مأساة إنسانية جديدة نتيجة (خطأ طبي).. الفقراء يدفعون حياة أبنائهم ثمنا لإهمال بعض الأطباء!!

هل هي مجرد أخطاء طبية سببها الإهمال أو التسرع أو قلة الخبرة؟؟ أم أنها الآليات المتخلفة التي تطبع عمل جميع المؤسسات التابعة للقطاع العام؟؟ أم أنها مسائل روتينية تحدث في كل زمان ومكان وخاصة في المشافي العامة؟؟ أم أنها أخيراً، وربما هذا هو الأخطر، حملة كاملة متكاملة للإساءة للقطاع العام الصحي، الغاية منها دفع هذا المرفق الحيوي للانهيار ليتحمل المواطن الفقير في النتيجة وطأة الانفتاح والعولمة؟

لقد كثرت في الآونة الأخيرة الشكاوى المفعمة بالألم لمواطنين بسطاء دفعوا نتيجة لما يسمى بـ «الأخطاء الطبية» حياة أولادهم فلذات أكبادهم من دون أن يجدوا من ينتصر لهم في مأساتهم أو يأخذ بيدهم أو يقدم لهم بالحد الأدنى تعويضاً رمزياً يخفف عنهم مصابهم الأليم.

مأساة الطفل محمد شيخوني

محمد شيخوني طفل في الثانية عشرة من عمره (الضائع)، وقد شكا في إحدى الليالي من خاصرته، فما كان من أهله إلا أن أخذوه إلى الطبيب الذي أكد لهم أن لديه مشكلة في (الزائدة) وهو بحاجة لعملية جراحية بسيطة لاستئصالها، وبالفعل سارع أهله في إدخاله إلى مشفى «الهلال الأحمر بدمشق» لإجراء الفحوصات والقيام بما يلزم. وجاءت التحاليل والفحوصات لتؤكد أن هذا الطفل بحاجة إلى عملية استئصال للزائدة، وقد جرت هذه الجراحة بتاريخ 09/03/2006 على يد الطبيب «م. ج» الذي سارع بعد العملية للتأكيد بأنها كانت سهلة وبسيطة، ونجحت 100%. لكن، وبعد أسبوع واحد من إجراء العملية (الناجحة) أعاد الأهل ولدهم إلى المشفى لأنه عانى منذ تخريجه منها على يد الطبيب ذاته، وطوال أسبوع من آلام حادة وانتفاخات في البطن، كان يظنها الأهل اعتيادية تحدث عقب أي عمل جراحي. المهم أنه وبمجرد عودة الطفل إلى المشفى أدرك الأطباء الذين عقب المشاهدة الأولية أن هذه الأعراض توجهلانتان معمم بالبطن تال لفك خياطة جذمور الزائدة الدودية بسبب سوء جودة العمل الجراحي، وهذا ما أثبتته فعلياً الفحوصات السريعة التي أجروها، والتي أظهرت أن وضع الطفل في منتهى الخطورة.

وللعلم فإن عملية استئصال الزائدة تكون فعلاً عملية بسيطة لا ينتج عنها أية خطورة أو مضاعفات في حال تم ربط  الجذمور بشكل جيد ومحكم، أما في حال عدم ربط هذا الجذمور بإحكام، فإن هذه العملية تكون بمثابة كارثة على جسد المريض، حيث يؤدي هذا الجذمور المفتوح إلى تلويث كل الأعضاء الداخلية المحيطة به بالجراثيم والإنتانات التي يصعب فيما بعد السيطرة على نتائجها، وهذا ما حدث فعلياً مع الطفل محمد شيخوني الذي لم يفلح الجهد الصادق والمتواصل الذي بذله الأطباء في مشفى الهلال الأحمر لمدة ثلاثة شهور في إنقاذه، وبالتالي دفع حياته ثمناً «لخطأ طبي» كان يمكن ببساطة أن لا يحدث.

الطبيب يختفي والبطن يفتح مجدداً

أكد ذوو الطفل المريض أن الطبيب الذي أجرى الجراحة لولدهم قد اختفى من المشفى بمجرد عودة الطفل إليها، وحسب ما نقلوه لنا فإنه لم يعاود الظهور إلا بعد شهر على الأقل، وقد تولى الإشراف على الطفل الطبيب الجراح (س.ع) الذي أجرى سريعاً عملية فتح بطن استقصائي للطفل لتحديد حالته بدقة، وقد أكد في تقريره بعد الجراحة التي تمت في 15/03/2006 مايلي:

1- وجود كمية كبيرة من القيح تملأ البطن مع فتحة على جدار الأمعاء الدقيقة التي كانت متوسعة بشكل شديد!.

2- لوحظ وجود ثقب في الأمعاء الدقيقة على بعد (80 سم) من رباط ترايت.

3- وجود تهتك في مصلية الأمعاء الدقيقة.

4- جذمور الزائدة الدودية وجد مفتوحاً!.

بعد هذه الجراحة التي تم فيها خياطة الثقب الموجود في الأمعاء الدقيقة واستئصال قسم منها وتعقيم جذمور الزائدة وغسل البطن لمرات عديدة بالسيروم الملحي، تحسن وضع الطفل نسبياً، لكنه سرعان ما عاد للتدهور بعد نحو أسبوعين أو أكثر بقليل، مما تطلب إجراء جراحة ثالثة له، نفذها الطبيب (م.ب.س) الذي عاد واستأصل قطعاً إضافية من الأمعاء المتمزقة وخياطة مصليات الأمعاء المتهتكة واستئصال الأعور والكولون الأيمن، لكن كل ذلك لم يجد نفعاً حيث ظل وضع الطفل يمضي من سيء إلى أسوأ إلى أن أدى في النهاية إلى وفاة الطفل بتاريخ 30/05/2006 الساعة الثانية والنصف صباحاً.

أم محمد التي فقدت ابنها قالت والدموع تذرف من عينيها: لا شيء يعوضني عن ابني، فقد توفي نتيجة خطأ الطبيب الذي عرض عليّ مبلغاً من المال عندما هددته بالمحاسبة بعد أن وجدت بطن ابني مفتوحاً وأمعاؤه مكشوفة بعد العملية! وقد تابع الطبيب جشعه واستخفافه بنا ومنعنا من أخذه إلى أي مشفى خاص واستشارة أي طبيب آخر، حتى أنه تولى نفقات المشفى ومصاريف الأدوية خوفاً من انكشاف أمره!

هناك أخطاء كثيرة ولا يوجد أي محاسبة من وزارة الصحة، سأرفع دعوى ضد الأطباء فقط لكي لا يتكرر ما حدث مع ابني مع طفل ثان.

الوالد المفجوع بابنه: ابني أصبح هيكلاً عظمياً بعد دخوله المشفى، فقد نزل وزنه من 32 كغ إلى 18 كغ. بصراحة بعض الأطباء هنا يتصيدون المرضى ويعملون عليهم تجارب ما هب ودب حسب مقدراتهم الدراسية، وكل من أخبرناهم عن نيتنا بتقديم شكوى قالوا لنا: لن تستفيدوا شيئاً (وغيركم كان أشطر) في المشفى التي قتل فيها ولدي، حتى الآذن يدخل غرفة العمليات ويخرج منها متى شاء، وهذا صحيح لأنني عندما طلبت مقابلة المدير العام منعوني من الدخول إليه وقدموا لي في غرفة الانتظار ورقة بيضاء وقالوا اكتب شكواك ونحن سندرسها فيما بعد، وبالفعل المدير درسها ولكن بطريقة عجيبة جداً، فعندما سألناه، لماذا تجرى ثلاث عمليات لطفل معه (زائدة) قال: لأنه ليس لديه مناعة!.

المشافي العامة وضعت للفقراء، ولكنني بعد الآن لا أنصح أحداً بالعلاج فيها وأعتبر نفسي شاهد عيان على شدة سوئها بعد أن قضيت فيها ثلاثة أشهر متواصلة، وشاهدت ما شاهدت من فساد وروتين فظيع بدءاً من البواب الذي يأخذ المعلوم ويبتزنا بشكل لا إنساني وانتهاء بغرفة العمليات.

وأخيراً، ألا يحق لنا بدورنا أن نسأل من المستفيد من تفاقم هذا الإهمال والتسيب في هذا القطاع الحيوي الهام؟ وأين هي المحاسبة التي يتحدثون عنها في اجتماعاتهم ومؤتمراتهم؟ ألا يكفي عشرات الأخطاء الطبية هنا وهناك لوضع حد لهؤلاء الذين ما انفكوا يسيئون لهذه المهنة الإنسانية النبيلة ولو بسحب شهادة واحدة من طبيب مسيء ليكون عبرة لغيره!.

هذا برسم وزارة الصحة أولاً وأخيراً.. وللحديث بقية!!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.