قراءة هادئة في تقرير فني: سد زيزون... انهيار وضحايا من المسؤول؟

أتيح لي الاطلاع على تقرير اللجنة الفنية المشكلة بموجب الأمر الإداري رقم بلا/ تاريخ 5/6/2002 الصادر عن السيد معاون وزير الداخلية رئيس لجنة التحقيق بحادث انهيار سد زيزون، والتي ضمت العديد من الاختصاصيين من جامعة دمشق وحلب ومؤسسات أخرى.

في الصفحة (36) من التقرير المنوه عنه أعلاه نقرأ تحت بند/4/ والذي يحمل عنوان الخلاصـة والنتيجة:

أجرت اللجنة الفنية....،... مكن اللجنة من تلخيص الأسباب الرئيسية التالية:

1ـ الدراسات:

في الفقرة المشار إليها (ب) ـ نقرأ حرفيا:

ب ـ أغفلت الشركة الدارسة في الشروط الفنية الخاصة بتنفيذ الأعمال الحاجة لإجراء تجارب  واختبارات على الأساس الطبيعي الغاية منها التأكد من سلامة التصميم والتعرف على الظروف الحقيقية أثناء مرحلة, كتحريات مرافقة لهذه المرحلة التنفيذية.

أعدت قراءة الفقرة السابقة ـ علماً بأنني مهندس مدني ولدي من الخبرة والممارسة العملية ما يزيد عن ثلاثة عقود ـ وكانت الأسئلة:

1ـ كيف يمكن لشركة دارسة لمشروع هندسي وعلى الأخص سد، أن تعطي تصميما، دون معطيات كاملة عن طبقة التأسيس ومدى كتامتها، هل يوجد تكهفات... ، وغيرها من عشرات الأسئلة التي يجب الإجابة عليها بالتحريات والسبور والتجارب المخبرية، وتكوين معطيات كاملة، عندئذ تبدأ عملية التصميم؟؟؟

2ـ لم يتم إيضاح كنه الشروط الخاصة المطلوبة، من المعروف أنه يتم وضع شروط خاصة في المشاريع الهندسية عندما تكون المتطلبات خاصة جداً، وخارجة عن نطاق ما تغطيه المواصفات والنورمات المعمول بها عالمياً.

3ـ  أية ظروف حقيقية مطلوب التعرف عليها أثناء مرحلة التنفيذ؟؟؟.

من المفترض أن التصميم قد أحاط بكل شاردة وواردة، وحدد مناسيب ومقاطع ومكان والمواد المكونة لكتلة السد الركامية.

هل يقصد التقرير فيما أشار إليه من ظروف...، شيئاً آخر غير تطبيق المخططات التنفيذية على الواقع، ومراقبة نوعية التربة المكونة لجسم السد , وطريقة وضعها بشكل مطابق للمواصفات التصميمية للمشروع، وبقية ما يتطلبه التنفيذ، وفق نورمات ومواصفات معمول بها عالمياً.؟؟؟ 

في الفقرة ج ورد الآتي:

ج ـ إن تحريات الشركة الدارسة عن مصادر المواد التي استعملت في إنشاء السد لم تكن كافية كماً ونوعاً.

من المسلمات هندسياً أن تحدد الدراسة نوعية المواد الواجب استعمالها وخصائصها الفيزيائية والكيميائية، وتبقى عملية تحديد مصادر المواد ومدى مطابقتها للمواصفات، وبالتالي لما حددته الدراسة موضوعاً تابعاً لجهاز الإشراف والجهة المنفذة للمشروع، حيث تأخذ من الجهة الدارسة الموافقة على عينات معيارية، من المواد المكونة للمنشأة.

إن مهمة الجهة الدارسة مهمة استشارية بعد وضع المخططات، والموافقة على المواد المكونة التي ستشكل بنية السد، وليس تحديد موقع مصادر المواد ومقدارها ونوعيتها، فهذا يقع تأمينه على عاتق الجهة المنفذة للمشروع، وفي حال تعذر الحصول على المواد المكونة لجسم السد، المطابقة للمواصفات التصميمية ـ وهذا مستبعد نظراًَ لتوفر المواد الركامية في كافة أراضي الوطن ـ يصار بعدها اللجوء إلى الحلول الأخرى، التي تحدد نوعية المواد المكونة للكتلة الركامية للسد.

في الفقرة د نقرأ:

د ـ عدم كفاية إجراءات التكتيم لمنع التسرب تحت السد مما أدى إلى جرف ذرات التربة من قاعدة السد وحصول هبوطات غير منتظمة في جسم السد نتج عنها تشققات في منطقة الانهيار.

إن دراسة إجراءات التكتيم لمنع التسرب تحت السد، تتم دراستها مخبرياً بشكل دقيق، ثم يعطى التقرير إلى المهندسين المصممين لوضع الحلول وصياغة الدراسة في ضوء تلك المعطيات، أين التقرير المخبري الذي غطى هذا الموضوع ومَن من الاختصاصيين درسه ووقع عليه على مسئوليته.؟؟؟

وتحت عنوان 2 ـ التدقيق نقرأ:

2 ـ التدقيق:

أ ـ إن عمل المرجع الاستشاري في تدقيق تصميم السد كان دون المستوى الفني المطلوب بموجب عقده إذ كان شكلياً في تناوله لتصميم السد وتحليل الأسس والمذكرات الحسابية والتحريات.

الواقع في تحليل الأمور الهندسية وتقيمها لا يجوز إطلاق الأمور على عواهنها، من المستحسن أن يحدد التقرير مواطن الضعف وانخفاض مستواها الفني، فنحن لسنا في معرض تقييم عمل أدبي أو فني تشكيلي، يخضع لمعايير جمالية يمكن الاختلاف عليها، في الأمور الهندسية، الموضوع مختلف تماماً حيث لا تقبل سوى لغة الرقم والمعلومة المدروسة وفق معايير محددة.

وهنا لابد من التذكير أن المدقق تنحصر مهمته في تدقيق مثل هذه المنشآت فيما بين يديه من مخططات وتقارير مخبرية، وتنتفي مسئوليته في تدقيق السبور والتجارب المخبرية، التي تنجم عنها معطيات تصميمية تقع مصداقيتها على عاتق المخابر التي قامت بالدراسة.

بـ ـ أغفل المرجع الاستشاري تأثير التسرب تحت السد وضرورة معالجته بعامل أمان مناسب.

وهنا يبرز سؤال بديهي: كيف يمكن أن يصمم من يمكن أن يطلق عليه لقب مصمم فعلاً سداً ويسمح بتسربات تحت السد فوق المسموح به وفق الكودات والنورمات والأنظمة الهندسية العالمية؟؟؟.

جـ ـ أعطى المرجع الاستشاري تأكيدا وتطمينات خطية إلى أن حسابات الشركة الدارسة لاستقرار المنشآت صحيحة , ولقد أثبت حادث انهيار السد أن هذا التقويم لم يكن موضوعياً ودقيقاً ويشير إلى المستوى الضعيف لأداء المدقق. 

وهنا لابد من أسئلة: 

كيف يمكن لمرجع هندسي عالمي فني استشاري (بيت خبرة هندي في تصميم السدود)، أن يعطي تأكيدا وتطمينات خطية إلى أن حسابات الشركة الدارسة لاستقرار المنشآت صحيحة، دون أرضية علمية دقيقة، هل تم إعلام الجهة المدققة للمشروع بما توصلت إليه اللجنة الفنية من أحكام، ومناقشتها ومقاضاتها دولياً في حال ثبوت التقصير.

3 ـ التنفيذ:

تحت هذا العنوان نقرأ في التقرير:

أ ـ تأخر الشركة المنفذة في تنفيذ نقاط المراقبة أدى إلى عدم تمكين جهاز الاستثمار والمتابعة من إجراء القياس والمراقبة لسلوك السد بعد تعبئته.

بـ ـ عدم ردم قمة السد أدى إلى تعرض النواة الكتيمة للخطر.

ج ـ عدم مطابقة خواص المواد المستعملة للمواصفات الفنية التي حسب استقرار السد بموجبها.

د ـ تدني جودة أعمال التنفيذ وبخاصة بما يتعلق بنوع المواد وبدرجات الرص.

وهنا لابد من وقفة متأنية. في واقع الحال تشكل كتلة السد الركامية، العمل الهندسي الذي يحجز خلفه المياه المخزنة، حيث يتعرض جسم السد خلال استثماره لأحمال، الضغوط الهيدروليكية، والمحسوبة سلفاً ـ طبعاً مع عوامل أمان ـ ولما كانت كتلة السد الركامية محسوبة لتصمد في وجه الأحمال الهيدروليكية، فيما إذا نفذت بدقة، لجهة:

ـ مطابقة خواص المواد المستعملة للمواصفات الفنية التي حسب استقرار السد بموجبها.

ـ تدني جودة أعمال التنفيذ وبخاصة بما يتعلق بنوع المواد وبدرجات الرص.

من الثابت هندسياً إن أي سبب، ورد وعلى الأخص كلاً من الفقرتين (ج و د)، كافٍ للتسبب بانهيار أي سد ركامي لعدم تطبيق المواصفات التصميمية , بمعزلٍ عن أي أسباب أخرى،  فإذا لم تكن النواة الغضارية كتيمة ومحمية فإن أي تسرب للمياه يؤدي الى انتفاخ الترية وفقدان خاصية الإرتصاص والتصدع، وتبقى الأسباب الأخرى، التي يمكن اعتبارها قصوراً في الأداء، لما كانت الجهة المنفذة حكومية من شركات القطاع العام، فمن باب أولى الالتزام الدقيق بتطبيق المواصفات.

ويبقى السؤال: 

هل الالتزام الدقيق بتطبيق المواصفات حصل؟؟؟.

هذا ما أجاب بدقة في الفقرتين (ج،د).

يتابع التقرير وتحت عنوان (4ـ الإشراف) نقرأ:

4 ـ الإشراف:

ـ كان عدد المهندسين المشرفين ودوامهم في موقع المشروع غير كاف لتلبية احتياجات الإشراف وبالتالي لم تعالج المشكلات التنفيذية بالسرعة والمستوى الفني المطلوب.

ـ تقصير جهاز الإشراف أثناء الاستثمار في مراقبة التعبئة الأولى للبحيرة وتقويم سلوك السد لم يمكن الإدارة من وضع الحلول المناسبة للمشكلات التي ظهرت.

من المعروف، انه عندما تكون الجهة المنفذة لمشروع ما شركة من شركات القطاع العام، فإن دور جهاز الإشراف يكون دوراً استشارياً، ومساعداً في التنفيذ، أكثر منه رقابياً لاسيما أن كلاً من الجهة الدارسة والجهة المنفذة وصاحبة المشروع، جهات حكومية، خلافاً للقطاع الخاص الذي يتطلب مراقبة دقيقة، لتطبيق الشروط والمواصفات الفنية , كي لا يحقق المتعهد أي وفر مادي على حساب المواصفات.

أمام ما تقدم من نقص عدد المهندسين المشرفين ودوامهم في موقع المشروع، لابد العديد من التساؤلات:

ما دامت الجهتان ـ المشرفة والمنفذة حكوميتين ـ لماذا لم تؤمن الشركة المنفذة الكادر المؤهل فنيّا، الذي يمكن أن يساعد جهاز الإشراف في الوصول إلي وضع التصميم بشكل سليم على أرضية الواقع؟؟؟.

أمام ما تقدم من تقصير جهاز الإشراف أثناء الاستثمار في مراقبة التعبئة الأولى للبحيرة. . . لابد من العودة إلى ما تم التنويه عنه في الفقرة (3) ـ التنفيذ ـ والتي نصت حرفياً:

 أ ـ تأخر الشركة المنفذة في تنفيذ نقاط المراقبة أدى إلى عدم تمكين جهاز الاستثمار والمتابعة من إجراء القياس والمراقبة لسلوك السد بعد تعبئته.

بـ ـ عدم ردم قمة السد أدى إلى تعرض النواة الكتيمة للخطر.

وهنا لابد من أسئلة تتوارد للذهن منها:

كيف يمكن لأية جهة أن تراقب سلوك السد أثناء التعبئة، إذا كانت نقاط المراقبة غير منفذة وفق ما ورد سـابقاً؟؟؟

والسؤال الآخر والأهم، لماذا لم يتم ردم قمة السد وتعريض النواة الكتيمة للخطر، وكيف يمكن تعبئة سد وإدخاله إلى مرحلة الاستثمار دون إنجاز النواة الكتيمة وحمايتها؟؟؟.

يتابع التقرير وتحت عنوان (5ـ الاستثمار) نقرأ:

5 ـ الاستثمار:

أ ـ الموافقة على تعبئة السد قبل إنجاز كافة الأعمال وبخاصة نقاط المراقبة لسلوك السـد ومتابعة مراقبة قمته.

ب ـ الاستغناء عن جهاز الإشراف دون تكليف جهة أخرى لإنجاز الأعمال.

ج ـ كانت فعالية جهاز الاستثمار خلال السنوات الخمس متدنية وعمله ضعيفاً ولم يستجب للمؤشرات التي ظهرت أثناء الاستثمار والتي دلت على مشكلات تهدد سلامة السد.

أمام ما ورد في الفقرة السابقة  لابد من إعادة السؤال:

كيف يمكن لأية جهة أن توافق على تعبئة أي سد، إذا كانت نقاط المراقبة لسلوك السد ـ أثناء الاستثمار ـ غير منفذة وفق ما ورد سـابقاً؟؟؟.

أما ما ورد في الفقرة (ب) حول الاستغناء عن جهاز الإشراف، أعود وأكرر ما قلت سابقاً:

من المعروف، انه عندما تكون الجهة المنفذة لمشروع ما شركة من شركات القطاع العام، فإن دور جهاز الإشراف يكون دوراً استشارياً، ومساعداً في التنفيذ، أكثر منه رقابياً لاسيما أن كلاً من الجهة الدارسة والجهة المنفذة وصاحبة المشروع، جهات حكومية، خلافاً للقطاع الخاص الذي يتطلب مراقبة دقيقة، لتطبيق الشروط والمواصفات الفنية ، كي لا يحقق المتعهد أي وفر مادي على حساب المواصفات، وبالرغم مما تقدم فإن ذلك لا يعطي الحق لمتعهد بطرد جهاز الإشراف.

أما ما ورد في الفقرة (ج) حول ضعف فعالية جهاز الاستثمار وعدم استجابته للمؤشرات التي ظهرت أثناء الاستثمار  والتي دلت على مشكلات تهدد سلامة السد، يمكن القول:

كيف يمكن لجهاز الاستثمار ملاحظة المؤشرات التي ظهرت أثناء الاستثمار والتي دلت على مشكلات تهدد سلامة السد، بغياب تنفيذ نقاط المراقبة، وفق ما ورد في الفقرة في البند (أ) من الفقرة (4) والتي نصت حرفياً:

أ ـ الموافقة على تعبئة السد قبل إنجاز كافة الأعمال وبخاصة نقاط المراقبة لسلوك السـد ومتابعة مراقبة قمته.

في نهاية الصفحة 23 من التقرير وتحت عنوان ملاحظات اللجنة الفنية، وفي الفقرة رقم3ـ5ـ2 نقرأ:

رغم أهمية الشرط الذي وضعته الشركة العامة للدراسات المائية تاريخ 1/3/1999حول ضرورة ألا يقل الفرق بين منسوب التخزين في بحيرة سد زيزون وأدنى منسوب لقمة الردميات المنفذة عن ثلاثة أمتار.

إلاأنها تراجعت عن هذا الشرط عندما سمحت بزيادة التخزين بمقدار 50 سم أي إلى المنسوب +211.5 دون التأكد من جاهزية السد الفعلية لهذا الإجراء الإضافي، مع أنها نوهت إلى ضرورة الاستمرار  في مراقبة السد وقياس الرشوحات من الوجه الخلفي وإجراء التحاليل اللازمة للمياة الراشحة لمعرفة مواصفاتها، وفي حال ملاحظة أية ظاهرة سلبية يجب تخفيض منسوب التخزين مباشرة وذلك بفتح المفرغ السفلي.

إن كل ما طلبه المصمم لم يستطع جهاز الاستثمار أو الإدارة تلبيته أو التكيف مع متطلباته واقتصر دور مديرية الري العامة في حوض العاصي على جولات حقلية وإدارة شكاوي الفلاحين وملاحظاتهم بعقلية بيروقراطية وغير مسؤولة وغير جديرة بالمواقع التي تشغلها حيث أنها غير مسلمة بالواجبات الفنية المترتبة عليها خلال فترة الاستثمار وأهمها رصد سلوك المنشأة واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الطارئ منها. 

يتابع التقرير وتحت عنوان (6ـ الإدارة) نقرأ:

6 ـ الإدارة:

ـ كان أداء مديرية الري العامة لحوض العاصي متدنياً وشكلياً في الإشراف والمتابعة على أعمال المهندس الدارس والمدقق والمشرف ولم تتابع بفعالية وجدية أعمال الاستثمار.

ـ غياب التنسيق من قبل المديرية بين أطراف العمل التي درست السد وأنجزت بناءه وأشرفت عليه أدى إلى اضطراب منظومة العمل بكاملها.

أمام ما قرأت حول الأداء المتدني والشكلي لمديرية الري العامة لحوض العاصي في الإشراف والمتابعة على أعمال المهندس الدارس والمدقق والمشرف.

أما المهندس الدارس فهو الشركة العامة  للدراسات المائية وهي إحدى شركات القطاع العام، المتخصصة في دراسة هذا النوع من المنشأات، وكثيراً ما استعانت بخبرات أجنبية مؤهلة وذات موثوقية عالية في دراسة مثل هذه المنشآت، فأية متابعة من قبل الإدارة مطلوبة على أعمال المهندس الدارس، وهل لدى الإدارة الكادر المؤهل لمتابعة الموضوع، وإذا كان للإدارة المستوى الفني لمتابعة أعمال الدراسة، فلماذا لم تدرس المشروع بكوادرها الخاصة، وما حاجتها لخبرات الشركة العامة للدراسات المائية.

أما ما ورد حول المدقق فأكرر ما قلته في الفقرة (2 ـ التدقيق).

كيف يمكن لمرجع هندسي عالمي فني استشاري (بيت خبرة هندي في تصميم السدود)، أن يعطي تأكيدا وتطمينات خطية إلى أن حسابات الشركة الدارسة لاستقرار المنشآت صحيحة، دون أرضية علمية دقيقة، هل تم إعلام الجهة المدققة للمشروع بما توصلت إليه اللجنة الفنية من أحكام، ومناقشتها ومقاضاتها دولياً. 

فيما يتعلق بغياب التنسيق من قبل المديرية بين أطراف العمل التي درست السد وأنجزت بناءه وأشرفت عليه أدى إلى اضطراب منظومة العمل بكاملها.

أي تنسيق مطلوب ، وأي توزيع للأدوار يطلبه التقرير؟؟؟

وينتهي التقرير بالفقرة تحت عنوان (7ـ وزارة الري).

7ـ وزارة الري:

أ ـ لم تقم وزارة الري بالتزاماتها كجهة وصائية على الجهات المعنية بسد زيزون من حيث التدخل لحل المشكلات التي كانت تنشأ بين الجهات المعنية.

ب ـ لم تتابع تنفيذ القرارات والتوصيات من قبل اللجان المختصة بما يتعلق بضمان سلامة السد.

ج ـ عدم بذل الجهد الكافي ولا اتخاذ القرارات الضرورية لضبط الأمور إدارياً ومالياً وفنياً لإنجاز أعمال سد زيزون بين الجهات المعنية التي اتسمت علاقاتها بالمزاجية والعشوائية.

ويختم التقرير أصولاً بعبارة: «وهذه خبرتنا». التاريخ 26/6/2002 

من الملاحظ أن لجنة الخبرة تم تشكيلها بتاريخ 5/6/2002 وقدمت تقريرها بتاريخ 26/6/2002 أي أن كافة الدراسات على واقع الحال وإعداد التقرير قد استغرق مدة 20 يوماً.

وبالرغم من أن اللجنة التي أعدت التقرير تضم أسماء وكفاءات أكاديمية كبيرة، غير أن إشارة استفهام كبيرة تكتنف زمن إعداد التقرير (20)يوماً.

من المعروف أن تقارير الخبرة في مثل هذه الأعمال تنير طريق القضاء، للوصول إلى تحديد المسؤولية ومعاقبة من أخطأ , فهل يكفي زمن (20) يوماً للاطلاع على المخططات ورأي المدقق والتقارير المخبرية وكافة المعطيات التقنية يضاف إليها وثائق عقود التنفيذ وكافة المراسلات بين المديريات المختلفة صاحبة العلاقة بدأً من الجهة الدارسة وصولاً إلى الجهة المدققة مروراً بالتنفيذ والإشراف والاستثمار والإدارة ووزارة الري، أي أن هناك جهات سبع (7) يجب تدقيق علاقتها ودورها المشروع.

وهنا لابد من التذكير:

إن الحساب الإنشائي الدقيق لبناء سكني من ثلاثة طوابق يحتاج إلى أيام عدة. 

وهنا أستميح اللجنة التي أكن لخبرتها كل الاحترام عذراً،  إن زمن إعداد التقرير غير كاف بكل المقاييس للوصول إلى تحديد المسؤوليات بدقة، لإنارة طريق القضاء، كي تأخذ العدالة مجراها، والوصول إلى أقرب النتائج للحقيقة، لاسيما أن أقدار أناس ومستقبلهم معلق بالتقرير. 

إن أي مهندس يقرأ التقرير لابد أن تفقأ عينه بعض النقاط. فعلى صعيد التنفيذ نلاحظ ما يلي:

أ ـ تأخر الشركة المنفذة في تنفيذ نقاط المراقبة أدى إلى عدم تمكين جهاز الاستثمار والمتابعة من إجراء القياس والمراقبة لسلوك السد بعد تعبئته.

بـ ـ عدم ردم قمة السد أدى إلى تعرض النواة الكتيمة للخطر.

ج ـ عدم مطابقة خواص المواد المستعملة للمواصفات الفنية التي حسب استقرار السد بموجبها.

د ـ تدني جودة أعمال التنفيذ وبخاصة بما يتعلق بنوع المواد وبدرجات الرص.

وعلى صعيد الاستثمار نلاحظ ما يلي:

أ ـ الموافقة على تعبئة السد قبل إنجاز كافة الأعمال وبخاصة نقاط المراقبة لسلوك السـد ومتابعة مراقبة قمته.

ب ـ الاستغناء عن جهاز الإشراف دون تكليف جهة أخرى لإنجاز الأعمال.

ج ـ كانت فعالية جهاز الاستثمار خلال السنوات الخمس متدنية وعمله ضعيفاً ولم يستجب للمؤشرات التي ظهرت أثناء الاستثمار والتي دلت على مشكلات تهدد سلامة السد.

أمام ما تقدم أفلا يمكن الاستنتاج أن الفساد في الوطن بلغ مبلغ الاستهتار بالإنسان والمال العام، ولقد أشار التقرير بشكل صارخ إلى فساد العلاقة بين العديد من الجهات التي أسهمت في المشروع حيث قال:

ـ كان أداء مديرية الري العامة لحوض العاصي متدنياً وشكلياً في الإشراف والمتابعة على أعمال المهندس الدارس والمدقق والمشرف ولم تتابع بفعالية وجدية أعمال الاستثمار.

ـ غياب التنسيق من قبل المديرية بين أطراف العمل التي درست السد وأنجزت بناءه وأشرفت عليه أدى إلى اضطراب منظومة العمل بكاملها.

أ ـ لم تقم وزارة الري بالتزاماتها كجهة وصائية على الجهات المعنية بسد زيزون من حيث التدخل لحل المشكلات التي كانت تنشأ بين الجهات المعنية.

ب ـ لم تتابع تنفيذ القرارات والتوصيات من قبل اللجان المختصة بما يتعلق بضمان سلامة السد.

ج ـ عدم بذل الجهد الكافي ولا اتخاذ القرارات الضرورية لضبط الأمور إدارياً ومالياً وفنياً لإنجاز أعمال سد زيزون بين الجهات المعنية التي اتسمت علاقاتها بالمزاجية والعشوائية.

في نهاية الصفحة 23 من التقرير وتحت عنوان ملاحظات اللجنة الفنية، وفي الفقرة رقم3ـ5ـ2 ـ نقرأ:

رغم أهمية الشرط الذي وضعته الشركة العامة للدراسات المائية تاريخ 1/3/1999حول ضرورة ألا يقل الفرق بين منسوب التخزين في بحيرة سد زيزون وأدنى منسوب لقمة الردميات المنفذة عن ثلاثة أمتار.

إلاأنها تراجعت عن هذا الشرط عندما سمحت بزيادة التخزين بمقدار 50 سم أي إلى المنسوب +211.5 دون التأكد من جاهزية السد الفعلية لهذا الإجراء الإضافي، مع أنها نوهت إلى ضرورة الاستمرار في مراقبة السد وقياس الرشوحات من الوجه الخلفي وإجراء التحاليل اللازمة للمياة الراشحة لمعرفة مواصفاتها، وفي حال ملاحظة أية ظاهرة سلبية يجب تخفيض منسوب التخزين مباشرة وذلك بفتح المفرغ السفلي.

إن كل ما طلبه المصمم لم يستطع جهاز الاستثمار أو الإدارة تلبيته أو التكيف مع متطلباته واقتصر دور مديرية الري العامة في حوض العاصي على جولات حقلية وإدارة شكاوي الفلاحين وملاحظاتهم بعقلية بيروقراطية وغير مسؤولة وغير جديرة بالمواقع التي تشغلها حيث أنها غير مسلمة بالواجبات الفنية المترتبة عليها خلال فترة الاستثمار وأهمها رصد سلوك المنشأة واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الطارئ منها. 

إن حادثة سد زيزون التي أدمت قلب الوطن، لابد أن تدفعنا للتفكير بالتطوير والتحديث، والرجوع وبمنتهى السرعة إلى المنطلقات والاستراتيجيات الحضارية الواردة في خطاب القسم ووضعها على أرضية الواقع.

لقد بلغ الفساد في الوطن مبلغ بروز إقطاعيات وبيروقراطيات في الدولة، تتصرف باستهتار بثروة البلاد وأرواح العباد. 

إن طرح موضوع انهيار سد زيزون في ندوات هندسية فنية وإفساح المجال أمام كافة الخبرات الهندسية في الوطن لإعطاء رأيها، وتبويب النتائج، والخروج بعمل وثائقي يشكل مرجعاً هندسياً لاستخلاص العبرة ومراكمة الخبرة.

أدعو الله أن يسكن ضحايانا مسكن الأبرار والصديقين والشهداء، وان يجنب الوطن كل مكروه.

ملاحظة: كافة المعلومات التي أشير تحتها بخط واردة حرفياً في التقرير.

■ المهندس روفائيل جورج خماسميه

 

 مهندس إنشائي ـ حمص