الشركات الانشائية تتقدم نحو الوراء.. ثمة من يريد لها الافلاس

 المتابع لواقع الشركات الإنشائية وتراجع مستوى الأداء والإنجاز في أعمالها وتأخر المشاريع المكلفة بها أشهراً وسنوات عديدة لابد أن يطرح تساؤلات عديدة خصوصاً أن الوفر المالي موجود ويتضح ذلك من خلال تصريح جهات رسمية عدة بأن خططها الاستثمارية نفذت بنسب مئوية متدنية، والمواد اللازمة للعمل أيضاً متوفرة بعد أن انتهت مرحلة الحصار الاقتصادي التي فرضت على البلاد في منتصف الثمانينات. إذن ما هي الأسباب التي أدت إلى تراجع عمل الشركات الإنشائية ولماذا تركت حتى وصلت إلى واقعها الراهن دون إيجاد الحلول المناسبة؟ ولمصلحة من محاولة إنهائها؟

إن ما دفعنا للكتابة حول هذا الموضوع الهام هو زيارة السيد الرئيس إلى مدينة حمص وجولته التفقدية الميدانية لبعض المشاريع الحيوية  وسؤاله عن أسباب تأخر تنفيذ المشاريع وتراجع مستوى أداء الشركات الإنشائية وإدراكاً منا بأن تعدد النظر إلى الموضوع من عدة جهات يساهم في إضاءة أهم أسباب التراجع لا بد من إعادة الاعتبار لمقولة أن من كان سبباً في الفساد (الإدارات) لا يمكن أن يكون معيناً على الإصلاح لتناقض مصالحه مع تغيير أو تطوير الوضع الراهن والقائم حيث يتم تقييم عمل الشركات وأدائها (وللأسف) من خلال التقارير التي ترفعها الإدارات بشكل يخدم مصالحها الخاصة وتعطي صورة مضللة عن نسب الإنجاز وواقع عمل الشركات.

لماذا وصلنا إلى هنا؟

ثمة أسباب عديدة تضافرت وأفضت إلى هذا الواقع المتردي للشركات الانشائية  يمكن تلخيص أهمها بالنقاط التالية:

■ ضعف القوة الشرائية لليرة السورية أمام العملات الأجنبية وتراجع وجمود الاقتصاد السوري  بشكل عام مما أدى إلى جمود عمل الشركات وساهمت قرارات الدمج السابقة وغير المدروسة بتراجع أدائها والتي نأمل أن تكون التجربة الراهنة لدمج الشركات قد استفادت من سلبيات التجربة السابقة فعمل الشركات الإنشائية أصلاً كان ذا طابع اختصاصي بقرارات إنشائها!!

■ ضعف الرواتب والأجور وإلغاء العمل بنظام الحوافز الإنتاجية و الانتقال إلى نظام وحدة الإنتاج واستطالته فيما بعد (منطقياً) إلى نظام المتعهد الثانوي بحجة عدم توفير اليد العاملة الفنية والمهنية وهروبها من الشركات لعدم استقرار وضع العاملين فيها بمختلف اختصاصاتهم والهجوم على مكتسبات الطبقة العاملة مثل طبيعة العمل وتعويض الاختصاص والعمل الإضافي وأذونات السفر والطبابة والتنقل والمكافآت التشجيعية.. فبحسب القوانين لا يعتبر سوى الراتب الأساسي حقاً مكتسباً لا يمكن المساس به وكل ما عداه يعتبر سلاحاً بيد الإدارة تحارب به العاملين بحسب الولاءات والمزاجية ويساعدها بذلك روح القوانين المطاطة والثغرات الموجودة بها.

■ قدم الآليات الهندسية وعدم تجديدها وعرقلة القوانين الناظمة لهذا الأمر، ولكن السبب الرئيسي هو وجود منفذ نهب وسرقة يتمثل في فواتير الصيانة لهذه الآليات بينما تتوفر السيولة المالية والتسهيلات القانونية اللازمة لتحديث سيارات الإدارات والتي نعتقد بضرورة تواضعها وأن تكون عملية لتلائم طبيعة العمل في المشاريع.

■ قصور الدراسات للمشاريع مما يتطلب إعداد ملاحق عقود لتواضع الميزات المادية والمعنوية للجهات الدارسة وضعف المعلومات الأساسية والوظيفية المطلوبة لإعداد دراسة متكاملة ووافية من الناحية الهندسية وتحديد القيمة المالية لتكلفة بعض المشاريع بشكل مسبق من قبل الجهة صاحبة المشروع مما يضطر الجهات الدارسة إلى إلغاء جوانب عديدة من الدراسة وعدم تغطيتها، وكذلك عدم وجود التكامل الهندسي المطلوب فيما بين مختلف الاختصاصات الهندسية مما يعيق المطابقة بين الاختصاصات في المشروع الواحد أو اعتماد الطرق الكلاسيكية القديمة في المطابقة وتأخر تطبيق استخدامات النظم المعلوماتية والحاسوب.

■ ضعف أنظمة التعاقد (المراسيم 228 و 195) وعدم الالتزام بالعقود الموقعة من قبل الجهات المنفذة وكذلك عدم الالتزام بالبرامج الزمنية لغياب المحاسبة والضعف الشديد للأجهزة الرقابية وعدم تطوير الكوادر الفنية وتشتت عملها في عدة اختصاصات.

■ ضعف الإدارات فنياً وإدارياً لاعتماد  أسلوب التعيين (ولاء ـ محسوبيات) حيث أصبحت الإدارة منصباً سياسياً مما أدى إلى وصول إدارات ضعيفة فنياً وإدارياً وإلى هروب الكوادر الفنية ذات الكفاءة والخبرة الجيدة من الشركات نتيجة ممارسات الإدارات واعتمادها المركزية الزائدة وأسلوب الصلاحيات الواسعة والتي يكرسها مرسوم تأسيس الشركات والمؤسسات العامة في مواده رقم 24 و25 اللتين تحددان مهام وصلاحيات المدير العام والتي برأينا تتناقض جوهريا ًومنطقياً مع مبدأ المؤسساتية الجماعية.

■ تحييد التنظيم النقابي وعرقلة عمله في الشركات الإنشائية، وتبعية اللجان الإدارية والرقابية الداخلية للإدارة متمثلة بشخص المدير العام وتوجيهها باتجاه لعب دور ابتزازي تجاه العاملين وغياب الهيكلية التنظيمية والإدارية والأنظمة الداخلية حيث أصبح لكل شركة أنظمة خاصة بها تتبدل مع تبدل المدير العام مما يشير إلى ضعف نظام إدارة الشركات الإنشائية.

■ اسلوب المناقصات المتبع والذي يعتمد على العرض المالي فقط واستبعاد العرض الفني مما سمح بنسب كسر مرتفعة تزيد عن 30 % وهذا يؤدي إلى خسارة مبدئية تزيد عن 10 % كون تحليل الأسعار يعطي للبنود العقدية نسبة 20  % أرباح وهوالك، ويتم تغطية ذلك على حساب نوعية المواد والجودة الفنية حتماً. والسبب الرئيسي بذلك ليس تأمين جبهات عمل كما تدعي الإدارات بل تأمين السيولة اللازمة لاستمرار منافذ النهب والسرقة على حساب مصلحة العمل والعاملين حيث لا تدفع رواتب العاملين أشهراً عديدة بينما تسدد مستحقات المتعهدين الثانويين حتى أحياناً قبل وقتها لضمان حصص الإدارة منها مما يفسر مظاهر الغنى والترف للإدارات بشكل واضح وفاضح وفي الوقت نفسه تتهم الشركات من قبل إداراتها بالخسارة..

■ غياب التخطيط لخدمة المصلحة العامة وتعدد الجهات الوصائية وتفشي الروتين والبيروقراطية في العمل الفني الهندسي وغياب دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع والتأخر في تلزيم المشاريع لسنوات عديدة مما يؤدي  إلى تراجع دورها الوظيفي الذي أعدت من أجله.

■ تراجع دور الجهات المشرفة على تنفيذ أعمال المشاريع بسبب عدم إعطائها الصلاحيات اللازمة لتطبيق الشروط والمواصفات الفنية والتي بدورها لا تخضع للتحديث وفق التطورات والمستجدات العلمية والفنية الحديثة وكذلك ضعف اختيار كوادر جهاز الإشراف من ناحية الخبرة والاختصاص.

كي لا تفلس الانشائية

إذا ما أراد المعنيون بعملية الاصلاح تحسين أداء الشركات الانشائية وحمايتها من النهب واحتمالات الخصخصة فلا بد من الإسراع بتحسين أوضاع العاملين فيها وإصدار القوانين اللازمة بذلك وتأمين استقرارهم وتشجيع اليد العاملة الفنية والمهنية للعودة إلى العمل في الشركات الإنشائية وتطبيق نظام الحوافز الإنتاجية ووضع ضوابط للعمل على أساس الوحدة المنتجةو إعادة النظر بدور الإدارة وإلغاء مبدأ التعيين وتفعيل دور اللجان الإدارية وتطوير الأنظمة الداخلية وتطبيق مبدأ المحاسبة ومحاربة الفساد داخل الشركات والإسراع بتطبيق الإصلاح الإداري ومن الضرورة أيضاً إلغاء بعض القوانين التي تحاول إنهاء القطاع العام وآخرها تخفيض المحروقات للآليات بنسبة 25 % ورفع مستوى الدراسات وإعطاء الوقت الكافي للتدقيق ومطابقة الاختصاصات مع بعضها واختيار الكوادر من منطلق الكفاءة الفنية والعلمية والخبرة العملية وتطوير الكادر بشكل مستمر و إعادة النظر بموضوع المناقصات والتركيز على العرض الفني وتصنيف المقاولين بما فيها الشركات الإنشائية وتطوير أنظمة التعاقد وتحديث المواصفات والشروط الفنية بما يتلاءم مع المواد الحديثة والمستجدات العلمية وإعطاء الوقت الكافي للجهات المنفذة لدراسة إضبارة المشروع وإزالة كافة الثغرات القانونية والفنية قبل التعاقد والبدء بالتنفيذ. ذلك عدا ضرورة تطوير الآليات وإعطاء الصلاحيات الكاملة للشركات لتجديد آلياتها بشكل مستمر وبما يتوافق مع استخدام أحدث الآليات لرفع السوية الإنتاجية والفنية للعمل والالتزام بالبرامج الزمنية التي ستصبح أكثر واقعية بحل المشاكل السابقةإضافة إلى تفعيل دور الجهة المشرفة وإعطائها صلاحيات أوسع في تطبيق الشروط والمواصفات الفنية وتتبع تنفيذ البرامج الزمنية ورفع سوية العاملين في الإشراف واختيار الكوادر المشرفة وفق الكفاءة الفنية والخبرة العملية والاختصاص و إعادة النظر بدور الجهات الرقابية وصلاحياتها وإلحاقها بالسلطة التشريعية وليس التنفيذية وتفعيل دور الصحافة للكشف عن مواقع الخلل والفساد.

إن التصدي لما ذكر أعلاه ومعالجته بشكل علمي ومنطقي وبمشاركة ذوي الاختصاص والخبرة والحريصين على المصلحة العامة ومصلحة الوطن بالقول والفعل، وتطوير مشاركة العاملين في إدارة الشركات كفيل بأن ينهض بعمل الشركات الإنشائية وقطاعنا العام ودوره الأساسي في حماية الاقتصاد السوري والمواطن السوري.

 

■ حمص ـ مراسل «قاسيون»