بعد ثلاثين عاماً من قانون الإدارة المحلية لابد من قرع الأجراس...!
بادئ ذي بدء, أود أن أبين انني قبلت مكرهاً الترشيح في انتخابات الإدارة المحلية التي تمت مؤخراً, وذلك كمهمة حزبية محض, فرضت علي, لأن موقفي الشخصي من انتخابات ــ كهذه ــ معروف , وسبق لي أن أوضحته في أكثر من مكان
وحين اقول مثل هذا الكلام ,فانني بالتاكيد لمدرك أهمية فكرة الإدارة المحلية التي أنشئت قبل ثلاثين عاما, وتحديداً عندما يتاح لها المناخ الديمقراطي المناسب , وفيما لو تطورت, وتجاوزت حبر مشروعها الاول وصنميته, اضافة الى أن عضوية مجلس المحافظة مجال رحب يمكن أن تعرض فيه معاناة القاع الاجتماعي، بعكس عضويتي المجلس البلدي ,او المكتب التنفيذي المرهونتين بالمكاسب الشخصية، لا سيما وان عضو المجلس لا يحصل الا على ما يعادل دولاراً و نصفاً شهرياً, لقاء حضوره ست اجتماعات سنوياً. ضمن هذا الفهم لآليات الادارة المحلية، قبلت على مضض ترشيحي, وذلك ربما مأخوذاً بسطوة رومانسية مضللة مفادها ان الشاعر اكبر من أية عضوية طارئة , بل انه برلمان كامل , واكثر من ملك, الى آخر ما هنالك من مسوغات نرجسية, قد يقع في فخاخها شخص مثلي ، ولعل هذا ما كان أحد الاسباب المهمة التي جعلتني أخجل من ترشيحي، على نحو ــ ربما ــ لم يحصل لأحد البتة وهذا تحديداً ما جعلني أعتذر ــ اكثر من مرة ــ للترشيح الحزبي للبرلمان ضمن قائمة «جبهوية» مضمونة النجاح عندما كنت في عداد أعضاء الحزب الشيوعي السوري (الرسمي) مما جعلني أستعيد بعضا من التوازن النفسي, وأتناسى الإحساس المرير بالخطيئة لمشاركتي في هذه الانتخابات هو ان ــ البيان الانتخابي ــ الذي وزعناه أنا ورفاقي في قائمة ـ كرامة الوطن والمواطن عشية الانتخاب كان جد جريء، وفيه بعض من الطموح، مما كان يشعرني بأن ترشيح أي من أصحاب هذا البيان، يأتي مختلفاً تماماً عن ترشيح سواهم, لا سيما أولئك الذين سبق وان كانت لهم تجربة مع الإدارة المحلية، (ولم يفتح أحدهم فاه) معترضاً على إجراء تعسفي, أو مناصراً مواطناً في ظلمة! ومما جاء في هذا البيان:
■ الاهتمام الجدي بالقضية الزراعية وحل المشاكل التي تؤثر سلباً على الانتاج الزراعي كماً ونوعاً وتؤثر على مستوى معيشة الفلاحين وذلك بضرورة منح سندات التمليك للفلاحين من أجور المثل أسوة بباقي المحافظات واستخدام الطرق الحديثة في الري وتحمل الدولة لجزء من تكاليف هذه العملية وتسهيل عمليات الاقراض وتسويق المنتجات الزراعية عبر محاسبة جدية لاختيار ممثليهم الى التنظيم الفلاحي دون وصاية من أحد والتوسع في شبكة الطرق الزراعية وكهربة الريف والخدمات الهاتفية.
■ توفير فرص العمل لشباب المحافظة عبر اقامة المصانع والمعامل المختلفة تكون أولوية التوظيف فيها لأبناء المحافظة.
■ فتح جامعة حكومية في المحافظة.
■ تحسين نوعية الرغيف.
■ الاسراع بانجاز المشافي الجكومية في رأس العين والمالكية والقامشلي.
■ الاهتمام الجدي باحزمة الفقر ومناطق المخالفا ت المتشكلة حول المدن وتامين الخدمات الأساسية من مياه شرب وكهرباء وتعبيد الشوارع والنظافة وعدم تحميل المواطنين تكاليف ذلك، والعدالة في تعويض المتضررين.. الكف عن كل مظاهر التمييز على اساس قومي أوديني أو سياسي مثل فصل الطلبة من المعاهد ـ تسجيل الولادات ــ تعريب أسماء القرى.
■ إعادة الجنسية إلى المواطنين الأكراد الذين حرموا منها بموجب احصاء 1962الجائر.
■ الاعتراف بالثقافات القومية الموجودة دون استثناء ودعمها وتشجيعها بما يعزز الثقافة الوطنية الإنسانية.
العود وعش الدبابير
اذا كان لم يساورني أي وهم، بأنني وسط اجواء كئيبة غير صحية، لايمكن أن أكون أحد الفائزين في الانتخابات, ذلك لأنني دائماً أتذكر مقولة جوزيف ستالين ليس المهم الحصول على الأصوات، وانما الأكثر اهمية هو من سيعد هذه الاصوات؟!، بل إنني رحت أقول في أي مقام انتخابي من هذا النوع لمن حولي أن لسان حال المتحكمين بالانتخابات هو: انتخبوا من تريدون.. ينجح من نريد! ويبدو، أنني ــ حقاً ــ قد سببت الارق لبعض القائمين على الانتخابات في الجزيرة، ومن دون أن أعلم، لاسيما وان مساهمة قائمة مرشحي ـ كرامة الوطن والمواطن ــ قد حركت العملية الانتخابية قليلاً، بل إن كثيرين ممن قاطعواالانتخابات أحرجوا، واضطروا للتصويت نتيجة ثقتهم بهذه الأسماء عموماً، أن أول رد فعل تجاه مشاركتي الشخصية، كما يبدو، هو أن عدداً من وكلائي، وممن تطوعوا لمؤازرتي في العملية الانتخابية هتفوا إليّ بعد مرور عدة ساعات من اليوم الانتخابي الأول: لقد خذلتنا بانسحابك من الانتخابات ..! طبعاً، لم اكن قد انسحبت من الانتخابات، الا أن كل ما أستطيع أن أقوله هنا هو أن إحدى الجهات الوصائية التي لا علاقة شرعية لها بهذه الانتخابات قد أصدرت جدولين بأسماء المرشحين المستقلين، (وأنا منهم) وعممت جدولاً يتضمن اسمي الكامل، بيد أنه تم تعميم جدول آخر على منطقة الريف شطبت منه (اسمي)!!!، ظناً منها أن، هذه اللعبة سوف تنطلي عليّ، وكان أول اجراء قمت به هو أنني توجهت ضمن وفد حزبي رسمي إلى مدير منطقة القامشلي وشعبتي الريف والمدينة لحزب البعث العربي الاشتراكي، كي يقال لي أن اسمي قد سقط سهواً! وأن الحق علي، لماذا لم أذكرهم بأنني مرشح مستمر!، وهذا كلام لا علاقة له البتة, بقوانين الانتخابات! أجل ورغم أن، هذا المسوغ يدعو إلى الاستغراب، الا أنه وبعد مرور اليوم الانتخابي الأول بكامله، التقى أمين شعبة الريف بالقامشلي ب . اربعين أمين فرقة حزبية كما أكد لنا، وأشار لهم بأنني مستمر في الترشيح وغير منسحب، وذلك في الساعة الحادية عشرة ليلاً.، بيد أن ما حدث هو أنني اكتشفت عدم اضافة اسمي في الكثير من المراكز الانتخابية إلى قوائم المرشحين.... وهنا لابد من طرح بعض الأسئلة منها:
1ـ الا يعتبر إصدار جدول بأسماء المرشحين من أية جهة كانت خرقاً لقانون الانتخابات، لاسيما ان إصدار أي مطبوع بصدد الانتخابات ينبغي أن يكون بموافقة من السيد المحافظ... المسؤول الأول عن الانتخابات في المحافظة ؟
2ــ إن قرار استمرار المرشح في الانتخابات أو الانسحاب منها، هو حق شخصي، لا يمكن لأحد أن يقوم بدلاً عنه، تخميناً أو ظناً أو سوى ذلك... كما هو حالي.
3ــ إذا كان الإجراء الذي تم بحقي, قد بدر عن جهة رسمية، فكيف سيعود الي حقي، وهل هناك جهة ما فوق القانون...؟ طبعاً أعطاني مدير منطقة القامشلي ــ وهو الذي يفترض أن يكون قائداً للعملية الانتخابية في المنطقة ــ كتاباً أحتفظ به (يبين فيه أن الجدول) الذي لا يتضمن اسمي غير معتمد، وكذلك فعل أمين شعبة الريف حيث منحني جدولاً أدرج فيه اسمي (استدراكاً لما تم) قبل انتهاء الانتخابات بثلاث ساعات لغة الأرقام...
لعنة الجرأة
اذا كان مجموع الساعات الانتخابية، في اليومين الاول والثاني هو (22) ساعة انتخابية فإن ساعات اليوم الانتخابي الأول كانت 15- ساعة، على اعتبار ان اليوم الانتخابي الأول بدأ من الساعة السابعة صباحاً وحتى العاشرة مساءً، بينما لم تستغرق ساعات اليوم الانتخابي الثاني أكثر من سبع ساعات فقط ، يفترض انه تم التصويت لي فيها في منطقة الريف، لكن، وليت الأمور بقيت في هذه الحدود، فقط، إذ ان الجدول الذي - شطب منه إسمي- كان لايزال معلقاً في أكثر المراكز الانتخابية التي التي زرتها ، إضافة إلى انه انتشر وبسرعة البرق بين الناس نبأ انسحابي من الانتخابات نتيجة هذا الاجراء....!
ورغم مثل هذه الممارسة الني تمت ضدي , الا أن تلك المراكز التي لم يصلها التعميم المضلل بانسحابي , شهدت أرقاما عالية من التصويت الحقيقي لي-, إذ وصل عدد الاصوات التي حصلت عليها 9174صوتاً, وهو رقم عال جداً، قياساً إلى نسبة التصويت (الفعلي) في هذه الدائرة الانتخابية، وبعيداً عن الرقم الاعلامي المعلن ويمكن القول وبعيداً عن الغرور أيضا: أن الاغلبية الساحقة من الناخبين في دائرتي الانتخابية، انما كانوا يختارون اسمي، ولعل ذلك كان ياتي انطلاقاً مما عرفوه في شخصي من تفان لن اندم عليه يوماً من أجل المواطن، وأن كتاباتي الصحافية على مدى ربع قرن كانت وراء مثل هذا الأمر؟، بل وكثيراً ما سببت لي الاحراج ,ووجع الرأس ... اعتراض .. وطعن في نزاهة الانتخابات:
في الساعة السابعة من مساء اليوم الأول توجهت ــ ضمن وفد رسمي ــ (وبحضور القاضي) إلى السيد مدير منطقة القامشلي. ونقلت ــ وبالتفاصيل ــ صورة ما حدث، فتفهم الأمر مشكوراً، ولكن يبدو أن ليس في اليد حيلة، لذلك فقد سلمته مذكرة موجهة إلى السيد محافظ الحسكة (عن طريقه)، أطلعه فيها على حقيقة ما تم..!؟ كذلك، بعد انتهاء العملية الانتخابية، أبر قت الى السيد محا فظ الحسكة، وبغرض التأكيد، ومماقلته في هذه البرقية:
السيد محافظ الحسكة المحترم تحية وبعد: مقدمه فلان. الفلاني.. من الدائرة الانتخابية كذا فئة )أ) أطعن في نزاهة انتخابات مجالس الادارة المحلية قي محافظة الحسكة ــ دائرة القامشلي ــ وذلك:
1 ــ لحذف اسمي من كامل قوائم الريف في اليوم الانتخابي الاول.
2ــ أرجو التحقيق في تدقيق أسماء الناخبين الأخيرة في سجلات المقترعين في بعض المراكز.
3ــ أرجو إعادة الانتخابات في دائرة القامشلي نسخة طبق الأصل.
في تمام الساعة الثانية ظهراً، حيث اعلن عن انتهاء الانتخابات، انتشر وبسرعة البرق خبر في المراكز الانتخابية، بأن جهة وصائية قد أوصت بملء الصناديق بالأصوات الوهمية، وذلك لتضليل (الجهات العليا) في الدولة والايهام باقبال المواطنين على الاقتراع... طبعاً ثمة مراكز انتخابية، طلب بعض القائمين عليها مستنداً قانونياً، بهذا التجاوز، لئلا يتعرضوا للمصير الذي تعرض له زملاء لهم في أحد الانتخابات السابقة، ولعل أية نية جدية، للكشف عن مثل هذا التجاوز من خلال تشكيل لجان رقابية نزيهة من خارج المحافظة أن تتوصل إلى الأرقام الحقيقية لعدد الناخبين الفعليين في كل دائرة انتخابية, وذلك بإجراء مطابقة للأسماء الأخيرة الواردة في جداول الناخبين, بالبطاقات الفعلية الصادرة عن ادارة السجل المدني لمعرفة: هل أنها فعلية ؟ أم لا ؟, لأن الأرقام المعلنة, انطلقت من (الإحصائيات النظرية) لتعداد الناخبين، دون أن تضع بعين الاعتبار الأعداد الهائلة للمقاطعين للانتخابات. بل ولم تضع بعين الاعتبار أعداد غير الحاصلين على البطاقات الانتخابية، أو المواطنين الذين سافروا إلى خارج سورية بشكل غير رسمي، أو العاملين خارج المحافظة. ناهيك عن عدم مشاركة العمال الموسميين وبعض الطلاب والمدرسين بسبب أعمال المراقبة والامتحانات الخ.....
لعل هذه الأسباب مجتمعة، كانت وراء عدم السماح للمرشح بمراقبة عمليات الفرز النهائي، خلافاً للأنظمة والقوانين الصريحة بهذا الشأن
مرشح واحد جبهوي ومستقل معاً:
واذا عرفنا ان احد المرشحين ونتيجة ــ خطأ ما ــ ورد اسمه مرتين، مرة على انه مستقل، ومرة على انه جبهوي، قد حصل على اصوات متباينة في كل مرة، إذ بلغ عدد أصواته كمرشح جبهوي حوالي خمسة وستين ألف صوت، بينما لم تتجاوز اصواته كمستقل السبعين صوتاً فقط...!
ناهيك عن أنه رشح مرة على أنه من فئة العمال والفلاحين (أ) ومرة على أنه من باقي فئات الشعب (ب) إن المقارنة الكاريكاتيرية بين أصوات هذا المرشح في كل مرة، إنما تقدم مقاربة حقيقية، لا بد من دراستها ملياً، واستنتاج الدلالات الهائلة من ذلك، ومعرفة مدى المفارقة الهائلة التي يحصل عليها محض مرشح واحد في حالتين مختلفتين، مرة كجبهوي، وأخرى كمستقل!!!!
لا بد من قرع الأجراس....
بصراحة، إنني لأعتقد جازماً بأن ما مورس بحقي، لمنع وصولي الى مجلس المحافظة، هو وسام كبير أضعه على صدري، وأتباهى به بحق، وهو اعتراف صريح بأهمية الكلمة النظيفة، ودورها، وكيف إن هناك قوى، أياً كانت، تتخوف من مثل هذه الكلمة، وإنما ما حدث لي هو ضريبة عادية يدفعها كل وطني غيور، حريص على أن يبقى بلده عزيزاً شامخاً في وجه كل المؤامرات التي تستهدفه، ناهيك عن إن هاجسي الرئيس هو الإسهام من طرفي في تكريس الديمقراطية، وقرع الأجراس إزاءالواقع المتردي، والإعلان بصوت عال إن هناك تجاوزات، وخروقات، بل انتهاكات مفجعة، هائلة، لم تعد لائقة، ولا متماشية مع طموحات ابن هذا الوطن، وهو يضع خطواته الأولى في عتبة الألفية الثالثة.... أجل، ها أنا من جهتي أقرع الأجراس.
ملاحظة : رغم اعتراضي ـ رسميا ـ على هذه الفضيحة الانتخابية، إلا أنه وحتى الآن لم يتم حتى مجرد أي اعتذار مني على ما تم!!!!