الفساد والعولمة مهداة إلى د.عصام الزعيم

يعرف الفساد (corruption) بأنه الفعل القائم على تقديم الوعد أو على إعطاء منحة أو فائدة ما لموظف عام أو مدير مؤسسة عامة أو وزير ، بحيث يقوم هذا الأخير بالإخلال بواجباته حيال المجتمع الذي يمثله،  إن المفسد هو الذي يَعِد بالمنحة أو يقدمها بينما الفاسد هو الموظف العام الذي يخون واجباته. هناك صلة بين الوعد بالمنحة والإخلال بالواجبات.

حقيقة الأمر أن هذا المفهوم لم يتغير إذ لا يزال الفساد يشكل معطى اقتصادياً مثله مثل غيره في المناقصات والتعاقدات tendar ولو أن الظاهرة تفاقمت خلال نهاية السبعينات بدفقات البترودولار العالمي، والأمر فاضح في ما يخص الغرب والدول النامية، على كل حال تميل أوساط رجال الأعمال الغربيين إلى اعتبار الفساد في بلدان العالم الثالث ظاهرة ثقافية ومجتمعية لا يمكن تجاوزها.

ويمكن القول بإيجاز إن الفاسدين هي معظم المؤسسات العامة في بلدان العالم الثالث، والمفسدين هي الشركات المصدَّرة  في البلدان الغنية عبر أهم المجالات، الأسلحة والتكنولوجيا وقطاع البناء ومستلزماته.

ومن أجل تعويض النقص في قدرة الشركات على المنافسة في الأسواق الخارجية في السبعينات سمحت بعض الحكومات الأوروبية، بممارسة الرشوة (brib) التي أطلق عليه رسمياً اسم «العمولة commission» طالما أنها تدفع إلى موظف أجنبي ؟؟؟ ومن مال وطنه !!!.

وكان متاحاً دفع رشوة شرعية لأي مسؤول مهما كان موقعه إلى أدنى المراتب الإدارية في بلد من البلدان بهدف التغلب على المنافسين، لإرساء المناقصات على الشركة المطلوب، وذلك بفضل خدعة ضريبية تؤدي بكل بساطة إلى حسم الرشوة من حساب الضرائب المتوجبة في دولة المنشأ.

 وكذلك الأمر بالنسبة للتأمينات النهائية للعقود (final bond)، والتي تضاف للسعر المقدَّم، على اعتبار أنها مبلغ مفقود أو صعب استرجاعه بسبب الإجراءات الروتينية والتعقيدات المصطنعة للتفاوض على خدمات إعادتها، والسمسرات التي يفاوض بها بعض المسؤولين في هذه الدول لإعادتها وتحريرها مقابل نسبة مقتطعة تبلغ أحياناً نصف القيمة.

 وبموافقة جهات حكومية ببعض الدول الصناعية، سمح للصناعي المصَدر بدفع جزء من متوجباته بموجب حساب يفتح عموماً في بلد ثالث أو في البلد الشاري. وقد أدرجت هذه العملية تحت عنوان النفقات التجارية الاستثنائية (عمولات - رشاوى - هدايا- مساعدات....) 

في الوقت الذي كان الأوروبيون يشرِّعون الفساد في التجارة الدولية، كانت الولايات المتحدة تسلك الاتجاه المعاكس تماماً بالظاهر كتلاعب على الرأي العام، وجاء قانون مكافحة الفساد الفيديرالي عام 1977 اثر فضائح مالية ليجرم أي عمل رشوة لموظف رسمي أجنبي. أما في الواقع فإن الولايات المتحدة استمرت في اتباع هذه الممارسات والإلتفاف من خلال فروعها القائمة في الجنات الضريبية (أشباه الدول في أمريكا اللاتينية وأفريقيا). وبالفعل، فإن الحكومة الأميركية تساعد على التصدير بتشجيع إنشاء شركات في الجنات الضريبية إلى حدود 2.5 مليار دولار.

 وتشكل هذه الفروع المدعومة والمسمّاة شركات المبيعات الخارجية (Foreign Sales Corporations) قاعدة نظام سري يؤمن دفع العمولات للخارج،  ومع أن العديد من الشركات الأميركية ضبطت بالجرم المشهود، فإن نظام المصالحات القانونية قد سمح بالحد من الملاحقات، وحتى ضمن النظام الجزائي الأمريكي ممارسات شرعية تماماً تقوم على قبول التفاوض مع الإدارة والمساومة على التهم وفق القانون .

أما في أوروبا الشرقية والبلدان الشيوعية السابقة تحولت الورش الكبرى والأسواق الصناعية والعقود الكبيرة  فرصاً لتقاضي عمولات طائلة، فأخضعت للنسبة العشرية (10%) جميع الصفقات المرتبطة بالقطاع العام، من التسلح إلى النفط، من الطاقة إلى النقل، من المباني العامة إلى انشاءات المياه وصولاً إلى التجهيزات الطبية، إلى درجة بدأ معها الصناعيون يدركون أن العمولة (الرشاوى) باتت تطغى على الربح المطلوب أحياناً بعد اقتطاع رأس المال والنفقات الحقيقية.

والسؤال المنطقي: هل من الواقعية الاعتقاد أن في مقدور الإدارة السياسية لبلد ما وقف الفساد؟؟؟

 وما العمل في بلدان مثل البلدان الأفريقية والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، أو في روسيا، حيث أدّى الفقر إلى تطور تصاعدي للفساد الصغير والكبيرفي هذه الدول. هل نتخيل إمكان مقاطعة دول تشرعن قوانينها بقياس أشخاص أو مجموعات حسب الطلب لتمرير الفساد والعمولات. وفي المقابل تثير مسألة الفساد في روسيا والدول الشرقية ومناطق النزاعات، نوعاً آخر من المشكلات يتعلق بالبيئة السياسية غير المستقرة. فإذا كان الفساد تحت السيطرة في إطار ثابت وإذا كان الفاسدون مستثمرون دائماً فلا شيء يمنع رجال الأعمال من التعاطي معهم يأتي الإزعاج من التغير المستمر في المسؤولين والمبالغ المطلوبة لرشوتهم وعدم ثبات قواعد لعبة الفساد.

إن الفساد ظاهرة عالمية منطلقة العقال، لا تحدها حدود ولا قيود، ويترأس إدارتها أشخاص ومجموعات تؤسس لنهب المال العام وسرقته في الدول الفقيرة والنامية وتحيل جزءاً مهماً من ثرواتها لجيوب محددة، لا تلبث بعد النهب المنظم أن توظف جزءاً من دخلها لوظيفة سياسية بالمجتمع لقوننة وتشريع قوانين تسمح لها بدخول المنزل من النافذة بعد التهريب من الباب، وإعادة إنتاج دورة الفساد المقونن !!! فأين نحن؟؟؟.  

■ النقابي مروان العش

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.