المواطن السوري: معط أو مستعط...! ووظيفة الدولة والشركات الخاصة: المعمّمة..!

لقد آل الوضع الاقتصادي السيء للسواد الأعظم من المواطنين في سورية الى درجة أن هناك ـ بحق ـ أسراً كثيرة على امتداد خريطة البلاد، ينام أبناؤها ليلتهم أو يستيقظون دون أن يجدوا في جيوب ذويهم ما يؤمن لهم ثمن كسرة خبز!.

 ومعروف ما يلحقه بالجميع مثل هذا الواقع من أذى اجتماعي واسع النطاق- بكل أسف- ولعل اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، بات الشرخ الاجتماعي واضحاً بين مستغِل ـ بكسر الغين لا يكتفي بما يمارسه من سرقة  المجتمع بل راح يسرق لقمة الاجيال المقبلة ايضاً، ومستغَل ـ بفتح الغين ـمسلوب الارادة واللقمة، لنكون بالتالي أمام حالتين متناقضتين، تحتل كل منهما أقصى درجة ممكنة، إذ ان اللصوص الكبار يخططون، وبدأب، لدفع ما تبقى من افراد المجتمع، كي يكونوا لصوصا صغارا، للتغطية على سوءتهم ، وعلى طريقة - نهر الجنون- وبالعدوى، في مجتمع لم يعد يجد ابناؤه في الافاق بريقا سوى: ورقة اليانصيب او الانجراف في نهر اللصوصية، ان وجدوا الى ذلك سبيلا، او الاسهام في رفع ارقام الخط البياني للجريمة و الفساد الخلقي 

وإذا كان المواطن ، مهيض الجناح واضح الهوية أمام العيان ، فان معاشر ناهبي لقمة هذا المواطن هم واضحون بالدرجة نفسها، وان كان كثيرون منهم لما يزل يمارس ـ لعبة الغميضة ـ أو التنويم المغناطيسي ـ مع المواطن متوهماً أن السطوة التي يمتلكها قادرة على تقديمه في مظهر المواطن الشريف والمبدئي... والى ما هنالك من مصطلحات يفتقر اليها قاموس اللصوص عادة ... بل ويمكن هنا التأكيد أن كل تفاصيل لوحة الواقع ـ آنفة الذكر ـ باتت تؤكد مقولة مضيئة في تراثنا الإسلامي وهي ما قاله علي بن أبي طالب قبل أربعة عشر قرناً : ما اغتنى غني إلا بفقر فقير...!! 

إزاء هذا العوز الهائل لدى مواطننا، نجد ثمة جمعيات ( خيرية ) تظهر كالفطر  بين الفترة والأخرى خارج حدود مهماتها- مع الاحترام والتقدير للجاد منها - تحاول تقديم بعض المساعدات الطفيفة له، ولاسيما في بعض المناسبات والأعياد،لإدخال ـ فرحة ـ  موقوتة الى قلبه، لاسيما إزاء تقديم قطعة لباس، أو ثمن وجبة طعام له .

وإن الاعلان عن أية مناسبة كهذه كاف لتجمهر مئات الأسر في كل مدينة أمام أبواب ونوافذ مثل هذه الجمعيات!!..

ولعل من أغرب ما يتم الآن هو أن نقرأ إعلانات مخملية تملأ شوارع المدن السورية فيها عبارة مثل : بشرائك زمزم أنت تساهم بدعم صندوق العافية الخيري ـ بيض صنائعنا..!!..الخ.. أو عندما تجد شركة الهاتف الخليوي ـ سيريتل ـ تعلن عن فتح باب التبرع ـ للفقراء ـ بمبالغ تتراوح بين 25 ل.س500 ل.س وهي بصراحة أساليب جديدة على «محسني البلاد!» وهي لا تعفي أية شركة طاهرة !!من مساءلتها عن آلية ضبط مثل هذه التبرعات، وعن جدية نوايا شركة تجارية حول هذا العمل، لاسيما أن واحداً ـ شكاكاًـ من طرازي قد يرى أن هذه الشركة تتوخى من وراء هذا الصنيع في أقل تقدير.... إجراء دعاية واسعة النطاق لشركة خليوية (خيرية)، ودغدغة مشاعر المواطن ، وإلباس الشركة جبه وعمامة إيمانية ، وعلى حسابه الشخصي...!

عموماً، وعلى الرغم من إمكان بعض هذه الجمعيات القيام بحل ـ جزئي ـ لمعاناة مواطننا ، بيد ان توسع دائرة المعوزين، تدعو الى وجود ـ جمعية ـ خاصة في كل شارع ، وكل قرية من خريطة البلاد، وهذا ما يعد من ضروب المحال ـ لأن كل مواطن في هذه الحال ينبغي أن يتحول الى معط اومستعطٍ في آن واحد «على ندرة جمهرة المعطين كحالة شاذة»، باستثناءـ  قلة قليلة ناهبة ـ ومن هنا فنحن ازاء اعتداء على مسوغ و وظيفة لطرف رئيس في المعادلة هي وظيفة: الدولة .... أليس كذلك..؟ 

●● كلمة المعممة هنا من : العمامة... وليس من العامة..!! اقتضى الاعتذار.!!

■ إبراهيم اليوسف

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.