المناطق الصناعية: حلم الحرفيين وكابوس المسؤولين
الحرفيون منذ الزمن البعيد عاشوا حلم المناطق الصناعية، لتكون ملاذاً آمناً لإبداعهم، ومناطق صناعية متخصصة متطورة تواكب روح العصر تعمل على تطورهم اللاحق وفيها كل مستلزمات الحداثة: معارض تخصصية تحيط بها ومشفى بجانبها، ومواصلات مؤمنة لها، ومركز ثقافة ينشر المعرفة للحرفيين والعمال معاً مع مطاعم شعبية.
ولكن سرعان ما تحول الحلم إلى سراب بين صد ورد، ففي كل مؤتمرات جمعيات واتحاد الحرفيين يتساءلون عن مصيرها والكرة تنتقل من عام لآخر ولا جواب مقنع ولا متابعة جادة من قبل من يتربع على إدارة الاتحاد والجمعيات، عقود مرة زرعت اليأس والإحباط، والثقة بالمصداقية انعدمت.
لقد أثارت هذه المناطق سجالاً طويلاً عن مسؤولية من أوقع الأذى بالحرفيين وصغار الكسبة، والكرة تنتقل من ملعب الجمعيات إلى الاتحاد وتتحول إلى مجلس مدينة حلب، والكل يضع المسؤولية على الأطراف الأخرى. فما هي حقيقة هذه المناطق؟!
واليوم مكتب تنفيذي جديد تعقد عليه الآمال ومطالب بإحقاق حقوق من يمثل من الحرفيين لتعاد المصداقية له من جديد.
منذ سنة أقامت غرفة صناعة حلب تحت رعاية محافظ حلب أسامة عدي برامج من الندوات: توعية وثقافية ومهنية، وكان أبرز هذه الندوات ندوة المنطقة الصناعية في الشيخ نجار، كان لنا حضور مع مداخلة بعد أن طرحت هذه المنطقة للبيع بأسعار جديدة على الصناعيين وبعد أن استكملت جاهزيتها من طرق ومستلزمات الصناعة من كهرباء وماء وهاتف، والغريب أن حق الحرفيين كان مغيباً والاتحاد والجمعيات الحرفية لا وجود لها وكأن الحدث لا يعنيها، يومها أوضحنا للمحافظ بأن هذه المناطق مكتتب عليها منذ أكثر من 25 عاماً بوثائق مصرفية بحوزة من اكتتب من الحرفيين، ويومها استغرب المحافظ ووجه السؤال إلى اللجنة من مجلس المدينة وعلى رأسها في ذلك الوقت المهندس بسام بيروتي مسؤول مجلس المدينة السابق، فأيد ما طرحناه وطلب المحافظ من اللجنة إحقاق الحقوق: يبقى على اتحاد الحرفيين اليوم متابعة الموضوع بعد أن وجدت الوثيقة وطرح الموضوع من جديد، بعد أن أهملت القضية من قبل المكتب التنفيذي السابق ومن مثيله الأسبق خلال خمسة وعشرين عاماً، وكانت المسؤولية ترمى كاملة حينها على عاتق المحافظ السابق «البطاح» لأنه وضع أموال الحرفيين أمانة وبقيت أمانة إلى يومنا هذا.
الطرح غير المقبول هنا، لا ينفي مسؤولية الاتحاد لأنه لم يتابع حينها ويعترض على هذا الواقع ولا يعفي الاتحاد من مسؤوليته لأن له الصفة الاعتبارية كمسؤول وممثل للحرفيين وعليه كامل المسؤولية عما أصابهم من غبن مجحف بابتعاده عن تحمل المسؤولية ووضع النقاط على الحروف. والجهتان في الحقيقة تتحملان المسؤولية وعليهما إنصاف الحرفيين الذين سجلوا واكتتبوا على أراضي الشيخ نجار حيث تحددت مساحة الأرض ودفعوا القسط الأول من أصل ثلاثة أقساط، وليس هناك إشكالية في صنع الحل، طالما أن المساحة محددة والقسط الأول مدفوع من ثلاثة أقساط حيث يعطى للحرفيين ثلث الأرض المكتتب عليها، وهذا حل عادل يعيد الحق ولايجحف حق مجلس المدينة الوصية على الأملاك العامة والحق يؤخذ ولا يعطى وعلى الاتحاد الحركة. وهناك إجحاف آخر مختلف عن المناطق الصناعية في الشيخ نجار ألحق الأذى بأكثر من مئة وخمسة وعشرين حرفياً كانوا يملكون ورشات متنوعة في منطقة الميدان تم إخلاءهم منها لإقامة شركة المياه التابعة للقطاع العام مقابل إعطائهم محلات بدلاً من محلاتهم، عبارة عن مخازن تابعة للأقطان في الراموسة الجديدة فجرى تجهيز هذه المخازن على نفقة الحرفيين وأصبحت مؤهلة بعض الشيء لإقامة منشآتهم، فإذا بهم يقعون في فخ مجلس المدينة وفي غبن منظم، فرضت عليهم أجارات بدل الاستملاك بدأت بألف ليرة سورية ومن عام لآخر وصلت بدلات الآجار إلى 43 ألف ليرة سورية، وأيضاً كان الاتحاد السابق ومعه الجمعيات بعيدة عن المتابعة الميدانية الجادة بالرغم من طرح هذا الموضوع في كل المؤتمرات التي تعاقبت خلال خمسة وعشرين عاماً، وبالرغم من المراجعات اليومية والأسبوعية للاتحاد والجمعيات من قبل الحرفيين أصحاب الغبن، وقد كان الحل بعيداً عن المنال حتى وصل إلى طريق مسدود. وتابع الحرفيون بعيداً عن التنظيم المطالبة بحقهم عن طريق العرائض رغم وضوح حقهم بالاستملاك وهناك الكثير والكثير من العرائض والمطالب نائمة في أدراج مكاتب مجلس مدينة حلب توثق حق الحرفيين بالاستملاك ومنها صور في أدراج الجمعيات والاتحاد. فهل هذه الوثائق سترى النور من جديد وهؤلاء الحرفيون يعيشون اليأس والإحباط والأنكى من ذلك يفرض عليهم دفع الإملاكيات بدون أن يكونوا ملاكاً. وعلى كل حال هذه فرصة للمكتب التنفيذي للاتحاد ليثبت وجوده كممثل شرعي للحرفيين لينزل إلى ساحة هؤلاء ويأخذ بيدهم ويزيل عنهم الإجحاف ويعمل على إحقاق الحق.
وبعد هذا يدخل الساحة الأخرى ساحة المناطق المخالفة حيث فرض على الحرفيين دفع 50 الف ليرة سورية لإيجاد مناطق لهم وصلت إلى أكثر من 115 ألف ليرة. وهناك أسئلة مطروحة تحتاج إلى جواب ومساءلة الجهات المعنية عن مصير هذه الدفعات، وأين صرفت، ولمن وظفت، وهنالك علامات استفهام أيضاً: هل تحولت إلى أجور هندسة أم ثمن مخططات، وعندما نتحدث عن المناطق الصناعية ونحن نعلم واقع الحرفي اليوم، وإنه يحتاج إلى مناطق تخصصية نعني أن يحدد مواصفات هذه المناطق الحرفيون أهل الحرفة بالذات، فالمناطق تراعى اختصاصات الحرفيين حسب الإمكانيات المادية، فليس المطلوب أن تقوم جهات مبهمة وغير معروفة بتحديد هذه المواصفات، فهل من آذان صاغية؟!!
■ حلب ـ إدوار خوام