انتخابات الادارة المحلية تراجع عدد المرشحين وتدني نسبة الناخبين

انتهت انتخابات الإدارة المحلية كالعادة بفوز قوائم الجبهة التقدمية في مجالس المحافظات ومجالس المدن وبفوز الأقوى والأكثر شعبية في مجالس البلدات والقرى. وهي سمة جديدة في الانتخابات فقد تم التخلي عن قوائم الجبهة في مجالس البلدات والقرى وتركت الانتخابات مفتوحة. وجاء التخلي بعد حوار وأخذ ورد واسع.

والمتتبع للانتخابات يلاحظ:

1.  تراجع عدد المرشحين وتدني نسبة الناخبين.

 فهناك العديد من المجالس فازت بالتزكية، والعديد من المناطق أرسلت مندوبيها لمجالس المحافظات بعد فوزهم بالتزكية. وفي غالبية المراكز لم يزد عدد المرشحين ـ من غير الجبهويين ـ  عن ضعفين إلى ثلاثة أضعاف العدد المطلوب. وهذا انعكس في إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع، فقد وصلت نسبة الناخبين في عدد من المحافظات من 3 ـ 4 %. وحاولت السلطات في العديد من المحافظات رفع النسبة عن طريق إصدار قرارات بنقل الموطن الانتخابي في مركز الاقتراع، إن هذا القرار لم يؤد الغرض منه ولكنه ساهم بتغيير نتائج المرشحين المستقلين فقد نقلت مجموعات من السكان من مناطق مختلفة، وأدلت بأصواتها في مناطق لاتسكنها ـ وهي حالة يمارسها دائماً زعماء البدو والعشائر القاطنين في المدن حيث يجلبون أنصارهم من مناطق أخرى ـ وهذا شكل من التزوير المقونن زاد من الإنكفاء حتى بين النسبة الضعيفة جداً من الراغبين في التصويت.

2. بروز صراع جدي للوصول إلى مجالس المدن من قبل تجار البناء انعكس في ظهور قوائم كاملة ومتصارعة في عدد من مراكز المحافظات وكان رد الفعل الشعبي واضحاً ضد تلك القوائم.

3. تدخل السلطات المحلية وكبار المتنفذين في تشكيل قوائم المستقلين فالصراع ـ رغم محدوديته ـ الذي جرى بين القوائم عكس صراعاً بين مراكز النفوذ، وساهم في زيادة انكفاء الناخبين لأنهم غير معنيين بهذا الشكل من الصراعات التي تؤدي إلى زيادة تخلف المدن وزيادة نهب ميزانياتها.

4. عدم وجود برامج للمرشحين فالجبهة الوطنية التقدمية لم تقدم برامج للناخبين وكذلك الغالبية المطلقة من المرشحين غير المنتمين للجبهة، وباستثناء قوائم ـ كرامة الوطن والمواطن ـ فإن البرامج قد انعدمت تماماً في غالبية المحافظات. وهذه الظاهرة هي من ناحية موضوعية، فالجميع لايعد الناخب بشيء ولا يوجد ما يقدمه وهدفهم شخصي، وتعكس من ناحية ثانية عدم احترام المرشح للناخب، وتعكس أيضاً طبيعة الانتخابات التي تستند في نجاح المرشح الى السلطة أو الزعامة بأشكالها الأكثر تخلفاً. وهذا الشكل يكرس التخلف ويتناقض مع شعار التطوير والتحديث.

5. استمرار هيمنة الأجهزة الحكومية على الانتخابات، فرغم الانكفاء الشديد من الترشيح فإن الأجهزة عرقلت إصدار البيانات وآخرتها أياماً كثيرة في عدد كبير من المحافظات، حتى تلك العبارات التي تشكر المواطنين على ثقتهم المسبقة، أرسلتها الأجهزة إلى المركز ودُرست وتأخرت أياماً طويلة. كما منعت الأجهزة المختصة المرشحين من طبع قوائمهم الخاصة بهم لصناديق الانتخابات وطلبت من الجميع أن يكتبوا مايريدون تحت قوائم الجبهة الوطنية التقدمية، وداخل غرف الانتخابات قدمت اللجان الانتخابية قوائم بدل الأوراق الرسمية والفارغة والتي تسمح للمواطن أن يختار مرشحه، وهكذا أصبحت قوائم الجبهة رسمية وأصبح المرشحون الآخرون ملزمين بهذه القوائم. إننا لسنا ضد قوائم الجبهة أوأي قوائم أخرى، ولكننا لسنا مع فرضها على المرشح والناخب أو مع اعتبارها أوراقاً رسمية توضع على  طاولات اللجان الرسمية.

6. أكدت الانتخابات ركود الحياة السياسية في البلد. وهناك العديد من النكات التي يتبادلها المواطنون الذين شاهدوا بعض مرشحي الجبهة في رحلات عائلية قبل الانتخابات بيوم واحد أو غيابهم عن المحافظة بسبب عملهم الذي اضطرهم إلى مغادرة محافظتهم يوم الانتخابات، وهناك آلوف المواطنين قدموا التهاني للمرشحين بمجرد صدور أسمائهم في قوائم الجبهة الوطنية. ورغم أن المجالس الجديدة لم تدع للاجتماع بعد فإن العديد من أعضاء المكاتب التنفيذية الجديدة أو رؤساء مجالس المدن معروف من قبل غالبية المواطنين حتى قبل انتخابهم. أما الأحزاب الأخرى غير الموجودة في الجبهة وقوائمها فلم تشارك في الانتخابات. إن أضعف حزب منها هو أقوى من أي مستقل بالمعنى الفردي. ولكنها تؤكد أنها تعرف النتائج مسبقاً. ورغم أن هدف قوائم /كرامة الوطن والمواطن/ هو تقديم بديل انتخابي في الترشيح ببرامج، ورغم محدودية ترشيحها فإنها تعرضت لأشكال من التعامل منعت عدداً جدياً من مرشحيها للوصول إلى المجالس أو هدرت أصوات بعضهم بطرق مختلفة. وهذا يزيد من حالة التردد عند القوى السياسية الأخرى.  إن هذا الشكل من التعامل ـ التأخير في الموافقة على البرنامج ـ منع المرشحين من طباعة قوائم خاصة بهم ـ السيطرة على مراكز الانتخابات والكثير غيرها. كل ذلك سيؤدي إلى المزيد من الانكفاء في الحياة السياسية في بلادنا بينما المطلوب تطويرها وقوننتها للخروج من حالة الأزمة المستمرة التي تشهدها بلادنا ويتفق على شكل حلها الجميع.

هذا في مجالس المحافظات والمدن، أما في مجالس البلدات والقرى فقد شهدت صناديق الاقتراع إقبالاً جدياً عليها، بسبب التنافس الذي ظهر بين المرشحين  الناجم عن عدم وجود قوائم جبهوية والشكل الذي فرض على الجميع زيارة الناخبين وطلب أصواتهم وشهدت الانتخابات أشكالاً جديدة من العمل رغم أن شكل الصراع اتخذ طابعاً عائلياً وغير ذلك من التحصنات التي تعكس طبيعة التفكير. كما شهدت الانتخابات تحالفات حقيقية بين القوى السياسية المتواجدة. وبسبب كل ذلك فقد نجح الأفضل بين المرشحين وأكد النجاح حالة الوعي والقدرة على الاختيار التي يتميز بها شعبنا. ويؤكد ذلك أن التطلع للديمقراطية ينسجم وطبيعته ووعيه. ويعكس موضوعية إلحاح الطلب.

قد يترتب على نتائج الانتخابات زيادة الصراعات العائلية في بعض القرى وهذا يفرض تحريك الحياة السياسية لتغيير أشكال الصراع وجعلها أكثر حضارية بدل أن تكون أكثر تخلفاً، فالديمقراطية تكشف العيوب وطريقة التفكير وتحدد ماهو سلبي وتعمل على تغييره.

وإذا أضفنا إلى ذلك كله عدم قدرة السلطة التنفيذية على تعديل قانون الإدارة المحلية نتأكد أن أي تغيير أو تطور لم يتم في هذا المجال الهام، وأن القديم والمتخلف مسيطر ولازال التجديد حالة ضرورية ومهمة مستقبلية تنتصب أمام الجميع وأن مجالس الإدارة المحلية ستكون هامشية في حياة السكان وستزداد عزلة.

يقابل هذا الواقع حالة من الفساد منتشرة ومؤثرة على حياة المواطنين  فألوف أطنان اللحم الفاسد الموزع لسنوات على المواطنين معروفة وأيضاً فإن وفاة العديد من المواطنين بسبب تناولهم مشروباً فاسداً… معروفة للجميع ورغم ذلك لاتجري محاكمات علنية ولايعرف من هو المسؤول عن ذلك في الدولة ولا تتخذ إجراءات علنية بحق المسؤولين، الذين استمروا على رأس عملهم رغم الفضائح الكبرى.

يزداد السكن العشوائي وتزداد معه الرشوة وتزداد حاجة المواطنين لسكن شعبي وصحي ورخيص ولايزال المواطن يُضطهد أثناء استخدامه لآليات النقل فهو مضطر لأن يدفع أكثر من أجرة النقل من محافظة لمحافظة إذا رغب في السفر وشركات النقل لاتحترم الوقت ولاتتقيد بموعد وهي تربح بضع ليرات تقف في استراحات خاصة قبل الوصول للمحافظة ببضعة كيلومترات.

وآليات النقل الداخلي تحشر الراكبين بطريقة لاتنسجم وإنسانيتهم والتلوث لايزال بازدياد يهدد بكوارث في بعض المدن.

ومشافي القطاع العام وغيرها من المنشآت الصحية لاتؤدي الخدمات اللازمة رغم التوظيفات الكبيرة والأجهزة الأكثر تطوراً الموجودة لديها، ومشافي القطاع الخاص لاتتقيد بالتسعيرة الحكومية والنظافة تتراجع رغم فرض ضريبة النظافة ولم تؤمن مكبات للقمامة. ولايزال سكان القرى يشربون من مياه ملوثة.

والطرقات تتراجع مواصفاتها بسبب سوء التنفيذ وضعف الصيانة وغيرها وغيرها.

كل ذلك يزداد ويتراكم بسبب ضعف فعالية المجالس المحلية والضعف ناجم عن تركيبتها وضعف التعامل معها وهذا ينعكس على المواطن الذي يتعرض لمشاكل منذ الخروج من منزله وهي مشاكل قابلة للحل.

إن الانتخابات ونتائجها تؤكد بأن النضال لتطوير مدننا وقرانا وحياتنا إذا لم يتم من داخل المجالس فسيتم من خارجها، وهذه المهمة منتصبة أمام جميع القوى السياسية وإلا فإن التخلف سيزداد والفساد سيتفشى أكثر.

■ منصور الأتاسي

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.