الشبيبة السورية... ملاحظات أولية؟

لدى استعراض الخريطة الديموغرافية للمجتمع السوري حسب الفئات العمرية نلاحظ إن الشبيبة (أربعين عاما فما دون) تشكل ما يزيد على 60 بالمئة من مجموع عدد السكان في البلاد، فالمجتمع السوري والحالة هذه يعتبر مجتمعا شابا وهذا يشكل ثروة إستراتيجية انطلاقا من إن الإنسان أغلى رأسمال،  ولكن هذه الثروة تبقى - مادة خام- إذا لم تؤطر وتوظف في الموقع الصحيح،  أي إذا لم توفر لها المقدمات الضرورية لتكون قوة فاعلة،  باعتبارها أغنى الفئات العمرية بالطاقة والحيوية،   القادرة على التفاعل مع الجديد.

والوقائع الملموسة في الظرف الراهن تؤكد إنها قوة معطلة، منهكة، قلقة، مغيبة عن ساحة الفعل اليومي فيما يتعلق بالنشاط السياسي،  وإذا كان ضغط الظروف السياسية والشحنات العاطفية الانفعالية قد دفعت ببعض القطاعات الشبابية إلى ساحة الحراك السياسي موسميا، فان ذلك لم يغير من الحقيقة آنفة الذكر شيئا، إذ بقي الشباب السوري ضمن تلك الرؤى السياسية القاصرة التي تعاني منها الحركة السياسية الكلاسيكية في البلاد بتياراتها القومية والدينية  الماركسية والتي تعمل في كل شيء ماعدا السياسة وتعيش حالة موت سريري، وتكشف يوما بعد يوم عن عجزها في ظل المنعطف السياسي الراهن الذي تمر به البلاد وفي ظل مستجدات الوضع الإقليمي والدولي والداخلي الراهن....

باختصار ثمة إشكالية في العلاقة بين الحركة السياسية والجيل الشاب تتجلى بعزوف الشباب عن العمل السياسي الحزبي،  وعدم الثقة بالأحزاب الموجودة، وإذا أردنا الوقوف عند هذه المسالة وقراءتها قراءة تحليلية انتقاديه نجد إن أسباب ذلك هي :

- المفارقة بين القول والفعل، تلك الصفة التي اتسمت بها أغلب القوى السياسية في البلاد، وعدم القدرة على تحقيق البرامج.

- اقتصار العمل الحزبي في البلاد على الجانب الدعائي السياسي،  وعدم ممارسة العمل السياسي بإطاره العملي الميداني (اعتصامات،  مظاهرات، إضرابات..) الأمر الذي لم يسمح للجيل الشاب باكتساب تجربة سياسية، تزيد ثقته بالحركة السياسية، وتصقل شخصيته، وصولا إلى بناء الذات الشبابية الواعية المستقلة

القادرة على تحريك مافي الأرض والسماء، بما تملكه من دينامية وحيوية، بل إن اللغة التبريرية الذرائعية التي سادت في خطاب الحركة السياسية في البلاد، أبقت طاقات الشريحة الشابة في حالة كمون،  ومن ثم الركود والانطواء على الذات.

- إن الواقع الاقتصادي الاجتماعي الذي تكون في البلاد كنتاج طبيعي لسياسات السلطة،  دفع فئات شبابية واسعة إلى زوا ريب العمل الهامشي، ومع سيادة نمط عقلية المجتمع الاستهلاكي كنتاج طبيعي لتلك السياسة أيضا، سادت الأنانية وفكرة الخلاص الفردي،  والاغتراب عن الواقع، إما بالتفكير بالهجرة إلى ما وراء المحيط بحثا عن الجنة الموعودة التي حرموا منها في بلادهم، أو بالركون إلى عقلية قدرية عاجزة يائسة والانزلاق إلى مستنقع أخلاقيات العالم السفلي بما فيها من تعاطي المخدرات،  أو الدعارة،  أو عصابات السلب والسرقة، ومحاكاة نمط عادات وتقاليد العالم المخملي على صعيد مواكبة آخر الصرعات في عالم الموضة التي تقدم للجيل عبر أدوات الثروة العلمية التكنولوجية ليصبحوا مستهلكين لها.

إن الشبيبة السورية هي بالمحصلة النهائية ضحية السياسات السائدة في البلاد  في الحقل الاقتصادي الاجتماعي والديمقراطي،  ومن جهة أخرى ضحية عجز وخمول الدكاكين الحزبية التي لم تفكر يوما مع الشباب بل فكرت دائما بدلا عنهم،  وأسست لعلاقة مستمدة من العقلية الأبوية الفلاحية البدائية،  والتي ينتج عنها بالضرورة نقيضها الموضوعي أي التمرد اللاواعي، فكل فعل يقابله رد فعل يعكسه في الاتجاه ويساويه في الشدة وللحديث صلة..