تحقيق: ابراهيم نمر وسوزان سالمة تحقيق: ابراهيم نمر وسوزان سالمة

مخيم جرمانا، عيش يقصم الظهر ويقصر العمر..

ليس بعيداً أن يدخل مخيم جرمانا في كتاب غينيس للأرقام القياسية، لشدة ضيق .. أزقته فالمخيم الذي تأسس ما بين عامي 1948 / 1949  هو واحد من عشرات المخيمات التي أقيمت للاجئين الفلسطينيين في بعض الدول العربية مثل سورية ولبنان والأردن، إضافة إلى عائلات من النازحين السوريين يشاركون  إخوانهم الفلسطينيين همهم وحلمهم...

 

ومنذ لجوء النازحين إلى هذا المخيم، لم تتحسن ظروف حياتهم، بل ازدادت سوءاً وذلك في جميع نواحي الحياة، ابتداءً من السكن وهذه البيوت المتلاصقة ببعضها والمتراكبة فوق بعضها، والأزقة الضيقة التي لم يتجاوز عرض البعض منها نصف المتر، ومروراً بجميع الخدمات الضرورية الأساسية، من مياه نظيفة للشرب والصرف الصحي وحاويات القمامة والكهرباء والهاتف والمواصلات وتعبيد الطرقات (حيث لم تعبد منذ عشرين عاماًَ)، ومدارس الوكالة التي لاتستوعب أطفال المخيم، و الطبابة التي لاتسد الحد الأدنى من حاجات أبناء المخيم.

عيش يقصم الظهر ويقصر العمر، وأصوات الناس وعيونهم تعبر عن الحزن والوجع الدامي الذي يكتنف المخيم وسكانه وسكان العديد من المخيمات من خان الشيح وخان دنون والنيربين إلى مخيم جرمانا، وشهادات يرويها أبناء المخيم، يصفون فيها بؤس مخيمهم ومعيشتهم:

■ السيد علي هلال: «المخيم وضعه من السيئ إلى الأسوأ، النظافة معدومة، الخدمة الهاتفية كذلك. أما الشوارع  والأرصفة فحدث ولا حرج. الشتاء لا يطاق في هذا المخيم ومسلسل انقطاع التيار الكهربائي مستمر، شتاءً تنقطع المياه يومياً. ويشكل نقل الأثاث عبر أزقة المخيم الضيقة معاناة إضافية للسكان إذ ينقل بالمفرق من فوق أسطح المنازل. أما نسبة البطالة فهي عالية جداً خاصة بين صفوف الشباب».

■ السيد زهير (نازح من الجولان السوري): «أعمل منذ سنوات في هذه المنطقة ولم ألحظ أي تحسن على أحوال المخيم، وأعتقد أن أخطر ما تعرض ويتعرض له مخيم جرمانا هو مسلسل هدم البيوت المستمر بدون انقطاع منذ فترة طويلة،  وتشريد المئات من العائلات من منازلهم بعد أن سويت منازلهم بالأرض، بعضهم استلموا إنذارات والبعض تفاجؤوا ولم يتم تأمين أي منزل بديل لهؤلاء الذين شردوا من منازلهم ولذلك التجؤوا إلى أقربائهم وأصحابهم لعدم قدرة الأغلبية على استئجار منزل وبقوا في العراء عدة أيام».

■ أبو محمد (صاحب بقالية): «الخدمات شبه معدومة. فمثلا بيدون ماء الشرب يكلف خمس عشرة ليرة سورية يومياً وهذه مشكلة كبيرة  بالنسبة للعائلات التي تستهلك أكثر من بيدون وشباب المخيم يعانون من البطالة والغريب أن الدولة لا تهتم بأمرهم نهائيا ولا حتى وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين».

■ أبو سعد (رجل طاعن في السن):  «إذا كانت الدولة تتهرب من المسؤولية ووكالة الغوث كذلك فعلى من تقع مسؤولية تأمين حياة هؤلاء الفقراء الذين لم يرتكبوا ذنبا سوى أنهم لاجئو مخيمات.

 إن تأمين الخدمات الضرورية للإنسان هي مهمة الدولة وعليها أن توفرها لجميع المواطنين بدون استثناء».

■ أبو سمير: «هل من العدل أن تصل البطالة إلى هذه النسب المخيفة؟ يقال إن أكثر من ستين بالمائة في هذا المخيم لا يعملون . أما الذين يعملون فأغلبيتهم يعملون في أعمال سيئة كالبحث في الحاويات عن البلاستيك الذي يمكن بيعه لبعض المعامل وأشياء أخرى يمكن الاستفادة منها وبيعها.  وعموماً نسبة العاملات أكثر من العاملين لأن العاملات يرضين بأجور زهيدة وأغلبهن يعملن في المعامل القريبة وفي البيوت.  أما عن الطبابة فحدث بلا حرج، ففي مستوصف الوكالة السرقات كثيرة إذ يقومون بكتابة الأدوية على الاستمارات الموجودة عندهم بشكل عشوائي مدعين صرفها لسكان المخيم».

■ السيدة أم علي: «لا يمكن تحمل منظر الزبالة في كل زاوية من زوايا المخيم وهذا المنزل المهجورأصبح مرتعاً للقمامة والحشرات الضارة والجرذان،  والكلاب الشاردة تتجول في حارات المخيم ليلاً نهاراً، يجب حل هذه القضايا وتأمين المياه النظيفة لأبناء المخيم وتوفير الحضانات الرخيصة للأمهات العاملات لأنهن يعانين الأمرين في تأمين أطفالهن، وسابقاً كانت وكالة الغوث توفر وتؤمن للنساء بعض الدورات التعليمية مثل تعلم الخياطة والكمبيوتر وعدد من دورات محو الأمية وتوقفت هذه الدورات في الفترة الأخيرة، وعموما كان الإقبال على هذه الدورات قليلا لأنها لم تكن رخيصة بالمقارنة مع دخل السكان. 

■ السيد أبو علاء: »هناك بعض البيوت التي أصبحت مهددة بالسقوط نتيجة تشكل سراديب للمياه بسبب سوء تصريف المياه المتسربة من الصرف الصحي . وهناك منزل للمرأة العجوز قد يسقط بين لحظة وأخرى وهو يشكل خطراً حقيقياً على حياتها».

> السيد منصور (عامل): «لدي ولدان أعمل في معمل شوكولا، الدوام طويل جداً والقطاع الخاص استغلالي لايرحم،  والراتب لا يسد الرمق، نسبة الفتيات العاملات أكثر من الشباب بكثير عندنا في المعمل مائة وخمسون فتاة مقابل حوالي أربعين شاباً ورواتب الفتيات أقل بكثير من رواتبنا .أما مدارس الوكالة فهي بصراحة لم تعد تقدم الفائدة المرجوة منها ولا تقوم بالدور المطلوب  لذلك يضطر الكثير من الأهالي إلى إرسال أولادهم إلى الجامع لتعلم القرآن، ودورات تعليم القرآن مجانية في الجامع».

■ الطفل حازم: كان إصرار الطفل حازم الذي لم يتجاوز الثامنة من العمر كبيراً للتحدث معي وما أن سألته عن سبب إصراره حتى قال «أريدك أن تصورني على أنقاض منزلنا، لقد هدمواالمنزل ورموا أغراضنا إلى الخارج».

■ أيمن (نازح سوري): «في مخيم جرمانا لا فرق بين نازح فلسطيني وآخر سوري فكلاهما يعانيان الأمرين من الحياة التي أصبحت كالجحيم، وأنا شخصيا أريد العودة إلى أرضي اليوم أكثر من أي يوم مضى. والتعويض الوحيد لأي لاجئ هو التمسك بحق العودة مهما كانت التضحيات، لا للمساعدات، لا للقروض، العودة إلى الأرض هي الحل الوحيد.  يجب على الجميع أن يدركوا بأننا سنجد الأساليب المناسبة لكي نستعيد كامل حقوقنا كما فعلت المقاومة اللبنانية الباسلة في الجنوب اللبناني».

■ محمد: «أريد أن أوضح عن هذا الجبل من النفايات السكان يضطرون إلى رمي الزبالة في هذا البيت المهجور لعدم انتظام الدوام بالنسبة لعامل البلدية يأتي كل ثلاثة أيام مرة وبالتالي أصبحت هذه القمامة مرتعا للحشرات الضارة والجرذان والمنطقة بحاجة إلى رش مبيدات بشكل دائم».

■ عباس (أبو علاء): «خلال الفترة الماضية تم هدم أكثر من125 منزلاً دون تأمين أي سكن بديل، وهناك ما يقارب 50 ألف نازح يقطنون هذا المخيم وهم فلسطينيون وسوريون. وكالة الغوث هي المسؤولة عن تخديم المخيم، والعديد من البيوت قابلة للانهيار. هناك بعض الجهات تضايق السكان عند  صيانة أي منزل في المخيم. أعتقد أنه يجب تأمين وحدات سكنية لجميع القاطنين في هذا المخيم قبل أن يقع الفأس بالرأس. إن ما يتم الآن من هدم  وبهذه السرعة قد يوصل الأمر إلى حافة الهاوية، حيث يتم إزالة ما بقي من بيوت المخيم، والجميع يؤكدون أن الذين فقدوا بيوتهم أصبحوا كمن هو »من تحت الدلف لتحت المزراب«.

■ عمرالصعبي: «هذا المخيم ليلا يصبح مغارة كبيرة تبتلع سكان المخيم في عتمة حالكة دون إنارة، وهناك تسرب دائم من الصرف الصحي مسبباً ضرراً كبيراً  للسكان وإصلاح أي قضية خدمية من هذا النوع يتحملها الأهالي على نفقتهم الخاصة وأنا مقدم على الزواج بعد خطبة طالت أكثر من سنتين لا أجد أي بصيص أمل وكأن هناك من يدفعنا إلى اليأس رغماً عنا. أليس من الغرابة أن تكلف الأنروا طبيباً واحداً لكل سكان هذا المخيم الذي يقدره البعض بنحو40ألفاً.

 منذ فترة حصلت سرقة ونهب لبعض أغطية مجارير الصرف الصحي، وتم لفلفة الموضوع وأصبح في طي الكتمان. لا أريد أن أطيل عليك أكثر لأن معاناة هذا المخيم كبيرة لا تحصى . وحاتم قد يعبر لك عن هذه المعاناة بصدق أكثر».

  الطفل  الأبكم حاتم كان خير معبر بالإشارات والرموز عن كل أبناء المخيم.

■ السيد محمود قاسم: «منذ نزوحي إلى هذا المخيم وحتى الآن أنا مهدد بالرحيل وتم هدم العديد من البيوت وترحيل أصحابها وهناك منزل تم إغلاقه بالشمع الأحمر، وصاحب المنزل ليس له حول ولا قوة ماذا يفعل؟ ومؤخرا وضعوا سلماً حديدياً كي يتسلقوا منه ليناموا في أرض الدار. أعتقد أن أكثر من نصف المنازل في هذا المخيم قد هدمت منذ أن بدأت عمليات الهدم. أنا لا أذكر بأن أحدا زار هذا المخيم سواء أكانت جهة حكومية أو فلسطينية أو صحافة أو غيرها».

هناك في تلك الأزقة الضيقة حتى الميت لا يلقى حقه في الحمل بتابوت إذ لا يوجد زقاق يتسع لمرور تابوت فيحمله الرجال على الأكتاف إلى الشارع.

■ السيد أبو علي الصعبي: «بالرغم من ثقتنا بعدم تحسن أحوالنا نحن نراجع كل جهة فلسطينية حكومية حزبية لتحسين أوضاعنا لكن لا حياة لمن تنادي. هناك أسئلة عديدة لم نجد لها آذاناً صاغية. هل من الصعب إيجاد حلول لأزمة المخيم هذه؟

نريد مرجعية قانونية لمطالبنا. الدولة تتنصل، وكذلك الأنروا وكالة الغوث، من نراجع؟ 

هل من المعقول أن يترك  الآلاف من الناس عرضة للمرض والفقر والعذاب دون أي اهتزاز للضمائر؟

 من أعطى الحق بوصول المخيم وسكانه إلى هذه الحال؟

أين حق الحياة اللائقة وحق العمل وحق الطفل والمرأة وحق … وحق … وحق … في مخيم جرمانا للاجئين؟ لا يمكن تخيل بقاء حال من التقيناهم دون تغيير.

لن ننسى ذاك الرجل في منزله ذي الغرفة الواحدة حيث فراش إسفنجي في صدر الغرفة للاستقبال هي كل ما يملك هو وأولاده التسعة .لقد شعرنا بأننا نعرفهم منذ زمن بعيد، ورغم توقعاتنا عما كنا سنراه قبل دخولنا المخيم إلا أن ما رأيناه فاق كل التوقعات وكل الوصف.