لمصلحة من استقدام العمالة الأجنبية ؟؟
تصاعد الحديث مؤخراً حول العمالة الأجنبية ومكاتب التشغيل، وأهمية استقدام عمالة أجنبية للعمل في سورية تحت ذرائع مختلفة سوّقت لها أطراف عديدة، أهمها غرفة صناعة دمشق بكتابها الذي أرسلته إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتطلب فيه السماح باستقدام عمالة أجنبية للعمل في مجال الألبسة، بزعم أن العمالة السورية غير قادرة على العمل بهذا المجال، والذي يتطلب مهارة حسب الكتاب المرسل يفتقر إليها العمال السوريون، حيث تناست غرفة دمشق من خلال كتابها عمر هذه الصناعة في بلدنا وما راكمته من خبرات طويلة في هذا المجال استطاعت منافسة الإنتاج الأجنبي، وهناك الكثير من المعامل التي تنتج الألبسة السورية بجودة عالية يجري تصديرها إلى مناطق مختلفة، ولكن وراء الأكمة ما وراءها من خلال سعي العديد من أرباب العمل لتحقيق مثل هذا الطلب تساندهم فيه الوزارة ذات الشأن خاصة بعد أن تصاعد موقف العديد من الجهات وعلى رأسها نقابات العمال بضرورة التشديد في حماية وصون حقوق العمال في القطاع الخاص وخاصة زيادة أجورهم وضمان حقهم بالطبابة والإجازات والكثير من المكتسبات التي عمل أرباب العمل على استلابها وحرمان العمال منها والسعي الدائم لعدم الالتزام بها وخاصة في مجال تسجيل العمال في التأمينات الاجتماعية والزيادة الدورية لأجورهم وعدم تطبيق قرارات الوزارة بما يتعلق بزيادة أجور العمال،...إلخ.
فعند استقدام عمالة أجنبية يتجنب أرباب العمل الكثير من المشكلات التي يدعون معاناتهم منها وخاصة زيادة الأجور، فالعامل الأجنبي لا يطالب بزيادة أجوره ولا يطالب بتحسين أوضاعه، وأهم من هذا وذاك أن أجره منخفض وثابت مما يحقق مزيد من الأرباح وانخفاض التكاليف لرب العمل الذي يعمل لديه، إلى أن رب العمل يكون قد حقق المثل الشعبي الذي يقول (قط من خشب يصطاد ولا يأكل)، ولكن العامل السوري لا يستطيع أن يبقى قطاً من خشب لا يأكل بل سيتحول إلى نمر شرس كلما اشتدت الضغوط عليه، وخاصة ظروفه الاقتصادية والمعاشية وهو يرى بأم عينيه كيف أن أرباب العمل يعيشون بأوضاع معاشية لا يمكن مقارنتها بأوضاعه وهو المنتج لهذه الخيرات والتي لا يأخذ منها إلا ما يسد رمقه هو وعائلته، ومع ذلك فهم يريدون أن يغرقوا سوق العمل بمنافس لهذا العامل لكي لا يتحكم بها كما قال المهندس هيثم الحلبي من غرفة صناعة دمشق: «مصرون على استيراد عمالة أجنبية، وماضون في هذا المطلب حتى يتحقق». وقال أيضا: «صار العامل يتحكم بنا».
إذاً هذا هو جوهر الموضوع كي لا تتحول قوة المطالب العمالية الدائمة والتي أخذت تتصاعد يوماً بعد يوم إلى قوة لا يستطيع أرباب العمل التحكم بها والسيطرة عليها، وبالتالي يستطيع العمال انتزاع حقوقهم والدفاع عن مكتسباتهم، وتصبح قوة العمل قوة لا يمكن تجاوزها سواء من أرباب العمل أو الحكومة وسواء أقر قانون العمل الجديد بمواده الجديدة أو لم يقر. أليست هذه قوانين السوق التي يريدها أرباب العمل وأطراف أخرى في الحكومة، أم يريدون اقتصاد سوق فقط من اتجاه واحد وهو اتجاه تحقيق الربح دون التزامات اجتماعية تفرضها عليهم طبيعة تطور الحياة والمصالح المختلفة للعملية الإنتاجية ومنهم العمال.
إن نجاح أرباب العمل ووزارة العمل في تحقيق ما يريدون في استقدام عمالة أجنبية سيزيد من تعقيد أزمة البطالة المستفحلة الآن في سورية، وهي مرشحة إلى ازدياد بسبب ضعف الاستثمارات الحكومية التي تستطيع هذه الاستثمارات لو استمرت أن تمتص أعداداً كبيرة من اليد العاملة العاطلة عن العمل، وهذا ليس وارداً في برنامج لحكومة وخاصة في خطتها الخمسية العاشرة والتي تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات التي سيقوم بها الرأسمال الخاص، والكل يعمل في أي اتجاه تتجه الرساميل الخاصة الآن، إنها باتجاه العقارات والمشايع السياحية التي تدر عليها أرباحاً سريعة، ولا تتطلب أيدٍي عاملة كبيرة مثل المشاريع الإنتاجية والصناعية التي تحتاج إلى يد عاملة موصوفة ومدربة وتحتاج إلى استحقاقات عديدة منها الأجور وضرورة زيادتها، وهذا ما لا تريده الرساميل الخاصة المستثمرة وكذلك نصائح البنك الدولي عند نفي الواقع الاقتصادي السوري حيث قدم نصيحة إلى الحكومة قال فيها: «ينبغي عدم تقليص التحسن في موازنة 2006 من خلال زيادة إضافية في الأجور والرواتب إذ أن تقديم زيادة شاملة بنسبة 20% من أجور القطاع العام سيكلف فاتورة الأجور (20 مليار ل.س) سنوياً وينشىء استحقاقات دائمة تعادل 1.25% من إجمالي الناتج المحلي وهذا سيخلق صعوبة في الوضع المالي للمؤسسات العامة، ويضغط على الأجور في المؤسسات الخاصة، ما يلحق الضرر بقدرتها على خلق فرص عمل والمنافسة في الأسواق العالمية.»
إذاً، هذا هو بيت القصيد، تثبيت الأجور وعدم زيادتها من أجل المنافسة.