علموا أولادكم القمار!!

تستدعي الضرورة في كل عام وبعد إعلان نتائج الشهادة الثانوية إلى المراجعة فيما آلت إليه الأمور. ومن الواضح أن التعليم في سورية تحول إلى ما يشبه استنبات البندورة في البيوت البلاستيكية، النمو بالهرمون والسقاية بالتنقيط، والنتيجة حبات من البندورة، قياسية الحجم، مقاومة للصدمات، نضرة في شكلها ولونها ولكن لا طعم لها ولا رائحة.

الآن يُستَنبت الطلاب في (الحاضنات) عبر المعاهد والمدارس، يستخدمون هرمونات من الملخصات والمسائل المحلولة وأسئلة السنوات السابقة وأجوبتها.

ومن المعروف لدى طلبتنا أن فترة الحضانة للشهادة الثانوية هو عامان دراسيان وأحياناً ثلاثة أعوام، تبدأ فور الانتهاء من الصف الحادي عشر ليتلقى الطالب دروسه في أحد المعاهد لقاء تسعة آلاف ليرة للدورة وسطياً. فإذا كان عدد المتقدمين للثانوية ستين ألف طالب، فهذا يعني أن أولياء الطلبة يدفعون ثمن الهرمونات المنشطة خمسمائة وأربعين مليون ليرة سورية سنوياً تذهب هدراً، تُنتِج العلامات ولكنها لا تُنتِج علماً.

وهذا ما جعل دول العالم المتقدم لا تنتقي مبدعيها من أولئك الذين نالوا أعلى العلامات. اليابانيون سيضحكون علينا إذا عرفوا أن علامتي العربية والقومية تقرران إذا كان سيصبح الطالب مهندساً يقاوم الزلازل أو طبيباً يقضي على الأمراض أو صيدلياً يستنبط العلاج أو عالماً يسيطر على تقنية الحاسوب ومن خبراء المعلوماتية... كل ذلك إذا حصل الطالب على عشرين من عشرين في القومية أو أربعين من أربعين في العربية.. أمر مضحك حقاً.

لقد حذفنا علامة التربية الدينية منذ سنوات بعيدة وآن الأوان لأن نحذف علامة القومية واللغة العربية. ببغاء نطعمه جيداً ونعلمه بانتظام سيحصل بعد أشهر على علامة تامة في العربية والقومية!. يا للمهزلة.

لقد دخلت سورية لعبة الأرقام القياسية في علامات الناجحين، وساهمت الدولة في هذه اللعبة، وأُكرهَ الأهل على ممارسة القمار. وإذا كانت لعبة القمار في نتائج الثانوية صارت أمراً مشروعاً يمارسها الأغنياء والفقراء، المتعبدون والمؤمنون، الأشقياء والعقلاء... إذا كان كل ذلك قد صار أمراً واقعاً، فإن الأمر الأكثر واقعية هو تعديل أحكام الدستور ليصبح القمار عادة مستحسنة لا بل مقدسة، كذلك لا بد من إعادة النظر في مناهجنا وإدخال مادة جديدة إلى مدارسنا اسمها (مادة القمار)، يتعلم فيها الطالب كيف يربح، ومتى يخسر، وأين يلعب، وكم يبلغ رصيده من العلامات على المائدة الخضراء...؟ 

وفي كل عام يتعزز الاعتقاد بأن هناك سماسرة مجهولين يمارسون سياسة تنشيط القمار التعليمي، بدءاً من المعاهد وانتهاء بأولئك الذين يُملون على الطلاب الأجوبة في قاعات الامتحان. من يضبطهم؟ لا أحد!!

هل سمعتم  بعقوبات طالت أولئك الذين يسرِّبون الأجوبة إلى الطلبة في قاعات الامتحان وهم بلا شك يحتلون مواقع متميزة في المجتمع!. وإذا ادَّعتْ وزارة التربية أنها تحقق في مثل هذه الأمور وتعاقب من يستحق ذلك، فلتعلن على الملأ وعلى شاشة التلفزيون أسماء المعاقَبين والمدارس التي ينتمون إليها. وفي هذا العام نحن بانتظار أسماء المسؤولين ممن قاموا بكتابة بعض الأجوبة في مادة اللغة الإنكليزية للشهادة الثانوية  _ الفرع الأدبي  _ لسبع وثلاثين ورقة إجابة بخط متميز ولون حبر مغاير، ومن المؤكد أن هذا العدد من الأوراق لم يكن في قاعة واحدة. فإما أن تكون هذه الأجوبة قد كتبت بعد انتهاء الامتحان وتسليم الأوراق وبالتواطؤ مع رئيس المركز، أو أن أحدهم وهو مختص بالانكليزية قام بكتابة الأجوبة بالاتفاق مع الطلبة الذين تركوا أوراقهم فارغة لإتاحة الفرصة لتعبئتها، وبالتأكيد كتبت خارج قاعات الامتحان. والمحافظة التي تتبع لها هذه الأوراق نحتفظ باسمها ونعطيها لمن يطلبها.

إن الانهيارات في ( زيزون ) تبدأ من الانهيارات في التعليم. مَنْ سينقذ مَنْ؟: 

أيها السادة ليست معجزة أن يحصل الطالب على المجموع كاملاً، المعجزة أن يصنع شيئاً في هذه الحياة. نريد عقولاً تفكر لا أن تحفظ. الحفَظَة أخطر على المجتمع من الجَهَلَة، وأحلاهما مرٌّ.

 

■ مفيد حداد