وسط اعتراض عمالي وحياد سياسي!! خصخصة شركات الأسمنت «الوطنية» بشروط «أجنبية»
في خطوة أثارت العديد من التساؤلات والتكهنات حول مصير القطاع العام، واتجاهات الإصلاح ومساراته في سورية، أقدمت الحكومة مؤخراً على طرح شركات الأسمنت العامة التي تبلغ أرباحها السنوية مليار ونصف مليون ليرة سورية للاستثمار الأجنبي بدعوى تأهيلها وزيادة إنتاجيتها على حد زعم وزير الصناعة الذي قال: «بأن هذه الخطوة جاءت كي تتمكن شركات الأسمنت من سد حاجة السوق من مادة الأسمنت التي تقدر بـ 7 مليون طن في حين أن الإنتاج الحالي في أحسن الأحوال هو بحدود 5 مليون طن».
وعلى الرغم من انتهاء المؤسسة العامة للأسمنت من إعداد دفتر الشروط اللازمة لطرح الشركات على الاستثمار والتي تنتظر موافقة رئيس مجلس الوزراء على ذلك، فإن مصادر نقابية وحزبية حذرت من الإقدام على هذه الخطوة نظراً لتعارضها مع المادة 14 من الدستور والتي تنص على« ملكية الشعب للثروات الباطنية والمرافق والمؤسسات المؤممة أو التي تقيمها الدولة، حيث تقوم الدولة بموجب هذه المادة باستثمار هذه الشركات بنفسها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب».
وقال إبراهيم اللوزة عضو المجلس العام لاتحاد نقابات العمال في تصريح خاص لقاسيون: «بأن طرح شركات الأسمنت للاستثمار هي مخالفة صريحة للدستور ولايجوز للحكومة الإقدام على ذلك لأنه لايدخل ضمن إطار صلاحياتها بل هي مؤتمنة فقط على أموال الشعب، متهماً الحكومة بالوقت ذاته بأنها حكومة خصخصة وبأن عليها احترام الدستور لأنها أقسمت على ذلك».
وأضاف اللوزة: «بأن تصريحات الحكومة بهذا الشأن تتناقض مع ماذهب إليه المؤتمر العاشر لحزب البعث الاشتراكي لجهة رفض الخصخصة وطرح الشركات العامة للاستثمار بعد تدخل مندوب العمال في المؤتمر حيث تم بموجب ذلك حذف موضوع الخصخصة من التقرير الاقتصادي المقدم إلى المؤتمر العاشر والتركيز بدلاً من ذلك على إصلاح القطاع العام وتطهيره من الفاسدين وجعله يعمل وفق أسس اقتصادية» فيما دعت مصادر حزبية داخل حزب البعث من جهة أخرى إلى ضرورة اتخاذ القيادة القطرية موقفاً واضحاً ومعلناً تجاه موضوع عرض الشركات العامة الرابحة للاستثمار الأجنبي، مشيرة إلى توجيه رئيس الجمهورية لها بضرورة وضع مقررات المؤتمر العاشر موضع التنفيذ خاصة مع مايلوح في الأفق من احتمالات فرض حصار اقتصادي على سورية.
دفتر الشروط . . أين المصلحة العامة ؟
وبالعودة إلى دفتر الشروط الخاصة والفنية لإعادة تأهيل واستثمار شركات الأسمنت (عدرا ـ طرطوس) كمرحلة أولية، فقد قال المهندس زياد كلش المدير العام للمؤسسة العامة للأسمنت في تصريح للصحافة المحلية: «بأن اقتراح طرح الشركات للاستثمار تم بعد فترة طويلة من الدراسة واستقبال مجموعة من كبريات الشركات الأجنبية في صناعة الأسمنت حتى تبلورت الصيغة المناسبة التي يمكن أن تكون مقبولة للمستثمرين الخارجيين».
إلا أن الصيغة التي تم بموجبها إخراج دفتر الشروط كي يكون مقبولاً للمستثمر الأجنبي، تبدو من جهة أخرى متناقضة مع غائية الاستثمار لجهة التطوير والتأهيل وزيادة الإنتاج، لأن مدة العقد هي 15 سنة وهي فترة طويلة سيحقق المستثمر خلالها أرباحاً طائلة ويسلم المعمل في النهاية على شكل بقايا معمل وخردة، لأن نسبة الاهتلاك خلال 15 عاماً ستكون بمعدل 150% مع العلم بأن الحكومة رفضت مطلع هذا العام عرضاً تركياً لتطوير شركة عدرا للأسمنت بكلفة أقل على الدولة من العرض الجديد، حيث كانت مدة العقد 10 سنوات فقط، على أن تتعهد الشركة التركية بزيادة إنتاجية المعمل من 800 طن يومياً إلى 2000 طن يومياً أي بمعدل زيادة قدره 150% مع احتفاظ الدولة بحصتها السابقة (800) طن مضافاً إليها نسبة 40% من الزيادة دون أن يترتب عليها أية تكاليف، في حين أن مدة العقد الحالية 15 عاماً سيجعل من فكرة التأهيل والتطوير أكذوبة كبيرة، إضافة إلى أن دفتر الشروط ينص من ناحية ثانية على «أن تقوم الشركة العارضة بتحديد حصة المؤسسة من الإنتاج عن كل سنة خلال فترة الاستثمار خلافاً للعرض التركي، وهو ماسيرتب لمخاطر أمنية واقتصادية كبيرة، ستكون سورية بغنى عنها في هذه الظروف، حيث كان توزيع الأسمنت سابقاً خاضعاً للحسابات القومية وكانت أولوية الإنتاج والتوزيع للجيش والقوات المسلحة والمؤسسات العامة ثم السوق المحلية، وفي حال طرح الشركات للاستثمار فليس هناك أي ضمانات بأن تكون الكمية المحددة للدولة كافية لسد احتياجات الدفاع والمؤسسات العامة عدا عن السوق المحلية التي ستشهد صعوداً لأزمة الأسمنت وليس حلاً كما تتفاءل به الحكومة، لأن الشركة الأجنبية سيكون لها الحق في التصرف بإنتاجها الذي سيذهب بكل تأكيد إلى السوق الخارجية و الإقليمية نظراً لارتفاع أسعار الأسمنت فيها بسبب ارتفاع أسعار الطاقة (الغاز الطبيعي ـ الفيول) التي تدخل بكميات كبيرة في صناعة الأسمنت وهو مايعني بأن إشباع حاجة السوق المحلية جراء عرض الشركات على الاستثمار هو خرافة أخرى تحاول الجهات الوصائية إيقاعنا بها.
أما التضليل الآخر والأكثر خطورة الذي يحاول معدو دفتر الشروط تمريره وتصويره على أنه إنجاز كبير هو القول بزيادة الإنتاج بحدود 100% بينما على أرض الواقع فإن الزيادة ستكون أقل من ذلك بكثير لأن الاستثمار في شركة عدرا مثلاً سيجري على أساس طاقتها الحالية المقدرة بـ 800 طن في حين أن الطاقة الاسمية للمعمل هي 1000 طن يومياً كان باستطاعة الحكومة الوصول إليه لو أرادت ذلك، أي أن الحكومة أسقطت من حساباتها 200 طن يومياً لحساب المستثمر الأجنبي دون أية تكاليف مع العلم أنه تم مؤخراً الانتهاء من عمليات تأهيل وتطوير الخط الثالث في شركة عدرا الذي سيدخل الإنتاج مطلع عام 2006 والذي سيزيد الطاقة الإنتاجية لشركة عدرا بحدود 50% وهو رقم آخر تسقطه الحكومة من الحسابات القومية وتقدمه هدية مجانية «للأصدقاء» الأجانب كعربون وفاء وولاء مع العلم أن كلفة الإنفاق على هذه الزيادة بلغت 700 مليون ليرة سورية وهي قيمة التوريدات والآلات (جدول رقم 1) بالإضافة إلى 50 مليون ليرة تقاضتها شركة أوستر بلاين النمساوية لتنفيذ الدراسة التي أعدها الفنيون في شركة عدرا والتي ستزيد الإنتاج من 800 طن يومياً إلى 1100 ـ 1200 طن يومياً علماً بأنه تم توريد أغلب هذه الآلات وفتح الاعتمادات للباقي، إلا أن دفتر الشروط لم يلاحظ ذلك كله وتم التعامي قصداً عن تلك المبالغ التي صرفت، حيث ورد في الملحق الفني لدفتر الشروط بأن الطاقة الإنتاجية المتاحة حالياً لشركة عدرا هي 800 طن كلنكر يومياً فقط؟
مخاتلة أخرى إضافية يحاول دفتر الشروط إيقاعنا بها وهي الاطمئنان لمصير العمال الموجودين في شركات الأسمنت حيث تنص المادة 8 من دفتر الشروط على «محافظة الشركة المستثمرة لحقوق ومزايا العمال المحليين بالكامل وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها». إلا أن المادة التي تليها مباشرة رقم 9 والتي تنص على تشميل الاستثمار بأحكام قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 ستجعل من المادة الثامنة والحفاظ على حقوق العمال أشبه بحيلة أبي موسى الأشعري، وسيكون مصير أكثر من 3500 عامل مجهولاً بل سينضم أغلبهم إلى قائمة العاطلين عن العمل لأن المستثمر الأجنبي بموجب القانون رقم 10 للاستثمار غير ملزم بقانون العمل 49 لعام 1962 الذي يحمي العامل من التسريح كما أنه غير ملزم ومعفي من تسجيل العمال لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.
اعتراض عمالي على الاستثمار
من جهتها تحفظت نقابة عمال صناعة الأسمنت والبورسلان والأترنيت بدمشق على اقتراح عرض شركة عدرا للاستثمار لأنها شركة رابحة ومحققة لخطتها السنوية بنسبة 98% لغاية تاريخه، خاصة وأن فنيي الشركة قاموا بإعداد دراسة تطويرية للخطوط بحيث يتم زيادة الإنتاج من 800 طن يومياً إلى 1200 طن يومياً، وذلك بالتعاقد مع شركة أوستر بلاين النمساوية لتنفيذ هذه الدراسة حيث بلغت قيمة التعاقد 50 مليون ل . س وتم الإعلان عن القطع التبديلية للشركة ومستلزمات الإنتاج اللازمة لأعمال التطوير منذ عام 2003 حيث تم توريد بعض القطع التبديلية للشركة بعد أن تم التثبيت وفتح كافة الاعتمادات لباقي القطع التبديلية التي سيتم توريدها للشركة في مطلع العام القادم حيث بلغت تكاليف التطوير لهذا الخط 700 مليون ليرة سورية وطالبت النقابة ـ في حال كان قرار الاستثمار سينفذ لامحالة ـ أن لاتذهب هذه القيمة من المبالغ لصالح المستثمر دون أي ثمن أو اعتبار الخط الثالث بقيمة إنتاجية 1200 طن يومياً بدلاً من 800 طن كون وسائل التطوير أصبحت جاهزة ومدفوعة الثمن، مشددة في جميع الأحوال الحفاظ على مكاسب وحقوق العاملين ومشاركة التنظيم المعني في الشركة بشكل جدي ورسمي بالشروط المتعلقة بحقوق ومصير العاملين في هذه الشركة.
تحرير سعر الأسمنت
على صعيد متصل أعلن السيد عبدالله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية ورئيس اللجنة المكلفة بدعم مشاريع الأسمنت المشملة بأحكام القانون رقم 10 لعام 1991 عن نية الحكومة «لتحرير سعر مادة الأسمنت مع التوجه نحو التدخل الإيجابي في أسعار الأسمنت وترك الحرية للمؤسسة في تحديد الأسعار وفق آليات السوق» وفي حال الإقدام على هذه الخطوة فإن أسعار الأسمنت ستصل إلى ضعف ماهي عليه الآن ولن يستفيد في النهاية إلا المستثمر الأجنبي الذي كسب في المحصلة سوقاً محلية وإقليمية واسعة بأسعار سيحددها هو بنفسه إضافة إلى أنه سيكون معفياً من جميع الضرائب والرسوم والالتزامات تجاه العمال والاقتصاد الوطني مستخدماً المواد الأولية بأسعار تقل كثيراً عن الأسعار العالمية في حين أن المواطن السوري سيقف أمام التراب الذي سيباع له بسعر يكون أغلى من سعر الطحين والنفط . . .
ورغم أن لجنة دعم مشاريع الأسمنت الخاصة قدمت مزايا إضافية أخرى للمستثمرين مثل تخفيض إيجار الأراضي من 2000 ل.س إلى 100 ل.س للدونم وتمديد فترة عقد الإيجار ليصل إلى 50 سنة قابلة للتجديد بدلاً من 15 سنة وقيام الدولة بتأمين البنية التحتية لأماكن تجمع المعامل في كل من منطقة أبو الشامات وجبل عبد العزيز وإمكانية تقديم قروض للمستثمرين، فإن تلك المزايا والإجراءات لم تدفع لحد الآن البرجوازية المحلية نحو الاستثمار في صناعة الأسمنت، حيث وصل عدد المشاريع المشملة بأحكام قانون الاستثمار رقم 10 إلى حوالي 23 مشروع لم يتقدم سوى 3 منها فقط بطلب الحصول على التراخيص في حين لو تم تقديم نصف هذه المزايا للقطاع العام لكنا وفرنا على أنفسنا الحلول الوقتية والقسرية وامتلكنا استراتيجية صناعية في مجال الأسمنت كانت سترفد خزينة الدولة بمليارات إضافية من هذه الصناعة، خاصة وأن الدراسات العلمية التي أعدتها المؤسسة العامة للجيولوجيا أشارت إلى وجود احتياطي مواد أولية يكفي لإنتاج 20 مليون طن سنوياً لمدة لاتقل عن 200 عام خاصة وأن صناعة الأسمنت كان يمكن أن تكون صناعة منافسة في إطار استحقاقات الشراكة الأوروبية المتوسطية لأنها تحتاج إلى كثافة عمالية متوسطة التأهيل بالإضافة إلى أن البنية التحتية والقطاعات المرتبطة بها تعمل بفعالية مع ارتفاع حجم الطلب على هذه المادة وهي صناعة تسعى أوروبا بجهد إلى ترحيلها لدول جنوب البحر المتوسط.
■ كاسترو نسي
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.