذ طالب بإعادة النظر بالتعرفة الجمركية المتناسقة والتي لم يعد بإمكان سورية زيادتها بل عليها تخفيضها وفقاً للالتزامات التي قطعتها الحكومة على نفسها في اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى واتفاقية الشراكة الأوروبية، وذلك ما سيؤدي إلى مزيد من الأضرار بالنسبة للمنتجات السورية وقدرتها التنافسية مهما صدرت بعد ذلك من تشريعات وأنظمة.

لن يكفي وحده

قد تكون الحكومة في موقف صعب، مالم تنفذ وعودها المتعلقة بالإصلاح الاقتصادي والإداري، ومالم تنجح موازنتها الحالية في تحقيق الأهداف التي وضعتها نصب عينها، وهذا ماعبر عنه أغلب النواب في جلستهم المنعقدة لمناقشتها، فالأسعار بازدياد، والمداخيل لا تتناسب مع الوضع المعيشي السيء لذوي الدخل المحدود، وشبح البطالة يلوح لنا في كل مدينة وهذا ما سيجعل النتائج التي ستعود إليها الموازنة الحالية وهي نسبة الخطط المنفذة من الخطط المقررة، محدداً حاسماً لرؤية الحكومة الإصلاحية فمع أن الموازنة أتت في موعدها المناسب إلا أن هذا لن يكفي وحده.

 

■ المحرر