البسطات: سوق مابعد السوق!

إنها البسطات ظاهرة قديمة حديثة منتشرة في العديد من دول العالم وتنتشر بشكل واسع جداً في أغلب المحافظات السورية، و تكاد دمشق تغرق بها وبالباعة الجوالين الذين لم يجدوا سبيلا آخر لتحسين معيشتهم.

نهار الفقراء!

لا شارع يخلو من بسطة وفي الليل والنهار، فالسوق الحقيقي يبدأ في وقت متأخر من الليل بعد إغلاق المحلات التجارية في منطقة سوق الحميدية والصالحية وباب توما وشارع لوبية في مخيم اليرموك، وشوارع ومناطق أخرى عديدة، إن رخص أسعاره النسبية وبضائعه البسيطة جعل عدد مرتاديه في ازدياد كبير ليصبح ليل العاصمة نهاراً للفقراء. 

وأغلبية أصحاب هذه البسطات هم من البسطاء وصغار الموظفين من مختلف المحافظات السورية، ضاق بهم العيش فوجدوا في البسطة ملاذاً كي يكسبوا لقمة عيشهم .

الكر والفر وشركاء الماء

والعديد من الشباب العاملين على هذه البسطات يعملون بأجر يومي زهيد عند بعض مالكي البسطات الكبيرة والمدعومة وعلى الرغم من اتفاقية الهدنة بين شرطة المحافظة والبلديات والجهات المستفيدة من وضع البسطات بهذه الطريقة العشوائية لم تستقر أوضاع أصحاب البسطات وبقوا في حالة «الكر والفر» مع هذه الجهات التي تشاركهم ربحهم على المرتاح لتخسر الدولة حصتها وتذهب الى جيوب فئة من الفاسدين والمفسدين في أجهزتها المتربصين بكل شىء.

«أحمد جمال» يبلغ من العمر 38 عاما من محافظة حلب أعزب يقول: «أعمل منذ عشرة أعوام في بيع أوراق اليانصيب وأجلس هنا عند ساحة المحافظة أعيش على هامش الحياة، أشتري هذه البطاقات وأربح عشر ليرات على البطاقة الواحدة فكيف لي أن أتزوج وأفتح بيتاً وأصرف على الأولاد وبعض الزبائن عند ربحهم يعطوننا إكرامية والبعض الآخر لا شيء».

أحمد مهر: 19 عاماً من دمشق من منطقة الشاغور يعيل أسرة من ثمانية أشخاص يقول: «بعد وفاة والدي وذهاب أخي الكبير للخدمة العسكرية أصبحت مسؤولاً عن جميع إخوتي وأتجول في شوارع دمشق لبيع هذه الأوراق مقابل ربح بسيط كنت أطمح بأن أعمل بغير هذا العمل (لكن العين بصيرة واليد قصيرة)».

رجب عبد الرزاق : يقول: «جئت من مناطق حلب، من معرة النعمان وأعمل من الصباح وحتى المساء على هذه البسطة المتواضعة فوجدت هنا في السوق الكبير يأكل الصغير ومنذ ثلاثة أيام لم أر أولادي كي أبقى حاجزاً لهذا المكان».

تسعيرات للرشاوي!.. نكتة سميكة

ياسر حسان : متزوج له ولدان ومنزل أجار، أحياناً أعمل 24 ساعة هناك بعض البسطات المدعومة لا أحد يقترب منها، أما نحن معشر العاديين فعلينا أن نتدرب على الهرب من الشرطة، والسوق كله كذب وخداع و يقوم بجمع الأتاوات أحد الأشخاص وهي حصة جهات عديدة منها المحافظة والبلدية والشرطة وغيرهم يعني أن جميع الجهات تستفيد من البسطة وهناك تسعيرة فاتورة دفع لهذه السلطات حسب نوع وحجم البسطة والمكان والموقع ويتراوح الدفع من (50 ل.س) للبائع الجوال الماشي إلى البسطات الثابتة الصغيرة حتى (200 ل.س) مروراً بالبسطة الوسط (500ل.س) والكبيرة (1000 ل.س) تخيل هذه المبالغ التي يدفعها صاحب بسطة شحاطات في سوق الحرامية أو أي رصيف صغير في دمشق وما يدفعه من ضرائب صاحب سوبر ماركت أو محل تجاري في حي الصالحية إنها نكتة سميكة. فعلاً نحن نتعب ليلاً ونهاراً وغيرنا يأكل اللقمة.

أقرباء المحافظ السابق

 منذ فترة سجلوا أسماءنا ووعدونا بأكشاك في هذه المنطقة عند سوق العتيق وقبضت البلدية 500 ليرة من كل صاحب بسطة بحجة تثبيت الأسماء واتضح فيما بعد بأننا فقدنا هذا المبلغ والحلم أيضاً وبالتالي سجلت هذه الأكشاك لمصلحة بعض أصحاب الواسطات والتجار والأسماء مسجلة ويمكن للشخص أن يتأكد منها، والعديدون منهم إما أقرباء للمحافظ السابق لمدينة دمشق الذي أصبح وزيراً أو لبعض أصحاب النفوذ. ومنذ يومين دفعت مبلغ ثلاثة آلاف لتخليص البسطة من إحدى الجهات بعد مصادرتها وبعد مساومة شديدة على المبلغ الكبير الذي كانوا يطالبونني به، وأنا أستغرب من هؤلاء الذين يأتون في الحادية عشرة والثانية عشرة ليلاً ويضايقوننا بحجة أنهم مكلفون بمتابعة هذه البسطات وسيبقى في ظل هذه الفوضى القوي يأكل الضعيف «يلي فوق فوق ويلي تحت تحت».

أبو رشيد: «جئت من مدينة القامشلي ـ اليعربية مع أهلي بعد أن ضاقت بنا الأحوال وأنا معاق أعمل بالأجرة عند معلم عنده عدة بسطات للدخان وراتبي يتراوح بين 5000 أو 6000 ل.س نسكن في منزل بالأجرة (3000 ل.س بالشهر) وأسرتنا من سبعة أشخاص والوالد عاجز، تبرعت له بكليتي كنت أتمنى لو لم أكن أبيع الدخان على البسطة كان حلمي أن أفتح محل سيديات ودوامي اليومي صعب منذ السابعة صباحاً وحتى الثامنة مساءً أقول: يلي ما إلو حظ لا يتعب ولا يشقى».

«إرشي تمشي على رمشي»

أبو أحمد : جئت من إدلب متزوجاً ولدي طفلان. لولا ضغط الجهات التي تقاسمني مربحي لكنا بألف خير أما الأن فالأمور ليست جيدة كما ترى نأتي بهذه البضاعة من حلب ونربح في الكنزة والقميص أو البنطلون بين 25 و 50 ل.س وكل الشباب في هذا السوق دراويش يعملون بجد وبعضهم يعمل أكثر من 20 ساعة يومياً والغريب أن هذه الرشاوى لم تتوقف حتى في رمضان ليبقى شعارهم المفضل «إرشي تمشي على رمشي».

جهاد عثمان: «لو وجدت فرصة عمل في الحسكة لماوجدتني هنا أعمل عند شخص بأجر يومي مع أكلي وشربي ومنامة ودوامي ليل نهار دون توقف، كنت أعمل في الخياطة ولكنه عمل متقطع».

يلعب عند سوق الحرامية

الطفل حمودة: عمره سبع سنوات فقط يعمل على بسطة لوالده وأخوته الخمس أيضا يعملون في السوق وابتسم للكاميرا وثم تابع اللعب والبيع مع باقي إخوته فهنا يأكل حمودة ويشرب ويلعب عند سوق الحرامية محروماً من جميع حقوقه كطفل .

لولا الحرامية لكنا وكان البلد بألف خير!

أبو كاسم يقول: «أنا إسكافي وماكنجي منذ عشر سنوات ووضعي لم يتغير، ولولا الحرامية لكنا وكان البلد بألف خير. انتظر الزبون ساعة وساعتين من أجل عشر ليرات ويأتي موظف البلدية أو المحافظة أوغيره يطلب ضعف هذا المبلغ».

أحمد الرفاعي: أعمل لدى محل بيع ملابس منذ الصباح وحتى المساء ثم أذهب للعمل وحدي لدي بسطة صغيرة وأدفع يومياً 50 ل.س للشرطة ضريبة للبسطة، وأنا مضطر فنحن ثمانية أولاد مع الوالد والوالدة وأنا أكبرهم، وقتي كله للعمل لتامين حاجيات هذه الأسرة الكبيرة ولا أدري كيف سيصبح حال أهلي عند التحاقي بالخدمة العسكرية، فأنا المعيل الوحيد لهم، وفي عملي المسائي أحياناً لا أعمل بليرة سورية واحدة.

المسؤولون تركوا الجميع يسترزق

رجل يشتري من البسطة (كبير في السن):

«هل تعلم بأن البسطات زادت عدداً في الفترة الأخيرة وفي جميع المحافظات وهناك غض نظر عنها بالرغم من تأثيرها على المنظر العام للمدينة أثناء مواسم السياحة. إلا أن المسؤولين تركوا الجميع يسترزق للتخفيف من المشاكل فالبطالة منتشرة بشكل واسع، وهذه إحدى طرق معالجتها للتخفيف من إحدى مشاكل الجريمة والسرقة. فإن قمع هؤلاء الناس ولم يجدوا فرصة عمل ستصبح الأمور أسوأ».

شادي كيالي: تحدث بألم عن وضع الشباب المعاق تحديداً وتساءل «كيف تترك الدولة هؤلاء الشباب في هذا اليأس وكأنهم وجدوا ليعملوا على بسطات الدخان تحديداً فأينما ذهبت وجدت بسطة دخان عليها رجل عاجز وكأنه عرف متبع، أعتقد أن هؤلاء الأشخاص يحتاجون إلى عناية ورعاية خاصة بعيدأ عن العمل الذي يطول إلى 15 ساعة».

فول نابت!

أبو محمد: «عمري 65 عاماً أعمل على هذه البسطة منذ أكثر من 35 عاماً أبيع الفول النابت على هذه العربة ومؤخراً اشتريت سيارة بيك آب روسية للتنقل لأنني تعبت كثيراً وهناك البعض غاروا مني لأنني اشتريت سيارة ونسوا بأنني أركض منذ خمسين عاماً حتى وصلت لما وصلت إليه بعد أن ذقت الأمرين».

14 ساعة عمل بأجر لا يسد الجوع!!

أحمد: «أعمل عند معلم يأتي بالبضاعة من حلب ونحن ورشة كاملة من العاملين نعمل لديه جميعاًًًً منذ الساعة الثامنة صباحاً وحتى العاشرة ليلاً نبيع بنطلونات وكنزات وقمصان ستوكات من حلب وذلك بالأجرة. معلمنا ليس قاسياً ولكنه لا يرحم وهو شخصياً يتفاهم مع الدوريات سواء الشرطة أو المحافظة أو البلدية، مرة أقف عند باب الجابية وأخرى في المخيم وكل يوم في مكان وأقبض في اليوم 150 ليرة وهذا لا يكفي لسد الجوع».

عصرونية ماشية

محمد العلي: لديه دكان متحرك عصرونية ماشية يقول «أعمل عند معلمي منذ عشر سنوات ولديه عشر عربات متنقلة متحركة، يجلب بضاعة بالجملة من سوق العصرونية ونبيعها على العربات من الصباح وحتى المساء كل أيام الأسبوع وأجرتنا بالمياومة ولا تتجاوز اليومية 200ل.س».

سلطان نفسي

سعيد العبد الله: «أصلح، وأبيع ساعات جديدة وقديمة وهي مهنتي لا أغيرها. وهل تريدني أن أعمل بوظيفة ب 5000 ل.س. بالشهر كيف سأعيش بهذا الراتب، اليوم أكسب أكثر من الوظيفة بكثير وأعمل ملء حريتي ليس لأحد علي سلطة فأنا سلطان نفسي».

وباعتبار أن شريك الماء لا يخسر وهكذا فشركاء الرشوة رابحون على الدوام، يتهربون من القيام بواجبهم المتمثل بقمع أصحاب البسطات، وتتهرب الدولة من واجبها في إيجاد عمل لائق ويسد الرمق لأصحاب البسطات، ويتهرب أصحاب البسطات من دفع الرشوة والأتاوة لطالبيها من الجهات المتعددة والمتنوعة، ويتهرب الشاري من الشراء من المحلات الغالية، ونتهرب جميعاً من حل مشكلة عدم تناسب دخولنا مع الأسعار، ولكن إلى أين المفر فالبحر من ورائنا والعدو من أمامنا.

■ ابراهيم نمر

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.